تؤثر الوحدة فينا مثل أي مرض جسدي، وقد يترك صخب الأعياد في بعض الأحيان شعورًا بالفراغ والعزلة، فكيف يمكن التغلب عليه؟ كما تقول الكاتبة الأمريكية فاني هاو: «الوحدة رفيقة غير مدعوة تأتي إليك دون سابق إنذار»، يحدد علماء النفس الوحدة بعدة طرق ويقسمونها حسب مدتها، ويتفق معظم المتخصصين على أن الوحدة عاطفة غير مرغوبة تؤثر في صحتنا النفسية والجسدية، لاحظت الدراسات الحديثة أن الوحدة قد تؤثر في مناعتنا ونظام نومنا وتعرضنا لخطر الإصابة بأمراض القلب.

تؤكد دراسة حديثة أن الوحدة قد تزيد من خطر الوفاة المبكرة أكثر من العوامل الصحية الأخرى، ووجدت دراسة أخرى جرت على أشخاص أعمارهم أكبر من 45 عامًا أن ثلث المشاركين كانوا يعانون الوحدة، وأشارت تقارير أخرى تركز على الشباب والأطفال أن نسبةً كبيرةً من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 عامًا كانوا يعانون الوحدة، واستنتجت دراسة أخرى أن سن 35 هو العمر الذي يعاني فيه الرجال الوحدة. باختصار، لا توجد فئة عمرية في مأمن من هذا الخطر.

يعد شهر يناير أكثر الأوقات التي يعاني فيها الأشخاص الوحدة؛ فيوم الاثنين من الأسبوع الثاني من شهر يناير هو الأكثر كآبة، ونحن ننظر في سبل التغلب على الوحدة التي نشعر بها في أواخر عطلة الشتاء، حتى لو لم تُصب بالوحدة بعد الانتهاء من حفلات بداية السنة فإن هذه الطرق ستساعدك على التغلب عليها إذا شعرت بها.

1. الاعتراف

لماذا قد نواجه الوحدة؟ وكيف تؤثر فينا؟ وكيف يمكننا التغلب عليها؟

كيف نتغلب على الوحدة - كيف يمكن التغلب على الفراغ والعزلة - العزلة والاكتفاء الذاتي - إدراك مخاوفك ورغباتك واحتياجاتك - التعرف على نفسك

يقول البروفيسور كاسيوبو من جامعة شيكاغو: «يقيّم مجتمعنا العزلة والاكتفاء الذاتي كثيرًا، وهذا قد يدفع الأشخاص إلى أن يصبحوا معزولين ويرفضون الاعتراف بالوحدة عندما يختبرونها. أنت لا تسمع الناس يتحدثون عن شعورهم بالوحدة، إذ يظنون أنه من العار أن يشكوا منها وأن من يفعل ذلك شخص ضعيف وهذا أمر مؤسف، فإنكار الشعور بالوحدة كإنكار الشعور بالجوع أو العطش».

ويضيف البروفيسور أن المشاعر غير المؤثرة لا تضيف إلينا شيئًا سوى جعلنا نتجه إلى المزيد من العزلة ولذلك فالخطوة الأولى للتغلب على هذه المشاعر هي أن ندرك أن ما نشعر به هو الوحدة، ونعلم مدى تأثيرها في دماغنا وسلوكنا وجسمنا.

فورما نعترف بمشاعرنا ونفهم أنها قد تؤثر في صحتنا العقلية والجسدية سنستجيب لشعورنا بالوحدة بواسطة تشكيل الروابط وتعزيزها. يشير كاسيوبو إلى أنه يمكنك تعزيز الروابط الحميمية من طريق تطوير علاقتك مع فرد واحد موثوق به، وتعزيز علاقاتك من طريق قضاء أوقات جيدة مع العائلة والأصدقاء، وتعزيز الترابط الاجتماعي من طريق أن تصبح جزءًا من شيء أكبر، يتساءل كاسيوبو «لماذا لا تفكر في أن تتطوع في شيء تستمتع به؟»

2. الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي

رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الحل الأول الذي نفكر فيه عندما نشعر بالوحدة، فإن الكثير من الدراسات الحديثة أثبتت أن وسائل التواصل الاجتماعي تجعلنا أكثر وحدةً وانفصالًا.

وجدت دراسة نُشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي أن مستخدمي الإنترنت يشعرون بمزيد من العزلة أكثر من أقرانهم الذين يخصصون وقتًا أقل لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.

توضح عالمة النفس شيري توركل أن كثرة التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا أكثر ابتعادًا عن بعضنا في الواقع، تقول توركل: «نحن نتوقع المزيد من التكنولوجيا والقليل من بعضنا؛ أسأل نفسي لماذا وصلت الأمور إلى ما نحن عليه؟ وأعتقد أن السبب هو أننا نرى أن التكنولوجيا مكان مناسب لنا أكثر من الواقع لأننا ضعيفون».

من أجل تشكيل شبكة دعم حقيقية تساعدنا، نحن بحاجة إلى التخلي عن أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة واستبدال علاقات حقيقية مع الأصدقاء والأهل بها.

ينصح عالم النفس غاي ونش بمواجهة مخاوفنا واتخاذ الخطوة الأولى في التواصل مع الآخرين بإيجابية، فالتواصل وجهًا لوجه أفضل من التواصل عبر الإنترنت لأنه يجعل الناس يشعرون بمزيد من الارتياح.

بالطبع لا تذهب إلى الغرباء وتتعامل معهم بعشوائية، ولكن عناق صديقك أو والديك أو طفل صغير سيساعدك كثيرًا.

3. حيوان أليف

عندما لا يُتاح التواصل مع البشر قد يساعدك وجود حيوان أليف؛ أشارت دراسات إلى أن امتلاك حيوان أليف قد يساعد على تقليل خطر الوفاة المبكرة خاصةً للأشخاص الذين يعيشون بمفردهم ويعانون خطر الوحدة.

وجدت الأبحاث السابقة أن أصحاب الحيوانات الأليفة يمتلكون مهارات اجتماعية ويشاركون أكثر في الأنشطة المجتمعية، قد يكون امتلاك الحيوانات الأليفة بدايةً رائعةً فعندما تخرجها للنزهة أو للذهاب إلى الطبيب البيطري ستتعامل مع أناس جدد وتتحسن نفسيًا.

وإذا كان امتلاك حيوانات كبيرة مثل القطط والكلاب مكلفًا ومثيرًا للمتاعب، فلماذا لا نفكر في حيوانات صغيرة مثل الأسماك والقواقع والحشرات؟

كشفت دراسة عام 2016 أن كبار السن الذين عُرض عليهم الاعتناء بالصراصير كحيوانات أليفة أصبحوا أقل اكتئابًا وتحسن أداؤهم المعرفي في غضون 8 أسابيع من بداية التجربة، يمكنك التطوع في مأوًى للحيوانات الأليفة أو رعاية الحيوانات الأليفة الخاصة بأصدقائك فهذا قد يساعدك ويزيد من مهاراتك الاجتماعية.

4. أعد كتابة القصة

إذا لم تستطع التخلص من الوحدة فاجعلها شيئًا مفيدًا واستخدمه لصالحك، تعامل مع الوحدة على أنها وقتك الخاص حتى تتمكن من التعرف على نفسك على نحو أفضل وتطور مهارات جديدة أو قديمة.

تشير إحدى الدراسات إلى أن التقبل والتأمل هما أفضل الطرق لتحويل التأثير السلبي للوحدة إلى إيجابي.

يُعرف هذا النهج باستغلال كونك بمفردك لإدراك مخاوفك ورغباتك واحتياجاتك، فهذه أفضل وسيلة للتعامل مع الوحدة، يوضح عالم النفس روكاش أنه عندما تتعلم الترحيب بالوحدة واستغلالها بمثابة فرصة جيدة تستطيع التخلص من آثارها السيئة.

لذلك إذا كنت بمفردك وبدأت تشعر بالوحدة سيكون من الجيد صنع كوب من الشاي والاستماع إلى الموسيقى التي تساعد على التأمل، والتمتع بفرصة تكوين صداقة مع نفسك قبل كل شيء.

تقول توركل مشجعة: «فكّر في العزلة على أنها شيء جيد واستمتع بها» فتعلُّم أن نكون مستريحين مع أنفسنا يساعدنا على تحسين علاقتنا مع الآخرين.

اقرأ أيضًا:

هل نستطيع علاج الشعور بالوحدة؟

ثلاثة أنواع من الوحدة وكيفية محاربتها

ترجمة: محمد طوسون

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر