يُعد كوكب زحل أبعد كوكب في النظام الشمسي تُمكن رؤيته بالعين المجردة، بالنسبة إلى الأرض. فإذا دمّر كويكب ما كوكب زحل، تُمكن مشاهدة هذا الدمار حتى بدون تلسكوب! ولأن كوكب الأرض يبعد 0.00015 سنة ضوئية عن كوكب زحل، سيظل زحل مرئيًا نحو 80 دقيقة تقريبًا بعد دماره، لأن الضوء سيستغرق 80 دقيقة تقريبًا للوصول إلينا. بفعل مفهوم «السنة الضوئية»، التي سنتعرف عليها تاليًا بالتفصيل.

إذا كنت تراقب نجمًا ما يبعد عن كوكب الأرض 100 سنة ضوئية، فإن ما تشاهده عبر التليسكوب ليس هو النجم في الوقت الحالي، بل ما كان عليه هذا النجم منذ 100 عام. ولهذا يُعد التلسكوب «آلة زمن فلكية». يُعد قياس المسافات الفلكية بالأميال أو بالكيلومترات غير عملي، نظرً إلى المسافات الفلكية الشاسعة للغاية. لذلك يقيس الفلكيون المسافات الفلكية بوحدة السنة الضوئية، ما يسمح بالسفر عبر الزمن، نظرًا إلى أن الضوء يستغرق وقتًا حتى يصل إلى أعيننا.

كل شيء نراه في الفضاء فهو قادم من الماضي، فمراقبة حدث ما يبعد عن كوكبنا سنتين ضوئيتين، يعني أن ما نراه لا يحدث الآن، بل حدث سابقًا، تحديدًا قبل سنتين من توقيت المراقبة!

ما المقصود بمصطلح السنة الضوئية؟

إن سرعة الضوء ثابتة في الفراغ، إذ تبلغ سرعته نحو 1,079,252,849 كيلومتر في الساعة. في سنة واحدة على كوكب الأرض، أي نحو 364,25 يومًا أو ما يعادل 8766 ساعة، يسافر الضوء مسافة نحو 9.5 تريليون كيلومتر. تلك هي قيمة السنة الضوئية، المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة!

لما كانت المسافات بين الأجرام الكونية تقدر بملايين بل مليارات الكيلومترات، أصبح الفلكيون بحاجة ماسّة إلى إيجاد وحدة قياس ملائمة لتلك المسافات الشاسعة، ما قادهم إلى اختيار السنة الضوئية وحدةً لقياس المسافات الفلكية.

السنة الضوئية وحدة لقياس المسافة، لا الزمن كما قد يظن بعض الناس. تُستعمل وحدة السنة الضوئية للتعبير عن المسافة بين الأرض والأجرام السماوية الواقعة خارج نظامنا الشمسي، كما سنرى لاحقًا.

السنة الضوئية وقياس سرعة الضوء

من المهم لتحديد وحدة السنة الضوئية تحديدًا صحيحًا، أن يكون العلماء على دراية بقيمة سرعة الضوء. اختلف الفلاسفة القدماء حول مفهوم سرعة الضوء. اعتقد الفيلسوف إيمبيدوكليس أن الضوء ينتقل من مكان إلى آخر، لذا يجب أن يكون لهذا الانتقال معدل. في حين جادل أرسطو بأن الضوء لحظي.

في منتصف القرن السابع عشر، أجرى غاليلو غاليلي تجارب لتحديد سرعة الضوء، باستخدام أشخاص يحملون مصابيح، وزعهم على تلال يبعد كل منها عن الآخر نحو ميل. لم تكن التجربة ناجحة تمامًا، فلم يستطع غاليلي تحديد سرعة الضوء. لكنه توصل إلى أن انتقال الضوء كان أسرع من انتقال الصوت.

عام 1676، توصل الفلكي الدنماركي أولي رومر بالصدفة إلى تقدير جديد لسرعة الضوء، حين كان يحاول أن يصنع ساعةً فلكية دقيقة للبحارة الذين يقضون معظم وقتهم في البحر. استخدم رومر عمليات رصد كسوف القمر، وتوصل إلى تقدير جديد لسرعة الضوء، بلغ نحو 200,000 كيلومتر في الثانية.

وفقًا لمعرفتنا الحالية تُقدر سرعة الضوء بنحو 299,792 كيلومتر في الثانية. لم تكن طريقة رومر خاطئة، لكن قطر كوكب الأرض لم يكن معلومًا بدقة. لاحقًا، وضع عالم الرياضيات الهولندي كريستيان هويغنز تقديرًا جديدًا لسرعة الضوء، بلغ 220 ألف ميل في الثانية، وذلك أقرب إلى القيمة الصحيحة. توصل هويغنز إلى هذه القيمة بتطبيق القيمة الصحيحة لقطر الأرض على حسابات رومر.

عام 1729، عرض الفلكي الإنجليزي جيمس برادلي نظريته أمام الجمعية الأمريكية. تتعلق النظرية بانحراف الضوء، أي الحركة الظاهرية للنجوم بالنسبة إلى سرعتها. وفقًا لذلك قدر برادلي سرعة الضوء بنحو 301,000 كيلومتر في الثانية. ذلك أقل بنحو 1% فقط مقارنةً بالقيمة المعروفة حاليًا.

وفي محاولتين منفصلتين في منتصف القرن التاسع عشر، توصل عالما الفيزياء هيبوليت فيزو وليون فوكولت إلى تقدير آخر لسرعة الضوء، كان التقدير مختلفًا عن القيمة المعروفة حاليًا بنحو 1609 كيلومتر في الثانية.

