ربما ظننت أن احتضار نجم عملاق هو حدث يغلفه السكون، عندما يطلق النجم زفرته الأخيرة من مادته الخارجية، لكنك مخطئ في هذا الظن، ففي تلك الزفرة الأخيرة ينفجر النجم انفجارًا هائلًا يغمر الفضاء بطيف من إشعاعات جاما عالية الطاقة عدة سنوات، وليس الفضاء وحده المُعرَّض لتلك الأشعة، إذ ينظر بحث جديد في تأثير تلك الأشعة على الأشجار المعمرة على سطح الأرض، التي تحمل أدلة على حدوث تلك الانفجارات النجمية.

وفقًا للجيولوجي روبرت براكينريدج من جامعة كولورادو بولدر: «توجد أحداث هائلة، يبدو أن لها تأثيرًا محتملًا في سجلات حلقات الأشجار».

من الغريب أننا لا نستطيع تقدير مدى شيوع الانفجارات النجمية في مجرة درب التبانة، ومن المرجح حدوث 1-3 انفجارات كل قرن، لكن أحدث رصد لظاهرة انفجار نجمي في مجرة درب التبانة رُصد قبل أكثر من 400 سنة، و يقترح دليل أن الانفجارات النجمية قد تمر دون أن نلاحظها، مثل بقايا النجم الذي اعتُقِد أن انفجاره حدث منذ 120 سنة، لذلك من المرجح عدم اكتمال سجلاتنا البشرية، رغم توقع قدرتنا على رؤية أحداث الانفجارات النجمية بوضوح بواسطة التلسكوبات على الأقل، إن لم يكن بأعيننا المجردة، حسب شدة اللمعان التي تزيد وتخبو مع الوقت، وربما حان الوقت لنلقي نظرةً من قُرب «في أرضنا» لرؤية الانفجارات النجمية.

وجد براكينريدج وفريقه ما يُعَد آثارًا للانفجارات النجمية القديمة التي وقعت قرب الأرض، في حلقات الأشجار التي يبلغ عمرها 40 ألف سنة، خلال 15 ألف سنة الأخيرة أوضحت النتائج احتمالية حدوث أربعة انفجارات نجمية قريبة من الأرض كفاية لترك بصمتها في الأشجار، ويكمن السر في وفرة نظير الكربون المشع -كربون 14- الذي يوجد على الأرض بكميات ضئيلة مقارنةً بنظائر الكربون الأخرى، إذ يتكون في طبقات الجو العليا تحت وابل الأشعة الكونية من الفضاء الخارجي، وعند دخول الأشعة الكونية غلاف الأرض تتفاعل مع ذرات النيتروجين فينتج الكربون المشع، ونظرًا إلى استمرار تدفق الأشعة الكونية إلى الأرض من الفضاء الخارجي، تستقبل الأرض سيلًا مستمرًا إلى حد ما من الكربون المشع.

يوجد بعض من هذا الكربون المشع طبيعيًا في حلقات الأشجار، وبين فترة وأخرى نلحظ زيادة مفاجئة للكربون المشع في حلقات الأشجار، ما تلبث أن تتناقص بمرور السنين، ولأن النشاط الشمسي هو أحد المصادر الرئيسية للأشعة الكونية، عادةً ما تُفسَّر تلك الزيادات المفاجئة في نسبة الكربون المشع في حلقات الأشجار بوصفها دليلًا على زيادة نشاط الرياح والعواصف الشمسية، لكن براكينريدج وفريقه لديهم رأي آخر: «يوجد احتمالان لا ثالث لهما، عواصف شمسية أو انفجارات نجمية، وأعتقد أن فرضية الانفجارات النجمية استُبعِدت دون دراسة كافية».

لاختبار صحة فرضية الانفجارات النجمية، أعد الفريق قائمةً بالانفجارات النجمية المعروفة خلال أربعين ألف سنة الأخيرة، بواسطة تتبع بقايا انفجارات الغبار والغاز النجمية، ثم قارنوا تلك القائمة بسجلات الارتفاع المفاجئ في نسب الكربون المشع في حلقات الأشجار التي تعود لنفس فترة الانفجار النجمي، وللدهشة، وجدوا أن أقرب 8 انفجارات نجمية للأرض جميعها مصحوبة بارتفاع مفاجئ في نسبة الكربون المشع، ووجدوا أن أربعة منها على وجه الخصوص تصمد بقوة في هذا الاختبار.

أول تلك الانفجارات الأربعة كان انفجار فيلا النجمي منذ 12300 سنة على بعد 800 سنة ضوئية من الأرض، الذي صاحبه زيادة قدرها 3% في نسبة الكربون المشع، في حين صاحب انفجار G114.3+00.3 النجمي الذي انفجر منذ 7700 سنة على بعد 2300 سنة ضوئية زيادة قدرها 2%، أما انفجار نجم فيلا جونيور الذي يصعب قياس توقيته بدقة ولكن من المرجح حدوثه منذ 2800 سنة فقد صاحبه زيادة قدرها 1.4% في نسبة الكربون المشع، وأخيرًا نجم HB9 الذي انفجر منذ 4500 سنة على بعد 1000-4000 سنة ضوئية وصاحبه زيادة قدرها 0.9% في نسبة الكربون المشع.

ما تزال الأدلة غير حاسمة، وبالنظر إلى صعوبة تأريخ انفجار فيلا جونيور النجمي مثلًا، لا يمكن الجزم بأن الارتفاع في نسبة الكربون المشع كان نتيجة لذلك الانفجار تحديدًا، لكن تعضد النتائج فرضية الانفجارات النجمية القريبة سببًا لارتفاع نسبة الكربون المشع في حلقات الأشجار.

وفقًا لبراكينريدج: «ما يحثني على الاستمرار هو أن أنظر إلى السجل الأرضي فأقول: رباه! يظهر التأثير المتوقع هنا أيضًا».

إن ثبتت صحة هذه الدراسة فإن حلقات الأشجار ستكون أداة ممتازة لدراسة تاريخ الانفجارات النجمية في مجرتنا، وستساعد على تحديد تواريخ الانفجارات النجمية بدقة، ما يساعد على إحصاء الانفجارات النجمية القريبة ومعرفة مدي شيوعها في مجرة درب التبانة.

اقرأ أيضًا:

طريقة جديدة للوصول إلى سرعة الضوء بركوب أمواج انفجارات السوبرنوفا

المستعر الأعظم ( السوبرنوفا ) – الحدث الأكثر تألقًا في الكون !

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر