ألا نريد جميعنا أن نفعل ما بوسعنا للتقليل من التأثير الناتج عن تراجع الذاكرة المرتبط بالعمر؟

تشير دراسة حديثة جاءت من تجربة سريرية طويلة الأمد إلى أن الفيتامينات اليومية والمعادن تُعد طريقة بسيطة وغير مكلفة لمساعدة كبار السن على إبطاء التراجع في بعض الجوانب من وظائف الذاكرة. وتُظهر الدراسة أنه قد يكون لتناول الفيتامينات والمعادن المكملة فائدة صغيرة على واحدة من وظائف الإدراك، وهي التذكر الفوري للكلمات بين كبار السن من ذوي البشرة البيضاء على المدى القريب على الأقل.

لكن هذا لا يعني العَجَل في شراء الفيتامينات؛ إذ لا تنطبق الدراسة على أطياف السكان جميعها، ولا على وظائف الذاكرة بأنواعها المختلفة، ولا تُظهر فائدة بعيدة المدى.

كيف أُجريت الدراسة؟

تُعد دراسة COSMOS تجربة مصممة جيدًا وموزّعة عشوائيًا ومزدوجة التعمية؛ أي يجهل الباحث والمريض حقيقة الدواء الذي أُعطي للمريض سواء كان الفيتامينات والمعادن أو دواءً وهميًا؛ وذلك لضمان الحياد وتجنب الأخطاء الناتجة عن التحيز.

يُعد هذا النوع من الدراسات المعيار الذهبي الذي يسمح للباحثين بمقارنة النتائج المختلفة.

لم يتمكن المشاركون الذين ليس لديهم تاريخ للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو مرض خطير، من استخدام الفيتامينات أو المعادن أو حتى مستخلص الكاكاو الذي اختُبر في أثناء التجربة. وبلغ إجمالي عدد المشاركين 3562 مشارك من النساء اللاتي تفوق أعمارهن 64 عامًا ومن الرجال الذين تفوق أعمارهم 59 عامًا.

أكمل المشاركون مجموعة من الاختبارات المعرفية عبر الإنترنت في بداية الدراسة ثم سنويًا لمدة ثلاث أعوام، ومن هذه الاختبارات ما يلي:

  •  ModRey: يقيس التذكر الفوري للكلمات لدى المشاركين الذين يُعرض عليهم قائمة من 20 كلمة؛ كلمة واحدة في كل مرة بفارق ثلاث ثوانٍ لكل واحدة، ثم يعيد المشاركون كتابة القائمة من ذاكرتهم.
  •  ModBent: يقيس التعرف على الأشياء؛ إذ يُعرض على المشاركين إشارات موجهة يبلغ عددها 20 لاختيار جسم مادي معين بسرعة، ثم يُطلب منهم اختيار الشكل المطابق له، وتعاد التجربة على 40 شكلًا بالتناوب، وما كان على المشاركين في التجربة سوى توضيح هل كان الشكل مدرجًا ضمن 20 شكلًا أو لا؟
  •  Flanker: على المشاركين في هذا الاختبار تحديد مكعب أو كتلة ملونة معينة تتوافق مع سهم في مصفوفة من الأسهم التي قد تكون باللون نفسه وقد لا تكون (كذلك الأمر بالنسبة إلى اتجاه الأسهم).

ماذا وجد الباحثون؟

من بين جميع الاختبارات التي أجراها الباحثون، كان اختبار التذكر الفوري ModRey هو صاحب التأثير الأكبر خلال عام واحد، ما يعني أنه من غير المُرجّح أن تكون النتيجة بمحض الصدفة. لكن خلال عامين أو ثلاثة، لم يعد هذا التأثير واضحًا بما يكفي، ما يعيد فكرة أن الأمر قد يعود للصدفة.

مع ذلك، أضاف الباحثون تقديرًا عامًا للوصول إلى تأثير مهم بحساب المتوسط الحسابي للنتائج في الأعوام الثلاثة السابقة. وكانت جميع التأثيرات التي أبلغ عنها صغيرة جدًا باستثناء التذكر الفوري للمشاركين في عام واحد، الذي كان 0.07 أي قيمة صغيرة جدًا بالإجمال ليس لها تبرير.

تجدر الإشارة إلى أن كلًا من مجموعتي الفيتامينات والعلاج الوهمي لهما درجات أعلى في التذكر الفوري للكلمات خلال العام الواحد، على الرغم من أن الزيادة الحاصلة في التذكر الفوري للمشاركين الحاصلين على الفيتامينات نفسها كانت أكبر بطريقة ملحوظة. ووصف الباحثون هذه الزيادة خلال الدراسات السابقة على أنها الأثر النموذجي للممارسة؛ أي التعود والتعرف على الاختبار نفسه.

ما حدود الدراسة؟

استخدم الفريق التحليل الإحصائي المناسب، ومع ذلك فإنه لم يتكيف مع الخصائص السكانية مثل العمر، والجنس، والعرق، ومستوى التعليم.

يوضح المؤلفون القيود الرئيسية التي تواجههم في الدراسة، ألا وهي أنها ليست معممة على نحو كافٍ (أغلبية المشاركين من البيض) وقابلة للجدل أيضًا. ويجب أن تكون فعالة وظيفيًا فيما يخص الخصائص المعرفية، وعلى المشاركين أن يكونوا على دراية وقادرين على استخدام الحاسوب.

من القيود الأخرى التي لم يذكرها الباحثون: العمر المتقدم للمشاركين؛ أي لا يمكن تقييم النتائج طويلة الأمد للأشخاص الأصغر عمرًا، إضافةً إلى نتائج النظام الغذائي للمشاركين التي تتوافق مع متوسط الوارد الغذائي لسكان الولايات المتحدة الذي يُعد نوعًا ما ضعيفًا. ولم يقِس الباحثون التغييرات الحاصلة على النظام الغذائي على مدى الأعوام الثلاث، ما يؤثر أيضًا في نتائج الدراسة.

كيف تُفسّر النتائج؟

يطرح النظام الغذائي الفقير للمشاركين السؤال التالي: هل يكون النظام الغذائي الغني هو الحل البسيط عوضًا عن تناول الفيتامينات والمعادن؟

أما التأثير الذي لاحظه الباحثون (التذكر الفوري للكلمات)، من بين المغذيات جميعها في المكمل الغذائي، من كان العامل المساهم؟ يظن الباحثون أنه فيتامين B12 وD، لكن يمكن العثور على بحث عن الوظيفة الإدراكية لأي مكون وقع الاختيار عليه عشوائيًا، بما في ذلك السيلينيوم الذي قد يكون سامًا بالجرعات العالية.

هل يجب تناول الفيتامينات؟

وفقًا للسلطات الصحية، إن الاستخدام اليومي للفيتامينات ليس بالأمر الضروري؛ إذ يمكن الحصول على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم بتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الصحية. ومع ذلك، قد تكون المكملات الغذائية مناسبة لسد أية ثغرة غذائية لدى الفرد.

لا يجب أن يسبب تناول الفيتامينات ذات النوعية الجيدة وبالجرعة الموصي بها أي ضرر.

تُظهر الدراسة أن تناول المسنين البيض الأصحاء للفيتامينات قد يُظهر بعض الفوائد الإضافية في نوع واحد من المهام المعرفية، لكن هذا لا ينطبق على بقية الأشخاص أو اليافعين على المدى البعيد.

في مراجعة مزدوجة التعمية (عملية تقييم عمل أو نشاط يقوم بها شخص ذو اختصاص وكفاءة في ذات المجال)، كتبت كلير كولينز: «أتفق مع تقييم المراجع الذي أعده نقدًا شاملًا للدراسة. وكانت النتيجة المفتاحية هي تأثير صغير ناتج عن تناول مكمل يومي من الفيتامينات أو المعادن في استدعاء الذاكرة، وذلك خلال عام واحد فقط من الدراسة، وهو ما يكافئ التأثير الناتج عن إجراء الاختبار أكثر من مرة».

يظن مؤلفو الدراسة أن جودة النظام الغذائي قد أثرت في النتائج، إلا أن ذلك لم يُقيَّم تقييمًا شاملًا؛ إذ استخدم مؤلفو الدراسة تقييمًا موجزًا لجودة النظام الغذائي.

من الممكن أن يغير المشاركون من عاداتهم الغذائية في أثناء الدراسة، الأمر الذي يؤثر في النتائج؛ نظرًا إلى أن جميع المشاركين قد أبلغوا عن درجات منخفضة في جودة النظام الغذائي، ويبقى السؤال: هل سيؤثر إعطاء المشاركين ما يكفي من الموارد لتناول طعام صحي في القيم الإدراكية من تناول المكملات نفسها؟

اقرأ أيضًا:

العلاج بالفيتامينات الوريدية: دواعي الاستعمال والآثار الجانبية

الفيتامينات المتعددة قد تبطئ من التدهور المعرفي لدى كبار السن

ترجمة: سنا أحمد

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر