يُعد مرض ألزهايمر السبب الأكثر شيوعًا للخرف، ويعاني منه نحو 32 مليون شخصًا على مستوى العالم، وما يزال العلماء غير متأكدين من السبب الحقيقي لمرض ألزهايمر، لكنهم يعرفون أن فقدان الخلايا العصبية في الدماغ يؤدي دورًا مهمًا في إمراضية ألزهايمر. تقدم دراسة جديدة أدلةً حديثةً عن السبب المحتمل لموت الخلايا العصبية في مرض ألزهايمر.

خلصت هذه الدراسة في جامعة نورث وسترن إلى سبب جديد محتمل لموت الخلايا العصبية في مرض ألزهايمر، وذلك عبر خيوط الحمض النووي الريبوزي السّامة، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة Nature Communications.

وفي هذا البحث ركّز الدكتور ماركوس بيتر مع فريق من الباحثين التركيز على أسباب فقدان خلايا الدماغ في مرض ألزهايمر، وذلك بعد اكتشاف آلية جديدة وفعّالة لمكافحة السرطان قبل بضع سنوات.

افترض الباحثون أن هذه الآلية ومع قدرتها على قتل الخلايا السرطانية، قد تقتل الخلايا الطبيعية أيضًا في ظروف معينة، لذلك بحثوا عن الأمراض التي تتميز بفقدان الخلايا مثل أمراض التنكس العصبي، وتحقّقوا عند هؤلاء المرضى من كون معدلات حدوث السرطان لديهم أقل من غيرهم. وجد الباحثون انخفاضًا ملحوظًا في حدوث السرطان لدى مرضى ألزهايمر، واختبروا إن كانت آلية القتل الخلوي التي ابتكروها لمكافحة السرطان تسهم في أمراض مثل ألزهايمر، ووجدوا أدلةً كافيةً على ذلك.

هل يساهم الحمض النووي الريبوزي (RNA) في موت خلايا الدماغ؟

في هذه الدراسة، حلّل الدكتور بيتر وفريقه أدمغة من عدة مصادر حيوية، تضمنت نماذج الفئران لمرض ألزهايمر، والخلايا العصبية المشتقة من الخلايا الجذعية للأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر وغير المصابين به، إضافة إلى كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا ممن لديهم سعة ذاكرة تعادل أفرادًا بعمر 50 إلى 60 عامًا.

في أثناء الدراسة، ركّز الباحثون على الحمض النووي الريبوزي (RNA)، وكيفية مساهمته في موت خلايا الدماغ. ووفقًا للدكتور بيتر، فإن لدى كل شخص فئات مختلفة من الحمض النووي الريبوزي (RNA) في جميع خلاياه، واثنتان منها أكثر صلةً بنتائج هذه الدراسة.

أوضح دكتور بيتر أيضًا أن الطبقة الأولى هي RNAs الطويلة (مئات أو آلاف النيوكليوتيدات)، ويسمى بالرنا المرسال (mRNAs) الذي يرمز للبروتينات التي تجعل جميع خلايانا تعمل، وتُحوَّل الترميزات لاحقًا إلى بروتينات.

الصنف الثاني هو RNAs قصيرة مكونة من 19-22 نيكليوتيدًا، وتعمل بقمع نشاط RNAs الطويلة، أي منع تحويلها إلى بروتينات.

كيف يؤثر رامز القتل في بقاء الخلايا العصبية السليمة؟

في الأبحاث السابقة، وجد الدكتور بيتر وفريقه رمزًا مضمنًا في RNAs القصيرة التي لا تتجاوز ستة نيكليوتيدات. عندما يكون هذا التسلسل موجودًا في موقع معين من sRNAs فإنها تقتل جميع الخلايا، وقد أُطلق على هذا التسلسل القصير اسم رامز القتل. لذلك تموت الخلايا لأن sRNAs التي تحمل الرمز تقمع انتقائيًا الرنا المرسال mRna الذي يشفر بروتينات حيوية لبقاء جميع الخلايا.

كما لدى الإنسان أعضاء لا يمكن العيش بدونها مثل القلب، فإن الخلايا تحتاج إلى بروتينات لا تستطيع العيش بدونها. تقمع sRNAs الحاملة لرامز القتل هذه البروتينات ما يؤدي إلى موت الخلايا.

من المثير للاهتمام أن عمل sRNAs التي تحمل رامز القتل يوازنه عمل sRNAs التي لا تحمل الرمز، أي تحمي الخلية منها عند وجودها بكميات كبيرة. ويتنبأ نموذج فريق الباحثين أنه في أية خلية طبيعية، يوجد ما يكفي من sRNAs الواقية لتوازن sRNAs السامة.

ظهر الآن أنه مع التقدم في العمر، تقل كمية sRNAs الواقية وتزداد كمية السامة منها لدى الجميع. لكن وجود كميات أعلى من RNAs السامة في سن معينة لن تكون الحماية كافيةً عندها، وقد تظهر مشكلات أبرزها تأثير sRNAs السامة القاتل للخلايا العصبية.

ونحتاج إلى المزيد من الأبحاث حول تراكم البروتين النشواني بيتا-أميلويد وبروتين التاو. فلسنوات عديدة، كان التوافق الشائع بين الباحثين هو أن تجمعات من بروتينات بيتا-أميلويد المعروفة باسم لويحات بيتا وبروتينات التاو المعروفة باسم تشابكات التاو، داخل المخ هي السبب الرئيسي لمرض ألزهايمر.

أكّد الدكتور بيتر أن هذه البروتينات مشاركة ومهمة في الآلية الإمراضية، ومع ذلك، لم ينجح أبدًا إظهار كيفية تأثيرها بالضبط في موت الخلايا العصبية. يوفر هذا البحث نموذجًا جديدًا لكيفية حدوث ذلك. إن عمل sRNAs السامة في نفس سياق هذين البروتينين، لذا يمكن وصفهم بمنفّذي عملية القتل.

عند سؤاله عن مساهمة هذه الاكتشافات الجديدة المعتمدة على RNA في اكتشاف علاجات جديدة لمرض ألزهايمر، قال الدكتور بيتر إن هذا المسار الجديد ما يزال بحاجة إلى مزيد من الاستكشاف، وأوضح قائلًا:

«نظهر في بحثنا أن تثبيت كمية sRNAs الواقية أو زيادتها، أو تثبيط sRNAs السامة ينقذ الخلايا من الموت، ما يوفر مسارات جديدة لتطوير الأدوية لعلاج مرض ألزهايمر، وربما علاج أمراض تنكسية عصبية أخرى، وتشمل خطوات البحث التالية: اختبار مفهومنا في نماذج حيوانية أكثر وفي خلايا مشتقة من مرضى ألزهايمر وأنسجة الدماغ بعد الوفاة، ثم فحص الأدوية التي إما تزيد من مستوى sRNAs الواقية أو تقلل من نشاط تلك السامة واختبارها. توجد مفاهيم وأفكار نستطيع اختبارها الآن ويجب علينا ذلك».

أمل في علاجات جديدة لأمراض تنكسية عصبية

بعد مراجعة هذه الدراسة، أخبرت الدكتورة كارين د. سوليفان اختصاصية علم النفس العصبي المعتمدة أن الأفكار المكتسبة من هذه الدراسة تقدم فهمًا أفضل لكل من الخطأ الذي يحدث في الدماغ المسن لدى مرضى ألزهايمر وما يحدث في الحالة الطبيعية في دماغ المسنين، ويعطي الأمل أيضًا في مسار تداخل جديد لوقف هذا المرض العصبي المدمر أو إبطائه. إن أكثر من 90% من الجهود البحثية الحالية لمرض ألزهايمر تركز على مركبات الأميلويد وتاو. تشير هذه الدراسة إلى أن آليةً مرضيةً أخرى تعتمد على الحمض النووي الريبي قد تكون هدفًا للعلاجات المستقبلية.

يقول الدكتور كليفورد سيجيل طبيب الأعصاب في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي في سانتا مونيكا أنه متفائل بحذر فيما يخصّ العلاجات القائمة على الحمض النووي الريبي، ويعتقد أنه سيكون له تطبيقات عصبية سريرية جيدة، خاصةً بعد أن أظهرت هذه الدراسة بوضوح وجود سمية عصبية مرتبطة بالجينات التي بُحث فيها. ذكرت الدراسة أيضّا أنه قد يكون لهذه الأدوية فوائد وقائية للأعصاب من بعض الحالات المرضية الأخرى.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تؤكد العلاقة بين الفيروسات ومرض ألزهايمر

هناك حلقة مفقودة في داء ألزهايمر قد تفسر السبب وراء فشل العديد من العلاجات السابقة!

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: نور حمود

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر