يمتلئ الكون بالألغاز التي يسعى العلماء إلى حلها وكشف خفاياها مع تطور الإنجازات البشرية، وينطوي الفضاء الشاسع بلا شك على أغربها. ومن تلك الألغاز ماهية الأساس الذي تحددت وفقه كتل النجوم المتشكلة.

منذ سنة مضت أطلق فريق من علماء الفلك الفيزيائيين مع دعم كبير من أعضاء جامعة نورثويسترن المشروع الفريد الذي يُصدر المحاكاة ثلاثية الأبعاد الأدق والأكثر واقعية لتشكل النجوم وأطلقوا عليه اسم ستارفورغ «STARFORGE».

في دراسة حديثة اكتشف الفريق أن عملية تشكل النجوم هي عملية ذاتية، بمعنى آخر تضبط النجوم كتلتها الذاتية بنفسها وهذا يفسر امتلاك العديد من النجوم المتكونة في أماكن مختلفة كتلًا متشابهة.

هذا الاكتشاف الأخير يمكنه أن يساعد الباحثين على اكتشاف حقائق أكثر عن تشكل النجوم في مجرة درب التبانة والمجرات الأخرى.

نُشرت الدراسة الأسبوع الماضي في مجلة الأخبار الشهرية للجمعية الفلكية الملكية.

ضم فريق الدراسة خبراء من جامعة نورث ويستيرن وجامعة تكساس في أوستن، ومعهد كارنيغي وجامعة هارفارد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. وترأس الدراسة ديفيد غوزينوف زميل ما بعد الدكتوراه التابع لجامعة تيكساس.

صرح كلود أندريه من جامعة نورث ويستيرن ومؤلف مشارك في الدراسة: «يشكل فهم الآلية الأولية لتشكل النجوم معضلة لكونها تؤثر على الفيزياء الفلكية للكون بأكمله بدءًا من الكواكب القريبة حتى أقصى المجرات البعيدة».

وأضاف: «يعود السبب لكون النجوم تمتلك حمضًا نوويًا بسيطًا. أي بمجرد معرفة كتلة النجم يمكنك معرفة حقائق عديدة حوله مثل كمية الضوء الذي يُصدره وعُمره ومصيره بعد الموت. وبناءً عليه، من الضروري جدًا معرفة كتل النجوم لتحديد فيما إذا كانت الكواكب التي تدور حول النجوم يمكن أن تستضيف الحياة بطريقة أو بأُخرى، ومعرفة أشكال المجرات البعيدة».

يمتلئ الفضاء الخارجي بالسحب العملاقة المكونة من الغاز البارد والغبار، التي تأتي من سحب الجاذبية لدقائق الغبار والغازات البعيدة وامتزاجها مع بعضها البعض مشكّلةً كتلًا كبيرة. ونتيجة الامتزاج تتصادم المواد مع بعضها البعض مُطلقًة حرارة عالية تشكل نجمًا جديدًا.

يحيط بالنجوم الحديثة قرص من الغبار والغازات التي تدور باستمرار حولها أي أن جميع الكواكب التي في مجرتنا كانت في يوم من الأيام دقائق من الغبار تدور حول الشمس في بداية تكوّنها.

هناك احتمال أن يعتمد وجود الحياة على كوكب ما على كتلة النجم الذي يدور حوله، لهذا السبب يُعتبر فهم تشكل النجم أمرً ضروريًا لتحديد أي وجود للحياة في الكون.

تقول ستيلا أوفنر أستاذة مساعدة في علم الفلك في جامعة تكساس في أوستن بهذا الخصوص: «النجوم هي ذرات المجرات، وتوزعها الكتلي هو ما يحدد نشأة الكواكب ووجود الحياة من عدمها».

تعتمد جميع مجالات علم الفلك على التوزع الكتلي للنجوم -دالة الكتلة الأولية- التي يصعب على العلماء نمذجتها بشكل صحيح.

ويندر وجود النجوم الأكبر حجمًا من شمسنا بنسبة تصل إلى 1% فقط من النجوم حديثة النشأة، يقابل كلاً منها 10 نجوم مشابهة لشمسنا و30 نجمًا قزمًا.

بحسب بيانات الرصد فإن هذه النسبة تنطبق على النجوم حديثة النشأة والنجوم القديمة منذ ملايين السنين في جميع أجزاء مجرة درب التبانة. تنطبق النسبة على جميع النجوم في مجرتنا والمجرات القزمة المحيطة بنا.

هذه الحقيقة شكلت لغزًا للعلماء، تلك النجوم نشأت في ظروف مختلفة خلال ملايين السنين، وعليه نظريًا يجب أن تكون النسب مختلفة ولكنها في الواقع متطابقة.

يقول غوزينوف بهذا الخصوص: «حيّرنا هذا اللغز فترة طويلة، ولحلّه تتبعنا النجوم بالمحاكاة منذ بداية نشأتها إلى موتها طبيعيًا».

أظهرت المحاكاة الجديدة ردود فعل النجوم تجاه سحب الجاذبية لها وكان ردًا عكسيًا، وهذه المحاكاة هي الأولى من نوعها في تتبع تشكل النجوم الفردية في الغيوم العملاقة المدمرة. وقد رُصد تفاعل تلك النجوم مع الوسط المحيط بها، فهي تُصدر الضوء وتُطلق الكتل إلى ما حولها وقد أطلق على هذه الظاهرة اسم رد الفعل النجمي.

مشروع ستارفورغ هو مبادرة متعددة المؤسسات بقيادة غوزينوف ومايكل غروديتش التابعان لمراصد كارنيغي.

عندما بدأ المشروع كان غروديتش زميل ما بعد الدكتوراة في سيرا«CIRA» التابعة لـ نورث ويستيرن.

يعد مشروع ستارفورغ المشروع الأول من نوعه الذي يدرس تكوين النجوم وتطورها وديناميكيتها معًا، ويرصد ردود الفعل النجمية التي تتضمن كل ما يصدر من النجم من إشعاعات ورياح وغيرها من ضمنها نشاط المستعرات الأخرى القريبة من النجم.

أدرجت عمليات المحاكاة الأُخرى نماذج فردية لردود فعل النجوم على عكس مشروع ستارفورغ الذي قام بدمجها جميعًا معًا لصنع محاكاة تُظهر تأثير جميع هذه العوامل معًا على تكوين النجوم.

التعاون ممول من قبل كل من: المؤسسة الوطنية للعلوم، وكالة ناسا، مؤسسة أبحاث التقدم العلمي، معهد هارفرد للنظرية والحساب.

أُجري البحث على حاسوبين عملاقين في مركز الحوسبة المتقدمة التابع لجامعة تيكسلس في أوستنس

اقرأ أيضًا:

جسيمات ذات كتل صغيرة تجعل النجوم ذات الكتل الكبيرة تنفجر

رصد نوع جديد من الكتل النابضة في مجرتنا

ترجمة: رهف إبراهيم

تدقيق: مهدي أعور

المصدر