ستخسر الأرض قريبًا أداةً هامةً في الكفاح لاكتشاف كويكبات يحتمل أن تكون خطرة، وقررت ناسا أن تمول بديلًا مصممًا خصيصًا لذلك. تريد ناسا أن تبني تلسكوبًا فضائيًّا لاستقصاء الفضاء بالأشعة تحت الحمراء. تقدُّمٌ تشتد الحاجة إليه لتحديد وتعقب الكويكبات في الجوار القريب من الأرض، وهذه الأنشطة هي حجر الأساس في الدفاع عن الكوكب، وقد خصصت إدارة المهمات العلمية في ناسا قسمًا مستقلًّا من ميزانيتها، بقيمة 150 مليون دولار من السنة المالية الحالية للدفاع عن الكوكب، بحسب الوكالة.

قال توماس زُرباخن، وهو مدير مساعد في إدارة المهمات العلمية، خلال اجتماع للجنة الاستشارية لعلوم الكوكب في العاصمة واشنطن اليوم: «إن هذا الجزء من الميزانية يهدف الى زيادة المرونة والاستجابة في الدفاع عن الكوكب»، وقال: «الهدف ليس القيام بكل شيء إلى الأبد، بل القيام بالأشياء الصحيحة عند ظهورها».

وقال زرباخن أنّ الشيء الصحيح في الوقت الحالي هو بناء تلسكوب فضائي جديد قادرعلى اكتشاف وتعقب الأجسام القريبة من الأرض، وسيقود العملية مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، ومن الممكن إطلاق الجهاز الجديد بحلول عام 2025، على الرغم من تأكيده أن هذا ليس موعدًا رسميًّا نهائيًّا، إذ سيعتمد ذلك على مقدار التمويل الذي سيتلقّاه البرنامج.

ناسا تريد بناء تلسكوب فضائي جديد لحمايتنا من الكويكبات الخطرة - زيادة المرونة والاستجابة في الدفاع عن الكوكب - مختبر الدفع النفاث التابع لناسا

تعتمد المبادرة الجديدة اعتمادًا كبيرًا على مشروع يدعى نيوكام NEOCam، وهو مفهومُ مهمّةٍ قضى مجتمع الدفاع عن الأرض سنوات بمناقشته. اقتُرِحَ نيوكام رسميًّا مهمةً علمية، ولكنه لم يُختَر للتمويل، بقرارٍ يصفه زُرباخن بأنه «أحد أكبر الإخفاقات التي قمت بها في عملي».

عندما خضع اقتراح نيوكام للمناقشة لأول مرة، اعتُبِر تحت إطار العلم وليس دفاعًا عن الكوكب، وعلى الرغم من اهتمام كلا طرفيّ الانقسام بالكويكبات، إلّا أنهم يحتاجون أنواعًا مختلفة من المعلومات، إذ يريد العلماء عينةً إحصائية، ولا يحتاج الأمر أن يروا كل كويكب من تلك الكويكبات، إنما فقط أن يكونوا على علم بماهيتها بشكلٍ عام.

الدفاع عن الكوكب مختلف جدًّا، يجب أن يرى الخبراء كل عنصر يمكن ملاحظته وفهم موقعه ومكان توجّهه بالضبط. نظريًّا، سيعرف العلماء أيضًا حجم وبنية العنصر، إذ تحدد هذه العوامل الأثر الممكن حدوثه، وذلك في حال كان الكويكب تهديدًا بالفعل.

قال زُرباغِن أن نظام الميزانية الجديد يعالج ذلك الاختلاف من خلال إخراج مفهوم الدفاع عن الكوكب من المنافسة مع العلم، وأكد أيضًا أنه ستتم نمذجة تلسكوب ناسا الجديد بعناية في مشروع نيوكام.

نيوكام بحد ذاته متأصِّلٌ من مشروع نيووايز، والذي بدوره كان استمرارًا لمهمة الفيزياء الفلكية السابقة المسماة بمستكشف المسح تحت الأحمر واسع النطاق.

حوّل التلسكوب تركيزه إلى الكويكبات في عام 2013 تحت لقب نيووايز، ومنذ ذلك الحين، اكتشف التلسكوب عشرات الآلاف من صخور الفضاء، تجولُ 135 منها في الجوار القريب من الأرض. لكن نجاح نيووايز في مسيرته الثانية كان بسبب الحظ لا التصميم، والحظ ينفد.

قالت آيمي ماينزر، التي كانت الباحثة الرئيسيّة لنيووايز في مختبر ناسا للدفع النفاث في كاليفورنيا في ذلك الوقت، خلال مؤتمر صحفي عُقِد في شهر آذار/مارس 2019: «لقد اتَّضح أنه جيدٌ بالفعل بالتقاط الكويكبات، مع أنه لم يصمم أبدًا لهذا الغرض، وقد اقتربت نهاية عمره».

قال زُرباخن اليوم أن من المتوقع أن تنتهي مهمة نيووايز في منتصف عام 2020، مع ذلك أكد أن الجدول الزمني هو مجرد تقدير، ومن الممكن أن تكون فترة عمله أطول.

استغرقت ماينزر وزملاؤها ثماني سنوات بالتفكير بكيفية أخذ ما نجح في نيووايز، وصياغة مهمة وريثة له مكرَّسةً خصيصًا لاكتشاف الكويكبات. هذا يعني الاستمرار بمراقبة الفضاء من خلال الأشعة تحت الحمراء، والتي هي الحرارة المنبعثة من الكويكبات التي يغذيها الإشعاع الشمسي. تتيح تقنية مثل هذه للعلماء أن يكتشفوا الكويكبات العاكسة للضوء والمظلمة على حد سواء، وهو أسلوب محسّن عن الأساليب التي تعتمد على الضوء المرئي وتعاني باكتشاف الكويكبات المظلمة بناءً على ذلك.

قالت ماينزر: «هنالك مقولةٌ مشهورة: “لماذا نسرق البنوك؟ حسنًا، إنّه المكان الذي يحتوي المال”، وفي هذا السياق، نحن نبحث عن الكويكبات بهذه الأطوال الموجيَّة، لأن الطاقة تتواجد عندها».

ولكن هنالك بعض التغييرات في تصميم نيوكام، فهو يستفيد من سنواتٍ من تطور الكاميرا والتطور الإلكتروني، ويمكنه البحث في الفضاء أسرعَ بكثير ممّا يمكن لنيووايز.

والأهم من ذلك، سيوضع الجهاز في «مكان وقوف فضائي (Parking Spot)» متوازن بين سَحب الأرض وجاذبية الشمس، ذلك المكان أكثر برودة من موقع تمركز نيووايز، مما يعني أن نيوكام لا يحتاج الى حَمل السائل المُبرِّد على متنه (عندما نفِذ السائل المُبرِّد من نيووايز، فقد الجهاز قدرته على قياس بضع أطوال موجيّة رئيسية).

قالت ماينزر عن نيوكام: «سوف يبقى هناك في ظلام الفضاء البارد»، صُمِّمَت المهمة الرسمية لهذا المشروع لتستمر خمسَ سنوات، ويعتقد الفريق أنه من الممكن أن تمتد لضعف تلك الفترة. ليس واضحًا من تعليقات زُرباخن اليوم إلى أيِّ مدىً قريبًا ستتبع مهمة ناسا الجديدة المواصفات التي رسمها فريق نيوكام. أكد زُرباغِن أن المهمة الرئيسية للمشروع الجديد ستستمر لخمس سنوات، والتي يمكن تمديدها إلى 10، فالعمر الطويل مهم للغاية.

عام 1998، كلف الكونغرس وكالةَ ناسا بتحديد 90% من الكويكبات القريبة للأرض بقطر 140 مترًا على الأقل بحلول عام 2020، ولكن الحكومة لم تقدم الكثير من المال للمساهمة في تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى التقديرات الحالية لعدد الكويكبات حول الأرض، ويعتقد العلماء أنهم رصدوا حوالي 30% من الأجسام في نطاق الحجم هذا.

سيزيد الجهاز المُعلن عنه مؤخرًا ذلك الرقم بشكل كبير، وفي الأيام الأولى للمهمة، إذ سيعرِض التلسكوب قدراته المحسَّنة. في غضون خمس سنوات من العمل، سيكون الجهاز قادرًا على إيجاد 65% من تلك الأجسام غير المكتشفة، على حد قول زُرباخن، ومن المفترض أن يكون قادرًا على رصد 90% منها خلال 10 سنوات في حال تمديد المهمة.

ستشكل هذه الاكتشافات إضافة مهمة لجهود الدفاع عن الكوكب، والتي ذَكر زُرباغِن أنّه ومدير ناسا جيم برايدنستاين (Jim Bridenstine) يعتبرانها تقاطعات مهمة للعلم والقيم المجتمعية، قال زُرباخن: «إنه موضوع يذكرنا فيه الفضاء من وقتٍ لآخر -على جدول زمني تاريخي، جدول زمني جيولوجي بالطبع- أن الدفاع عن الكوكب هو شيء يتعين علينا التعامل معه على نحوٍ منتظم».

صيغة الميزانية الجديدة وقرار ناسا للمضي قدمًا في تلسكوب فضائي جديد لدعم الدفاع عن الكوكب كان بمثابة أخبارٍ سارّة للعلماء الذين ركزوا على هذه القضية. أخبرَ ريتشارد بينزل، عالِم الكوكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، موقعَ Space.com عبر بريد إلكتروني: «التزامُ ناسا بالمسح بحثًا عن الكويكبات في الفضاء هو خطوة كبيرة للأمام بالنسبة لأي شخص يهتم بالمصير الإنسانيّ، أخيرًا سنعتمد على المعرفة، بدلًا من الحظ، فيما يخصّ خطتنا للتعامل مع الكويكبات الخطرة».

أكد موظفو ناسا في الاجتماع اليوم أن تحديد الأولويات هو خطوة يرغبون بالقيام بها منذ فترة، فقد قال لوري غلايز، مدير قسم علوم الكوكب في مديرية المهمة العلمية: «أعتقد أن هذه خطوة كبيرة، إنه شيءٌ أردنا القيام به منذ مدةٍ لا بأس بها، ويبدو أننا أخيرًا نستطيع القول فيه أننا على استعدادٍ للمضي قدمًا».

كرّر زُرباخن هذه المشاعر قائلًا: «المبادرة التي بذلت فيها معظم جهدي كانت هذه»، وهو متحمس للبدء أخيرًا بالمشروع، إذ قال: «هيا بنا نحلِّق بتلك المهمة».

اقرأ أيضًا:

7 أفلام تبرز الكويكبات التي تهدد الأرض

كل ما عليك معرفته عن الكويكبات

ترجمة: طارق سراي الدين

تدقيق: عبد الرحمن عبد

المصدر