عام 1879، استخدم الفيزيائي ألبرت ميكلسون المرايا والعدسات لقياس سرعة الضوء، وتوصل إلى قيمة جديدة تقدر بنحو 299,910 كيلومتر في الثانية. بعد أربعين عامًا من تجربته الأولى، استخدم ألبرت أنبوبًا منزوع الضغط من الفولاذ المموج بطول ميل واحد، لمحاكاة الفراغ، سعيًا إلى نتائج أدق. وبالفعل توصل إلى قيمة أقرب إلى سرعة الضوء المعروفة حاليًا.

عام 1838، استخدم الفيزيائي الألماني فريدريش فيلهلم بازل قيمة سرعة الضوء لقياس المسافة بين الأرض والنظام النجمي الثنائي «سيغناي 61». رغم عدم ذكره لمصطلح السنة الضوئية، فقد أوضح أن الضوء سيستغرق قرابة 10.3 سنوات للوصول من ذلك النظام إلى الأرض. كانت تلك المرة الأولى لاستخدام سرعة الضوء لتقدير المسافة، لذلك يُنسب إلى فريدريش فيلهلم اكتشاف ما يُسمى السنة الضوئية.

ذُكر مصطلح السنة الضوئية للمرة الأولى عام 1851، في مجلة ليختار الألمانية. في نظرية النسبية الخاصة، افترض أينشتاين أن الضوء ينتقل دائمًا بسرعة ثابتة. في ذلك الوقت أصبحت السنة الضوئية وحدة قياس شائعة لقياس المسافات الفلكية.

وحدات أخرى لقياس المسافات الفلكية

توجد وحدات قياس أخرى تستخدم لقياس المسافات في الفضاء. مثل الوحدة الفلكية، والمسافة القمرية، ووحدة بارسيك. كلها يُستخدم لقياس المسافات الفلكية بين جرمين في الفضاء. المسافة القمرية هي المسافة بين الأرض والقمر، أو نصف محور مدار القمر حول الأرض، وتبلغ نحو 400,000 كم، أي نحو 1.28 ثانية ضوئية. عادةً تُستخدم المسافة القمرية لقياس المسافات بين الأرض والأجسام القريبة منها، أو التي تدور في محيطها.

أما الوحدة الفلكية، فتساوي متوسط المسافة بين الأرض والشمس. تُستخدم كل من وحدتي المسافة الفلكية والمسافة القمرية لقياس المسافات بين الأجرام داخل نظامنا الشمسي. في حين تُستخدم وحدتي السنة الضوئية وبارسيك لقياس المسافات بين الأجرام خارج نظامنا الشمسي، مثل قياس المسافات بين المجرات.

وحدة بارسيك هي المسافة التي ينحني بها نصف قطر الأرض بزاوية 1 ثانية من القوس (الزاوية المدعمة بقوس عندما يمر شعاعها من خلال نقاط نهاية هذا القوس). أي إن النجم الذي يبعد 1 بارسيك، له اختلاف زاوي مقداره ثانية واحدة (الفرق الزاوي في اتجاه جرم قيس من نقطتين على مدار الأرض). تساوي السنة الضوئية 63,241 وحدة فلكية، في حين يساوي 1 بارسيك 3.26 سنة ضوئية، أو 206,265 وحدة فلكية. يمكن تقسيم السنة الضوئية إلى أقسام:

ساعات ضوئية، دقائق ضوئية، ثوان ضوئية وحتى نانو ثانية ضوئية. مثلًا، يستغرق الضوء ليصل من الشمس إلى الأرض نحو 8 دقائق ضوئية، ما يعني أن الشمس تبعد عن كوكب الأرض مسافة 8 دقائق ضوئية.

بعض الحقائق المثيرة عن السنة الضوئية:

  •  في نوفمبر 2021، نقل فوياجر 1 -مسبار فضائي أطلقته ناسا عام 1976- إشارةً من مسافة 21.31 ساعة ضوئية، وكانت هذه أبعد مسافة يُسافر فيها جسم صناعي في الفضاء.
  •  المجرة القريبة من مجرة درب التبانة، مجرة كانيس الكبرى القزمة، تبعد 25,000 سنة ضوئية عن الشمس. تليها المجرة الإهليجية القزمة، التي تبعد عن الشمس مسافة 70,000 سنة ضوئية.
  •  المجرة GN-z11 التي اكتشفها تليسكوب هابل عام 2016، هي أبعد مجرة مكتشفة عن كوكب الأرض. إذ تبعد 13.4 مليار سنة ضوئية.
  •  تسافر موجات الراديو بسرعة الضوء، لذلك فإن نظام الرادار الذي يستخدم أمواج الراديو للكشف عن الطائرات يقيس مدى بعد هذه الطائرات بوحدة نانو ثانية.
  •  أعلنت وكالة ناسا أن مسبارها الفضائي المسمى مسبار باركر الشمسي، قد لمس الشمس. وفقًا لناسا فإن مسبار باركر هو أسرع مركبة من صنع الإنسان في الفضاء، إذ تبلغ سرعته نحو 690,000 كيلومتر في الساعة.

تذكرنا وحدة السنة الضوئية بمدى ضخامة هذا الكون، وإلى أي مدى ما زال على العلم أن يتوسع، وعلى البشرية أن تتعلم!

اقرأ أيضًا:

لماذا توجد سبعة ألوان في قوس قزح؟

اذا كان الهواء الدافئ يرتفع، لماذا تنخفض درجات الحرارة كلما ارتفعنا عن سطح الارض؟

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر