في 2010 تصدر كوكب Gliese 581g حديث الأخبار، وحاول البعض تقديم تمثل فني له بوصفه الأرض المستقبلية، أما اليوم فيشك العلماء بوجوده أساسًا.

قيل حينها: «تخيل أنك تقف في غروب شمس دائم، تحت سماء ذات لون برتقالي محمر، تمتزج بسحب رقيقة، وعلى حافة بحر شاسع، تتصاعد الأرض الصلبة ببطء من الماء، فاسحةً المجال للأراضي المنخفضة المغطاة بالنباتات التي تصل درجة حرارتها إلى 4 سيليزيوس، ولكن أوراقها ليست خضراء، بل سوداء ومنفتحة عرضيًا لامتصاص الطاقة القليلة التي تتلاطم عبر المشهد. لقد جئت إلى هذه الجنة من مسكنك الدائم في مستوطنة تقع على الجانب المظلم والمتجمد من الكوكب، تتسلق التلال المنخفضة نحو حافة الماء وأنت تحدق في الأفق، وتتعهد بأنك ستحضر العام المقبل العائلة بأكملها حتى يتمتعوا بالألوان والحرارة والضوء، وتدرك أن العام المقبل سيأتي في 37 يومًا فقط، وتشعر فجأة بأنك صغير وتافه في كون شاسع ومُغمِر».

أما الآن فيستمر العلماء بالبحث عن كواكب أخرى شبيهة بكوكب الأرض، وبفضل تقنيات صيد الكواكب المتقدمة وبعض التجهيزات الكبيرة، يحدد الفلكيون آلاف الكواكب المرشحة خارج نظامنا الشمسي وتعرف باسم الكواكب الخارجية، وهي التي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس. ويتوصل العلماء إلى إدراك واقعي ومرعب تقريبًا. قد يكون الكون مليئًا بمليارات الكواكب، بعضها بالتأكيد يشبه الأرض، على الأقل سطحياً. ولكن ماذا يعني حقًا أن يشبه الأرض كوكبٌ ما؟

منطقة جولديلوكس: ما هو العالم الذي يشبه الأرض؟

إذا كان هناك كوكب آخر مشابه للأرض في الكون، فلن يكون من الضروري أن يبدو مثل الأرض تمامًا. والفرصة لاكتشاف عالم أزرق بالضبط قطره بقطر 12,756 كيلومترًا ومائل على محوره بزاوية 24 درجة تقريبًا تبدو قليلة جدًا.

ولكن البحث لا يضر، وهذا سبب استمرار الفلكيين في مسعاهم، والفكرة ليست بالضرورة إيجاد نسخة مطابقة، ولكن نسخة قريبة. فقد اكتشف الفلكيون مثلًا الكثير مما يسمى بالكواكب العملاقة الصغيرة، وهي كواكب أكبر قليلاً من كوكبنا، وهذه تشابهات أفضل بكثير من الكواكب بحجم المشتري أو زحل.

في الواقع، العمالقة مثل المشتري وزحل معروفة باسم العمالقة الغازية لأنها ليست سوى كتل ضخمة من الهيدروجين والهيليوم وغازات أخرى بسطح صلب ضئيل أو غير موجود. تشكل العمالقة الغازية مع غلافها المتلاطم الملون مناظر بديعة، ولكنها لن تكون مكانًا جيدًا للعيش.

أما الكواكب الصغيرة مثل الأرض أو تلك التي تشبهها كثيرًا هي الأكثر احتمالًا لأن تصبح حاضنات للحياة، ويشير الفلكيون إلى هذه الكواكب الصغيرة بأنها كواكب صخرية لأنها تحتوي على نواة معدنية ثقيلة محاطة بقشرة صخرية. وتميل الكواكب الصخرية إلى البقاء قريبة من نجومها المضيفة، ما يعني امتلاكها مدارات أصغر ومن ثم سنوات أقصر بكثير، ومن المرجح أيضًا وجود الكواكب الصخرية في منطقة جولديلوكس (منطقة قابلة للعيش أو المنطقة الحياتية)، وهي منطقة في الفضاء تكون فيها الكوكب على بُعد مناسب جدًا من نجمه المضيف حيث لا يكون سطحه ساخنًا جدًا أو باردًا جدًا.

تنطبق هذه الشروط على الأرض بكل تأكيد، لكن كوكب الزهرة يُشوَى في تأثير الدفيئة المفرطة، أما كوكب المريخ فهو عالم مجمد وقاحل. وفيما بينهما، تكون الظروف مناسبة ليبقى الماء السائل على سطح الكوكب دون أن يتجمد أو يتبخر إلى الفضاء. والبحث الآن مستمر للعثور على كوكب آخر في منطقة جولديلوكس في نظام شمسي آخر.

طرق رصد الكواكب الخارجية

إحدى أهم المشكلات في البحث عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي هي اكتشاف هذه الكواكب الصغيرة جدًا والبعيدة جدًا ما يصعّب رؤيتها مباشرة، لا تستطيع تلسكوباتنا الأرضية تمييز كوكب بعيد كنقطة منفصلة عن نجمه المضيف. لحسن الحظ، لدى الفلكيين وسائل أخرى وكلها تتطلب تلسكوبات متطورة مجهزة بمقاييس الضوء والطيف الضوئي وكاميرات الأشعة تحت الحمراء.

الطريقة الأولى تُعرف باسم طريقة التذبذب، وتبحث عن تغيرات في السرعة النسبية للنجم نتيجة للجاذبية المشتركة مع كوكب قريب. وهذا التجاذب يجعل النجم يتحرك نحو الأرض ثم بعيدًا عنها، ما يخلق تباينات دورية نستطيع اكتشافها بتحليل طيف الضوء الصادر عن النجم. عندما يتحرك نحو الأرض، تنضغط موجاته الضوئية، ما يقصر طول الموجة ويحول لونه إلى الجانب الأزرق من الطيف. أما عندما يتحرك بعيدًا عن الأرض، تتباعد موجاته الضوئية، ما يزيد طول الموجة ويحول لونه إلى الجانب الأحمر من الطيف. الكواكب الأكبر تعزز من اضطراب النجوم الأم، ولهذا السبب كانت هذه التقنية فعالة جدًا في العثور على عمالقة غازية بأضعاف حجم الأرض.

يوجد شيء تستيطع كل الكواكب فعله بطريقة جيدة، وهو حجب الضوء. فإذا عبر مدار الكوكب بين نجمه الأم والأرض، فسيحجب بعض الضوء ويتسبب في تعتيم النجم. ويطلق على هذا الظاهرة اسم العبور، وتسمى تقنية رصد الكواكب المرتبطة بها بطريقة العبور. وبوسع التلسكوبات المجهزة بمقاييس الضوء الحساسة تمييز الكواكب الكبيرة بسهولة، وتستطيع أيضًا اكتشاف الانخفاض الطفيف الناتج عن وجود جسم بحجم الأرض.

لجأ بعض الفلكيين أخيرًا إلى تقنية تسمى تقنية العدسة الدقيقة، وتحدث العدسة الدقيقة عندما يمر نجم واحد بالضبط أمام نجم آخر، وعند حدوث ذلك، تعمل جاذبية النجم الأمامي مثل عدسة تكبير وتعزز سطوع النجم الخلفي. وإذا كان هناك كوكب يدور حول النجم الأمامي، فإن جاذبيته الإضافية تزيد من تأثير التكبير. وبهذه الطريقة يمكن بسهولة اكتشاف الكوكب، الذي سيكون خفيًا بطرق الكشف الأخرى.

كبلر وتيس

وضحنا سابقًا أن المتطلبات الأساسية لكوكب صالح للحياة تشمل وجود سطح صخري (بدلاً من غازي) ووجود ماء سائل (بدلاً من بخار الماء) ووجوده في منطقة جولديلوكس التي ليست ساخنة جدًا أو باردة. فما هي الأدوات المستخدمة لاكتشاف هذه الأنواع من الكواكب الخارجية؟

اكتُشفت أولى الكواكب الخارجية باستخدام تلسكوب هابل في التسعينيات. ولكن أول مهمة لناسا لاكتشاف كواكب تشبه الأرض تدور حول نجوم خارج نظامنا الشمسي كانت بواسطة تلسكوب كيبلر الفضائي، الذي أُطلق عام 2009 مجهزًا بمقياس ضوء حساس جدًا، راقب كيبلر سطوع أكثر من 150,000 نجم، بحثًا عن تغيرات صغيرة ودورية في سطوعها نتيجة عبور الكواكب أمامها.

هذه التقنية المعروفة بطريقة العبور سمحت لكيبلر بتحديد أكثر من 2,600 كوكب خارجي، ومنها 12 كوكبًا في مناطق صالحة للحياة حول نجومها، من بين هذه الكواكب: Gliese 581c و Kepler 62f.

وانتهت مهمة كيبلر في عام 2018 وتبعتها مهمة القمر الصناعي لاستكشاف الكواكب المتحولة مثل TESS، تتمثل مهمته بالبحث عن الكواكب الخارجية أيضًا باستخدام طريقة العبور. وسيغطي TESS منطقة سماء تبلغ مساحتها 400 مرة أكبر من منطقة تغطيتها كيبلر، وستدرس نجومًا أكثر سطوعًا بنسبة 30 إلى 100 مرة.

الكواكب الخارجية الشبيهة بالأرض

إليكم بعض الاكتشافات المثيرة للاهتمام للكواكب المشابهة للأرض في عوالم بعيدة:

 كوكب GJ 667Cc:

أفاد فريق دولي من العلماء في فبراير 2012 بنتائج بحثهم المبني على طريقة الهز الناجمة عن كوكب GJ 667C، وهو نجم قزم من الفئة M مرتبط بنجمين آخرين برتقاليين يقعان على بُعد حوالي 22 سنة ضوئية من الأرض.

كان الفلكيون يأملون في معرفة المزيد عن كوكب GJ 667Cb وهو أرض هائلة مكتشفة مسبقًا والذي تستغرق فترة دورانه 7.2 يومًا فقط، ولكن ملاحظاتهم أدت إلى اكتشاف أفضل GJ 667Cc وهو كوكب آخر يعد أرض هائلة أيضًا بفترة دوران قدرها 28 يومًا.

يقع الكوكب في منطقة الدببة الثلاثة في GJ 667C ويتلقى 90 في المئة من الضوء الذي تتلقاه الأرض. ومعظم هذا الضوء أشعة تحت الحمراء، ما يعني أن الكوكب يمتص على الأرجح نسبة أعلى من الطاقة الواصلة إليه. والنتيجة النهائية: قد يمتص GJ 667Cc نفس كمية الطاقة من نجمه كما تمتصها الأرض من الشمس، وقد يدعم وجود الماء السائل والحياة كما نعرفها. لكن اكتشفت الملاحظات فيما بعد أن الكوكب كان ساخنًا جدًا وغير مناسب للحياة.

 كوكب كيبلر-452b:

يشار إليه في كثير من الأحيان بابن عم الأرض، وهو كوكب خارج المجموعة الشمسية يقع على بُعد حوالي 1400 سنة ضوئية منا. اكتشفته مركبة كيبلر التابعة لوكالة ناسا في عام 2015، وكان أول عالم قريب من الأرض مُكتشف داخل المنطقة المعيشية لنجمه كيبلر-452، إذ قد تكون الظروف مواتية لوجود الماء السائل على سطحه.

إنه واحد من كواكب كيبلر ويبلغ قطره حوالي 1.6 مرة قطر الأرض، ويدور حول نجمه بنفس الطريقة، إذ يستغرق حوالي 385 يومًا لاستكمال دورة واحدة. وهذه هي المناطق التي قد يوجد فيها الماء السائل على سطح الكوكب.

 TRAPPIST-1E:

اُكتشف هذا النظام في عام 2016، يحتوي على سبعة كواكب تدور حول نجم صغير وبارد يُعرف بترابيست-1. ويقع هذا النظام على بُعد حوالي 40 سنة ضوئية، وأثار ضجة كبيرة لأنه يعد أكبر تجمع لكواكب بحجم الأرض مكتشفة خارج نظامنا الشمسي. جميع الكواكب السبعة تدور عند مسافات أقرب بكثير مما مسافة عطارد بالنسبة لشمسنا، لكن موقعها ضمن منطقة الحياة الممكنة حول النجم يوفر احتمالية وجود ماء سائل على سطحها.

تبدو هذه الكواكب الخارجية، المسماة ترابيست1B إلى ترابيست1h صخرية أيضًا. بعضها مقيد مديًا (أي يتعرض الوجه نفسه دائمًا للنجم)، وهذا يعني أن جانب الكوكب الواحد يكون في ضوء النهار الدائم مع شمس حارقة، في حين يكون الجانب الآخر في ظلام دامس وبارد. ولكن بعد المزيد من الاستكشاف، يبدو أن ترابيست1e قد يكون الكوكب الوحيد في النظام الذي ما يزال قابلاً للحياة. فيما تكون الكواكب الأخرى إما قريبة جدًا أو بعيدة جدًا عن النجم وغير مناسبة للحياة.

 GJ1002b و GJ1002c:

من كواكب المنطقة المعيشية الأخرى GJ1002b و GJ1002c التي تدور حول نجم GJ1002 الأحمر القزم الذي يقع على بُعد حوالي 16 سنة ضوئية من الأرض.

تحتوي هذه الكواكب الصخرية على كتلة مشابهة لكوكب الأرض. ويستغرق GJ 1002b حوالي 10 أيام للدوران حول النجم، في حين يستغرق GJ 1002c أكثر من 21 يومًا. وقد اكتُشف الكوكبان عام 2022.

 TOI700E:

أعلنت وكالة ناسا في أوائل عام 2023، عن اكتشاف TOI 700e بواسطة مهمة تيس للكواكب الخارجية، وهو كوكب بحجم مشابه لكوكبنا، وبينما تركيبه ما يزال غير معروف، يعتقد العلماء بامتلاكه سطحًا صخريًا مثل الأرض. ويوجد داخل منطقة الكواكب المعيشية ما يسمح بوجود ماء سائل. ويستغرق 28 يومًا للدوران حول النجم وقد يكون مقيدًا مديًا.

بعبارة أخرى، حتى مع المعايير الأساسية التي ذكرناها للتو، يوجد الكثير للنظر فيه قبل أن نتمكن حقًا من تسمية كوكب شبيه بالأرض، قد تقدم المهمات مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي مزيدًا من المعلومات، إذ يستطيع رؤية الغلاف الجوي للكواكب الخارجية.

اقرأ أيضًا:

باحثون طوروا طريقةً جديدة لرصد الكواكب الخارجية

خيارات الكواكب الخارجية أصبحت محدودة: نحن نعرف الآن أين نبحث عن حياة خارج الأرض

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: بشير حمّادة

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر