عندما أستيقظ في الثالثة صباحًا أبدأ بجلد ذاتي، ولكني لست الوحيد الذي يفعل ذلك، فأحد أصدقائي يُشبّه الأفكار التي تأتيه في الثالثة فجرًا بكتل الأسلاك الشائكة، إذ يعلق الإنسان فيها ولا يستطيع الخروج. تتعلق معظم الأفكار بالاكتئاب والتأنيب، ولكنها تختفي على نحو مفاجئ بحلول الصباح، وهذا يثبت أن تفكير الساعة الثالثة صباحًا كان غير عقلاني وغير مجدٍ، فماذا يحصل؟

هذا الأمر يفسره لنا البروفيسور غريغ موراي، مدير مركز الصحة النفسية في جامعة سوينبورن للتكنولوجيا، وهو باحث في علم النفس وخبير في المزاج والنوم والساعة البيولوجية، وهذا ما تحتويه الأبحاث من معلومات حول هذه التجربة المشتركة بيننا.

ماذا يحدث لجسمك في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل؟

نحو الساعة الثالثة أو الرابعة صباحًا، يصل جهازنا العصبي في أثناء النوم الطبيعي إلى نقطة تغير، فتبدأ حرارة الجسم الداخلية بالارتفاع، ويقل الميل إلى النوم لأننا قد نمنا أصلًا فترة من الزمن، ويصل إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم إلى ذروته، وتزداد مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) استعدادًا لاقتراب موعد استيقاظ الجسم، وانطلاقه إلى الحياة اليومية.

واللافت أن هذه الفعاليات جميعها تحدث بمعزل عن العوامل الخراجية، مثل ضوء الشمس الناتج عن الفجر، ولكن الطبيعة قد قررت منذ زمن بعيد أن شروق الشمس وغروبها مهمان جدًا، ولهذا يجب ترقب حدوثهما وتوقعهما، وهذه هي مهمة الساعة البيولوجية.

نستيقظ عدة مرات خلال الليل، ويعد النوم غير العميق أكثر شيوعًا في النصف الثاني من الليل، ولكننا لا نشعر بهذه الاستيقاظات الصغيرة عندما ننام جيدًا، ولكن بإضافة القليل من التوتر يصبح احتمال الاستيقاظ التام عند إحدى هذه اليقظات الصغيرة أمرًا مرجحًا.

وليس مفاجئًا وجود دليل على أن وباء كورونا من عوامل التوتر التي تسبب خللًا في النوم، فإن كنت تستيقظ بعد منتصف الليل، ولا تستيطع النوم جيدًا، فأنت لست الوحيد.

يؤثر التوتر أيضًا على النوم في حالات الأرق، فيصبح الأفراد شديدي الحساسية للاستيقاظ.

فقد تسبب المخاوف من الاستيقاظ في الوقت الذي يرجح أن يكون المرء نائمًا فيه، دخول الفرد في الاستيقاظ الواعي المصحوب بالقلق، عندما يمرون في مراحل النوم الخفيف. فإن كان هذا الوصف مشابهًا لما تشعر به، فاعلم أن الأرق يستجيب جيدًا للعلاج السلوكي المعتمد على التفكير.

وهنالك أيضًا ارتباط قوي بين النوم والاكتئاب، فمن المهم التواصل مع طبيبك عند وجود اضطرابات في نومك.

المبالغة في التفكير في مخاوفنا وهواجسنا في الساعات الباكرة:

هنالك طرفة تتعلق بالساعة الثالثة فجرًا، وهي أن إيجابيتها الوحيدة أنها تعطينا مثالًا حقيقيًا عن التفكير الهاجسي بأسوأ نتائج ممكنة للأحداث التي قد تقع.

عندما نمر في هذه المرحلة من حلقة نومنا فإننا نكون أضعف ما يمكن من ناحية القدرات الجسدية والمعرفية، وهذا من وجهة نظر الطبيعة وقت للتعافي الحسي والنفسي، ولذلك يمكننا أن نفهم لماذا تكون مواردنا الداخلية في أضعف حالاتها.

ولكننا نفتقد موارد أخرى في منتصف الليل، مثل الصلات الاجتماعية والممتلكات الثقافية ومهارات التأقلم، التي اكتسبناها بصفتنا راشدين، فكل هذه الأشياء غير متوفرة لنا في ذلك الوقت.

دون مهاراتنا وممتلكاتنا البشرية، نُترك وحيدين في الظلام مع أفكارنا. ولذلك يكون دماغنا محقًا نوعًا ما عندما يتوصل إلى أن المشاكل التي يفكر فيها غير قابلة للحل، ففي تلك الساعة تكون معظم المشاكل غير قابلة للحل حرفيًا.

هل يمكننا فعل شيء يساعدنا؟

هل لاحظت أن الأفكار التي تراودك ليلًا تركز على ذاتك كثيرًا؟ فمن السهل أن يتوه المرء في حالته الوجودية الذاتية بعيدًا عن الآخرين والمجتمع، وتدور الأفكار حول مفهوم الأنا، وهكذا يمكننا توليد المشاعر المؤلمة التي تنعكس على ذاتنا، مثل الندم والشعور بالذنب، أو أن نوجه أفكارنا المتعبة إلى المستقبل المجهول مولدة مخاوفنا التي نجهل أسبابها.

تملك البوذية موقفًا قويًا يتعلق بهذا النوع من النشاط الذهني، وتقول: «الذات محض خيال، وهذا التخيل مصدر جميع الكوارث».

يتمرن العديد منا على الثبات الذهني الذي تهتم به البوذية لكي يساعدنا على التعامل مع التوتر في حياتنا اليومية، وأنا أستخدم الثبات الذهني لأتعامل مع الاستيقاظ في الليل الذي كنت أتكلم عنه.

أحوّل انتباهي إلى حواسي، وخاصةً صوت تنفسي، فعندما أشعر أن الأفكار بدأت تتولد، أنقل انتباهي برفق إلى صوت التنفس، وأنصحكم بأن سدادات الأذن تساعدكم على سماع صوت التنفس والخروج من حالة التفكير.

ينجح هذا النوع من التأمل أحيانًا، ويفشل أحيانًا أخرى. فإن فشل وبقيتُ غارقًا في تفكيري السلبي بعد 12 أو 20 دقيقة، اتبع نصيحة العلاج النفسي السلوكي، وهي النهوض وإضاءة ضوء خفيف، ثم القراءة.

قد تبدو هذه النصيحة عادية، ولكنها فعالة جدًا في الليل وتساعد على كتم الأفكار، وقد تساعدنا على الخروج من مخاوفنا والتفكير غير المنتج.

ونصيحة أخيرة: من المهم أن تقنع نفسك خلال ساعات النهار أنك تريد تجنب التفكير الكارثي، ولا يمكننا تخطي الفلاسفة الرواقيين في هذا الصدد.

أن نستيقظ في الثالثة فجرًا وفي جعبتنا الكثير من مخاوفنا وأفكارنا المقلقة أمر طبيعي وبشري جدًا، ولكنها في رأيي ليست أفضل العادات لاتباعها.

اقرأ أيضًا:

ثلاث طرق للتخلص من الأفكار المزعجة التي تعجز عن مسحها من عقلك!

كيف نتغلب على الوحدة ؟

ترجمة: علي علوش

تدقيق: وسام عمارة

مراجعة: حسين جرود

المصدر