إليكم القصة: عاد بطلنا عبر الزمن ليُغيِّر مسار التاريخ؛ إذ وضع هتلر على طريق السلام، وبذلك تجنب الحرب العالمية، لكن ستبدأ سلسلة من الأحداث المترابطة كقطع الدومينو، التي قد تنتهي بأن البطل لا يولد من الأساس، وأسوأ من ذلك أن تلك الأحداث قد تؤدي إلى نهاية العالم.

قد تكون سلسلة الأحداث المتعاقبة غير المقصودة مثل أثر الفراشة من أكثر المسائل الغامضة في الخيال العلمي، لكن الفيزيائيين لديهم الآن سبب للاعتقاد بأنه، بأخذ مبادئ الكم في الحسبان، فإن تغيير التاريخ بهذه الكيفية لا يُعَد مشكلةً كبيرة.

ولأن السفر عبر الزمن إلى الماضي أمر غاية في الصعوبة، صمم فيزيائيان من معمل لوس ألاموس الوطني بالولايات المتحدة محاكاة باستخدام حاسوب كمي.

يقول الفيزيائي النظري نيكولاي سينيتسين: «لن تواجه الحواسيب الكمية صعوبة في محاكاة التراجع الزمني، أو تشغيل عملية المحاكاة في الماضي».

إن المحاكاة تكاد تكون بنفس تعقيد الكون المحتوي على بشر وأحداث تاريخية معقدة، لكن المراحل الصغيرة المكونة من حالات كمية مترابطة، تمكن الباحثين من إعادة الأحداث مع تغيّرات صغيرة ليروا كيف تسير الأمور.

يقول سينيتسين: «يمكننا رؤية ما يحدث بالفعل في عالم الكم المعقد إذا تمكنا من السفر عبر الزمن حاسوبيًا، وأحدثنا بعض الأضرار الصغيرة ثم عدنا مجددًا. وقد وجدنا العالم كما هو، ما يعني أن أثر الفراشة لا وجود له في ميكانيكا الكم».

محاكاة للسفر عبر الزمن تظهر عدم وجود أثر الفراشة كموميًا - تجنب الحرب العالمية - سلسلة من الأحداث المترابطة كقطع الدومينو

إن أثر الفراشة مصطلح شائع في الخيال العلمي المعتمد على السفر عبر الزمن. في قصة راي برادبوري (صوت الرعد) عام 1952، يغير بطل القصة المستقبل فقط لأنه دعس فراشةً دون قصد عندما عاد إلى الماضي.

بعيدًا عن الخيال العلمي، تتضمن فيزياء نظرية الشواشية أو نظرية الفوضى مرجعيتها الخاصة للأثر القوي الذي قد تحدثه الفراشة الهشة في التاريخ. سنة 1972 نشر عالم الأرصاد الجوية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إدوارد لورينز مقالًا مثيرًا بعنوان «هل تسبب رفرفة أجنحة الفراشات في البرازيل اندلاع إعصار في تكساس؟»

مثل فراشة برادبوري المنكوبة، فإن لنظرية الشواشية عواقب بعيدة المدى، لكننا لم نتمكن من توقعها بدقة من قبل بسبب التعقيد الكبير للآثار غير المقصودة.

لكننا في عالَم الفيزياء الكلاسيكية نؤمن بأثر سلسلة الدومينو؛ فكل حركات قطع الدومينو متوقعة، وإن كان أثرها النهائي بعيدًا عن توقعات النماذج والخوارزميات.

لكن لعالَم الكم قواعد مختلفة تمامًا، وحتى الآن لم يستطع أحد توقع كيفية أثر الفراشة في عالم الكم.

أراد سينيتسين وزميله بن يان معرفة ما سيحدث إذا أعادوا التفاعلات التي تتشابك فيها موجات الكم المحتملة -التي تُسمى الكيوبتات أو وحدات التراكب- ثم أنشؤوا نموذجًا كميًا مماثلًا لرفرفة الفراشة. هل سيبقى المستقبل كما هو؟

شُغل عدد من الكيوبتات المتشابكة خلال مجموعة من البوابات المنطقية (دائرة إلكترونية تحتوي على مخرج واحد) قبل إعادتها إلى نظامها الأول.

وبالعودة إلى نقطة البداية، أُجري القياس، وتحولت الموجة المحتملة بفعالية إلى حقيقة صلبة، وأُخل بتراكبها، ثم أُعيد تشغيل النظام بأكمله.

يقول يان: «وجدنا أنه، لو أحدث الدخيل الذي أخل بالتراكب قياسات مدمرة في حالة التشابك القوي، فما زال بإمكاننا استعادة المعلومات المفيدة، لأن هذا الضرر لا تضخمه عملية فك التشفير».

يُظهِر ذلك أن أثر الفراشة لا وجود له في العالم الكمي.

يتوقع الباحثون أن تاريخ الكيوبتات ليس حزمًا دقيقة من المتغيرات المعرضة للتشويش، بل إنه بالضبط ما يحفظ مستقبلها. وكلما كانت رحلتها إلى الماضي أعقد، كان تصميم الكيوبتات الخاصة بالعودة إلى الحاضر مع كامل معلوماتها أكبر.

قبل أن تشعر بالحماس الشديد لما جاء في هذا البحث، لنكن واضحين، لا يُعَدُّ هذا طريقنا للسفر عبر الزمن، مع الأسف. لكنه قد يتيح لنا تطبيقات مثيرة للاهتمام في أنظمة الكم المستقبلية.

يقول سينيتسين: «لقد أدركنا أن مفهوم الفوضى والشواشية في الفيزياء الكلاسيكية وفي ميكانيكا الكم يجب أن يُفهم بطريقة مختلفة».

اقرأ أيضًا:

تجربة استخدام التشابك الكمي على قمر صناعي يدور حول الأرض

تعرف على أول لغة برمجية بديهية للحواسيب الكمومية

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر