تستطيع أكثر الطائرات متعددة المحركات أن تطير لساعات بمحرك متوقف، فقط قد تحتاج إلى تعديل في ارتفاع الطائرة والملاحة. إذا توقفت كل المحركات، أو كلها عدا واحد في طائرة رباعية المحركات، فإن الوضع سيزداد سوءًا، لكن الطيارين المهرة ما زال بإمكانهم تفادي المأساة التي قد تحدث في مثل هذه الظروف الخطيرة. تمتلئ أفلام الأكشن بالإثارة والتشويق والخطر، عندما تحدث أحداث الفيلم على ارتفاع 30 ألف قدم. تجعل أفلام هوليود الشهيرة وأفلام الأبطال الخارقين فكرة الطيران تبدو مغامرةً محفوفة بالمخاطر، بالفعل يوجد عدد كبير من احتياطات الأمان وخطط الطوارئ حال توقف المحرك.

هل تستطيع الطائرة الاستمرار في الطيران إذا توقف أحد المحركات؟ - تعديل في ارتفاع الطائرة والملاحة - طائرة رباعية المحركات - البقاء في الهواء - توقف المحرك

ومع أن فكرة محرك لا يعمل تبدو مرعبة، فإن توقف المحرك يُعَد أمرًا شائعًا! وتوجد العديد من الاستراتيجيات والحلول للحفاظ على سلامة المسافرين. وقد لا يدرك الركاب أنفسهم أحيانًا أن المحرك قد تعطل، لكن بالطبع يدرك الطيار وطاقمه ذلك.

إذن، كيف تستطيع الطائرة البقاء في الهواء رغم توقف أحد المحركات؟

فيزياء الطيران

سنتناول فكرة الطيران باختصار دون إغراق في التفاصيل. نفكر عادةً في الطائرة بوصفها وحدةً واحدة، لكنها تحتوي مكونين رئيسيين: المحركات والأجنحة، وكلاهما يخدم أغراضًا مختلفة.

في أبسط المستويات، يُسحب الهواء إلى محرك الطائرة، حيث يختلط مع الوقود ويحدث الاحتراق بمعدل محسوب، فيتمدد هذا الخليط من الهواء والوقود، ويدفع المكبس ويشغل ناقل الحركة والطائرة. وتولد المكابس داخل كل أسطوانة قوى في دورة من 4 خطوات: الشفط والضغط والقدرة والجهد.

إن محرك الطائرة مصمم لدفع الطائرة إلى الأمام بسرعات كبيرة جدًّا، ولكن هذا ليس هو السبب وراء إمكانية الطيران. إذ تستطيع الكثير من الأشياء أن تطير دون محرك، مثل الطائرة الشراعية والطائرة الورقية.

فور أن يدفع المحرك الطائرة إلى الأمام، يتحرك الهواء سريعًا فوق الأجنحة، وللأجنحة طابع منحن مصمم لتوليد الرفع، وهذا ما يُبقى الطائرة في الجو. في أثناء التحليق يسبب الجناح انحناء الهواء فوقه وتحته، ما يؤثر في ضغط الهواء. إذ يخفض الجناح ضغط الهواء فوقه، ويزيد ضغط الهواء تحته. هذا الفرق في الضغط هو ما يسمح للطائرة بالتحرك صعودًا وهبوطًا، أما المحرك فهو يدفع الطائرة إلى الأمام لا غير.

ماذا يحدث عندما يتوقف المحرك؟

يبدو توقف المحرك -بينما الطائرة على ارتفاع 30 ألف قدم -كارثةً، لكنه لا يعني بالضرورة التحطم المأساوي للطائرة. يحدث نحو 150 – 200 حادث ناتج عن عطل في المحرك سنويًّا، من أصل 50 مليون رحلة.

قد تتوقف المحركات لكثير من الأسباب، مثل مشاكل ميكانيكية داخل المحركات وتلف التوربينات أو المراوح أو تسرب الزيت أو تلوث الوقود، أو حتى جسم غريب يدخل المحرك كالطيور. ومع أن مثل هذه الأعطال نادر كما ذكرنا (نحو واحد في المليون)، يجب أن يكون الطيارون وطاقم العمل بالكامل داخل الطائرة مُدربًا على التعامل مع مثل هذه الظروف بهدوء، مع مراعاة معايير الأمان.

من المدهش أن توقف أحد المحركات لا يُعد حالةً طارئة أو خطيرة! فهي مشكلة يمكن التحكم فيها جيدًا. ففي الطائرات رباعية المحركات مثل بوينغ 747 أو إيرباص 340، قد لا يعلم الركاب بوجود المشكلة أصلًا، لأن المحركات الثلاثة المتبقية قادرة على تجاوز المشكلة والهبوط بالطائرة.

أما في الطائرات الثنائية والثلاثية (مثل بويبنغ 727 وبوينغ 737) فإن فقدان محرك لا يعد أمرًا طارئًا ، إذ تستطيع الطائرة الطيران 5 – 6 ساعات بمحرك واحد. ويلجأ الطيار غالبًا في تلك الحالة إلى الهبوط في أقرب مطار متاح.

ومع أن توقف المحرك ليس حكمًا بإعدام كل من على متن الطائرة، يتطلب الحدث بعض الإجراءات من الطيار. ففقدان محرك يعنى انخفاض الطاقة القصوى للطائرة، ما يعني الاعتماد على المحرك أو المحركات المتبقية لتعويض الفرق. ما سيسبب عدم انتظام أو تماثل قدرة الطائرة كليًّا ما قد يؤدي إلى انحراف الطائرة. وإذا لم يعوض الطيار هذا الانحراف فقد يسبب فقدان التوازن والتحكم في الطائرة.

يعني انخفاض القوة والسرعة الجوية أن الطائرة لن تكون قادرةً على البقاء في طبقات الهواء الرقيق على ارتفاع 30 ألف قدم. إذ لن يكون الهواء قادرًا على حمل الطائرة على هذا الارتفاع. ولذلك يجب أن يهبط الطيار سريعًا إلى ارتفاع 15 – 25 ألف قدم، وسيمثل الهبوط تحديًا أيضًا، إذ ستتأثر قدرة الطائرة على الهبوط بسلاسة. لذا سيحتاج الطيارون إلى التفكير بعناية في المطارات المتاحة للهبوط الاضطراري، ومراعاة طول المدرج.

تعمل بعض أنظمة الطائرة من طريق المحركات، لذا إذا توقف أحدها، فقد تتأثر الأنظمة الهيدروليكية أو الكهربائية. وغالبًا ما تكون البدائل متوفرة، ما يعني عبئًا إضافيًّا على المحرك المتبقي، وقد تتوقف بعض الأنظمة غير الضرورية تمامًا.

إذا كنت على متن الطائرة، فسيكون مرعبًا أن تسمع عن تعطل أحد المحركات، لكن اعلم أن الطائرات مُصممة لتعمل بعدد أقل من المحركات مما هو موجود أصلًا. بل أحيانًا يفصل الطيار أحد المحركات عامدًا لتحقيق طيران انسيابي، وهو أمر لا يلاحظ الركاب حدوثه أصلًا.

ماذا سيحدث لو توقفت كل المحركات؟

إن فرص تعطل عدة محركات معًا في الرحلة الجوية نفسها ضئيلة للغاية. كذلك فإن أكثر مشكلات المحركات نادرة الحدوث، ولا يبلغ التماثل فيها أن يسمح بهذه الظاهرة، لكن غالبًا تتعلق المشكلة بأحد المحركات (مثل تسرب الوقود أو دخول طائر في مروحة المحرك). ومع ذلك فإذا توقفت كل المحركات، فهي حالة طارئة، لكنها ما زالت حالة يمكن التعامل معها.

إن القوة نفسها التي تسمح للطائرة بالطيران ستسمح بالانزلاق دون أي طاقة إضافية، مع تحول الاتجاه إلى الأمام الذي كان يوفره المحرك إلى نقص في الارتفاع (شكلًا من أشكال تغير الطاقة)، ولكن هذا لا يعني سقوط الطائرة كصخرة من السماء.

فمن طريق ضبط الأجنحة والدفة، قد تصل نسبة الرفع إلى الجر للطائرة التجارية إلى 1 : 10، أي أن الطائرة تفقد ميلًا واحدًا من ارتفاعها كل 10 أميال تقطعها. أي أن طائرة تجارية على ارتفاع 30 ألف قدم، تستطيع أن (تنزلق) لمسافة 50 ميلًا دون أي قوة من المحركات. وتظل الطائرة قادرة على الانحراف يمينًا ويسارًا، لكنها ستفقد القدرة على الارتفاع.

يستطيع الطيار العثور على مدرج في أثناء الانزلاق المتدرج، أو على الأقل على مسطح أرضي أو مائي متسع كفاية. كما حدث في الهبوط المعجز لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية، الرحلة رقم 1549 سنة 2009، عندما توقف المحركان بعد أن واجهت الطائرة قطيعًا من الإوز. ولكن كما ذكرنا، فإن هذا النوع من العطل المزدوج للمحركات نادر للغاية، وربما يحدث مرة واحدة فقط كل 10 سنوات حول العالم.

خاتمة

ربما الطيران تجربة مرهقة للعديد من الأشخاص، ولكن حتى في تلك الحالات النادرة من عطل المحرك أو توقفه، يستطيع الطيارون المدربون وطواقم الطيران المحترفة التعامل مع الأزمة. فمع وجود الأنظمة البديلة وبروتوكولات السلامة الصحيحة، يمكن إجراء تعديلات على الارتفاع والملاحة بسرعة، لذلك حتى إن لم يصل الركاب بالضرورة إلى وجهتهم، فسيعودون بأمان إلى الأرض!

اقرأ أيضًا:

المكان الأكثر أمانًا للجلوس على متن الطائرة

رائحة كريهة من أحد المسافرين تجبر طائرة على الهبوط اضطراريًا والسبب مرعب

ماذا سيحدث إذا فتحت باب الطائرة أثناء الرحلة؟

ترجمة: حمدى عرقوب

تدقيق: عبد الله كريم

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر