إنّ الزمن قياس للتغيّر المستمر والمتواصل في محيطنا، عادة ما يكون من وجهة نظر محدّدة. ومع أنّ مفهوم الزمن بديهيّ (كثبات مرور الأحداث أمام أعيننا، أو مدار القمر حول كوكبنا)، فإنّ وصف طبيعته الأساسيّة أصعب بكثير. حتّى الفيزيائيّون غير متيقنين مما يحدث فعلًا عندما يمرّ الزّمن. إلا إنهم يملكون بعض الفرضيّات.

(Mikhail Leonov/Shutterstock)

(Mikhail Leonov/Shutterstock)

كيف يعمل الزمن؟

عُدّ الزمن قرونًا عدّة قوّةً مستقلّة ثابتة، وكأنّ تقدّم الكون محكوم من عقارب ساعة بيج بين مثلًا.

تغيَّرَ هذا الوصف للزمن عام 1905 عندما قدّم آلبرت آينشتاين نظرية النسبيّة الخاصّة.

ومع أنه كان معروفًا أن مرور الزّمن مرتبط بالمكان، فإن هذه النظريّة المهمّة كانت أول ما جمع بين المكان والزمان في مجال واحد، تتغيّر قياساته بالاعتماد على حركة الأشياء النسبية وقواها الجاذبة. جلّ ما يعنيه هذا أن الزمن نسبيّ.

هل الزمن حقيقي؟

سوف يتّفق شخصان يتحرّكان بنفس السرعة والاتجاه، على أن قياساتهما للمسافة والوقت متطابقة. إلا إنه عندما يغيّر أحدهما سرعته، سيلاحظان تغيّر قياسات الشخص الآخر للوقت والمسافة، وبقاء قياسات كل منهما كما هي.

هذا يعني أن الزمن ليس وحدة كونيّة ثابتة، إذ لا يوجد سبب لتفضيل منظور للزمن على آخر. إنه قياس نسبيّ يتغيّر عندما تتحرّك الأشياء بسرعة أو ببطء، أو عندما تتعرّض لجاذبية أكبر أو أقل.

تحني الجاذبيّةُ المكانَ والزمان: كلّما كانت الجاذبيّة أقوى، يزيد انحناء الزمكان ويبطؤ الزمان.

يمكنكم رؤية مثال على ذلك في الصورة أدناه، التي تُظهر انحناء الزمكان بسبب كتلة الأرض.

(NASA)

(NASA)

ولهذا السبب يشيخ الناس على متن محطّة الفضاء الدوليّة، البعيدة عن جاذبية الأرض، أبطأ بقليل من الناس على الأرض.

هل يمكن عكس الزمن؟

يجب أن يكون التغيّر في سرعة الجسم أو سرعة الجاذبيّة هائلًا حتى نتمكن رؤية هذه التأثيرات في الزمن. ولكن عندما تتسارع إحداهما وتقترب سرعتها من سرعة الضوء، تصبح قياسات الزّمن ملحوظة على نحو متزايد.

نظريًّا، عندما يقترب جسيم من سرعة الضوء، سنلاحظ بأن «ساعته» تتباطأ. وفور أن يتخطّى سرعة الضوء، سوف نلاحظ بأن عقارب ساعته تتحرّك إلى الوراء من منظورنا. وسوف تبدو عقارب ساعتنا تتحرّك إلى الوراء من منظور الجسيم.

ماذا عن السفر عبر الزمن؟

يشوّه أيضًا الحجم، الذي يَحني المكان، خلف أفق الثقب الأسود، منظور الزمن.

نملك حريّة المكان في كوننا ويمكننا أن نتحرّك كيفما نشاء، لكننا مُجْبَرون على أن نتبع مسار الزمن باتّجاه خطيّ.

تُظهر الحسابات أن تخطّي أفق ثقب أسود، يبدّل هذه الحريّات. لذا يصبح بإمكاننا أن لا نتبع اتّجاه مسار الزمن الصارم، ولكن سوف نفقد حريّة التحرّك في المكان، ما يتيح السفر عبر الزّمن (نوعًا ما).

ومع أن هذه السيناريوهات تساعدنا على فهم طبيعة الزمن بطريقة أفضل، فإن لدى سرعة الضوء والسفر عبر الثقب الأسود، قيودًا تمنعنا من استخدامهما طرقًا عملية لعكس الزمن. لا تحاول أيًا منها في المنزل.

لماذا يوجد مستقبل وماضٍ؟

ربما تصف نماذج الزمكان قياسات الزمان والمكان التي تتغيّر من نقطة إلى أخرى تليها، ولكنّها لا تشرح الكثير عن الالتزام العنيد للزمن في تسلسل الأحداث.

إن كوننا، تحت هذه الأوصاف للزمن، كتلة واحدة من الزمكان. يوجد نوع من البداية (الانفجار العظيم) لا يمكن تطبيق فهمنا لقوانين الفيزياء قبلها. ويوجد نوع من النهاية حيث لا توجد أهميّة لقياس التغيّر. ولكن لا توجد قطعة من الزمن بصفتها «الآن».

«يعلم الناس الذين يؤمنون بالفيزياء مثلنا، بأن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل وَهْمٌ مثابرٌ عنيد»، هذا ما كتبه آينشتاين في إحدى المرّات.

لكن، قد توجد بعض الأدلّة عن لغز الزمن في مجالات أخرى من الفيزياء غير علم الكونيات (الكوزمولوجيا). على سبيل المثال، اقترح الفيزيائي النمساوي لودفيغ بولتزمان في سبعينيات القرن التاسع عشر، وجود صلة بين الزمن وازدياد مستوى الفوضى في الكون.

لمّح ربط مبدأ ديناميكا الحرارية للقصور الحراري (أنتروبيا) بالزمن، الذي يسير باتجاه واحد، إلى تفسير محتمل لسبب سير الزمن إلى الأمام: ربّما يتحرّك كوننا من كون وليدٍ مضغوطٍ للغاية ذي أنتروبيا منخفضة، إلى كون توسّعي فوضويّ للغاية ينجرف باتّجاه المستقبل.

كيفية إبطاء الزمن

توجد طريقة لإبطاء الزّمن غير السفر نحو الفضاء بعيدًا عن جاذبيّة الأرض، من منظورنا الخاص على الأقل. لا يتعلّق هذا بفيزياء الوقت وطبيعته، ولكن بشعورنا بمدى سرعة الحياة أو بطئها لكل واحد منّا.

يقول بعض الباحثين إنه قد يُشعرك تعريض نفسك لتجارب أو بيئات جديدة، بأن الزمن يمرّ أبطأ. قد يعزى ذلك إلى كميّة المعلومات التي على أدمغتنا استيعابها وتحليلها. فمثلًا، عندما نكون صغارًا أو نتعلّم شيئًا جديدًا، يبدو العالم من حولنا بطيئًا. وعندما نكبر ونتعوّد نمطًا من الرتابة، تبدو الأيام والسنون سريعة.

لن يجعلك أيّ مما سبق ذكره تشيخ أبطأ (للأسف)، إلا إذا كنت تمتلك مركبة فضائيّة، لكن قد تكون معرفتنا بأن الزمن مطواع أكثر بقليل مما يعتقد الكثير منّا، تذكيرًا بأننا نملك قدرتنا الخاصّة لتعميق إدراكنا حول مدى سرعة مرور الأيام (ولو قليلًا).

اقرأ أيضًا:

كيف يدرك الدماغ الوقت؟

محاكاة للسفر عبر الزمن تظهر عدم وجود أثر الفراشة كموميًا

ترجمة: ياسين عبّود

تدقيق: أيمن الشطي

المصدر: sciencealert