يبدو أن كوكبًا خارجيًا يبعد 26 سنة ضوئية فقط، يعد فرصتنا الأفضل بين الكواكب المكتشفة حتى الآن لإلقاء نظرة من كثب على غلافٍ جوي لعالم خارجي. يعرف الكوكب الصخري الخارجي باسم Gliese 486 b ، ويعتقد علماء الفلك أنه قد يكون مشابهًا لكوكب الزهرة، أي صخري وحار، ويحتمل امتلاكه لغلاف جوي -مع أنه سيكون أرق بكثير من غلاف كوكب الزهرة- ما يلبي جميع المعايير التي نبحث عنها عند محاولة العثور على أغلفة جوية للكواكب الخارجية بهدف استكشافها بواسطة تلسكوبات الجيل القادم.

إنه ليس قريبًا فحسب، بل يمر بيننا وبين نجمه القزم الأحمر البارد نسبيًا والهادئ، ما سيسمح لغلافه الجوي بأن يضاء نتيجة لوقوع النجم خلفه.

إنه أيضًا حقًا في البقعة المناسبة في درجة الحرارة للتحليل الطيفي، لتحليل تكوين الغلاف الجوي.

قال عالم الفيزياء الفلكية خوان كارلوس موراليس من معهد دراسات الفضاء في كتالونيا: «منذ اللحظة الأولى، أدركنا أن هذا الكوكب فرصة ذهبية، إذ يدور حول نجم لامع قريب ويمر أمامه من زاوية نظرنا على الأرض».

وأضاف: «لقد بذلنا قصارى جهدنا لتحديد خصائص الكوكب الخارجي بدقة ونحن نستعد لتحديد المزيد من الخصائص، وقد يصبح هذا الكوكب نقطة انطلاق لفهم بنية وتطور الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية».

إلقاء نظرة من كثب على الغلاف الجوي لكوكب خارجي - فرصتنا الأفضل حتى الآن لإلقاء نظرة من كثب على غلاف جوي لعالم خارجي - Gliese 486 b - كوكب خارجي

منذ تأكيد اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية، في تسعينيات القرن الماضي، واصل علماء الفلك تحديد الآلاف منهم في مجرة درب التبانة.

ما اكتشفَ حتى الآن هو صورة غير مكتملة تخضع للقيود التكنولوجية، ومع ذلك تمكنّا من تعلم الكثير عن الكواكب المختلفة في الكون: أحجامها، وكتلها، وكثافتها، وكيف تدور حول نجومها؟ وأشياء أخرى من هذا القبيل.

يُعد رصد الأغلفة الجوية أكثر تعقيدًا وخداعًا، إذ نرصد الكواكب الخارجية باستخدام طريقتين بناءً على تأثير الكواكب الخارجية في نجومها.

هنالك تحليل دوبلر الطيفي الذي يرصد تحليل الحركة التذبذبية الخافتة لنجم في أثناء حركته في دائرة صغيرة بسبب التأثير الجذبوي مع الكوكب الخارجي. وهنالك القياس الضوئي العابر الذي يرصد التغيرات الخافتة للغاية في ضوء النجوم عند عبور كوكب خارجي أمام النجم.

لدراسة الغلاف الجوي لكوكب خارجي، يبحث علماء الفلك عن تغييرات بسيطة في طيف الطول الموجي لنجم عندما يتحرك كوكب خارجي حوله.

تمتص بعض الأطوال الموجية أو تبعث بواسطة عناصر في الغلاف الجوي، وتظهر كخطوط غامقة أو لامعة على الطيف؛ يمكن استخدامها للتأكد من التركيب الكيميائي للغلاف، ما يُعد أمرًا صعبًا للغاية، فالكواكب الخارجية بعيدة جدًا، والإشارات التي نتحدث عنها باهتة جدًا.

في ظروف مثالية، لنكون قادرين على دراسة غلاف جوي، فنحن بحاجة إلى بعض العوامل المفتاحية.

بدايةً، كلما اقتربنا كان ذلك أفضل. ثانيًا، النجم اللامع الذي على ضوئه أن ينتج طيفًا قويًا. وأخيرًا، الكوكب الخارجي العابر، الذي يكون في الوضع المثالي على مدار قصير بحيث يمكن رصد عبور متعدد في وقت قصير وجمعه لتضخيم الإشارة.

قد تكون مدارات الكواكب الخارجية عديدة الأشكال، إن كان المدار قصيرًا، يكون الكوكب الخارجي قريبًا جدًا من النجم، ما يجعله شديد الحرارة ويصعب عمليات التحليل الطيفي.

أجريت قياسات عالية الدقة على Gliese 486 b باستخدام كل من تحليل دوبلر الطيفي والقياس الضوئي العابر، وطابق جميع الظروف المثالية.

أوضح عالم الفلك تريفون تريفونوف من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك لموقع ScienceAlert: «سمح لنا قرب Gliese 486 b بقياس كتلته بدقة غير مسبوقة، وذلك بفضل عمليات الرصد التي أجريت باستخدام أدوات CARMENES، وMAROON-X».

وأضاف: «رُصِدَ الكوكب يعبر القرص النجمي دوريًا بواسطة القمر الصناعي TESS التابع لوكالة ناسا، وهو حدث نادر. إن الجمع بين كتلة كوكبية دقيقة الأوصاف، والتكوين المداري من بيانات دوبلر، ونصف قطر كوكبي دقيق، وفترة مدارية من العبور لمثل هكذا كوكب خارجي قريب يجعله اكتشافًا استثنائيًا».

توصل فريق البحث إلى أن حجم الكوكب الخارجي يبلغ 1.3 ضعف حجم الأرض، ونحو 2.8 مرة ضعف كثافتها. يشير ذلك إلى تركيبة أرضية غنية بالمعادن، مثل الأرض أو الزهرة. إضافةً إلى أنه قريب جدًا من نجمه، في فترة مدارية تبلغ يومًا ونصف يوم فقط.

لأن نجم الكوكب الخارجي قزم أحمر بارد نسبيًا؛ فإن درجة حرارة التوازن للكوكب هي 700 كلفن فقط. قد لا يبدو ذلك مضيافًا بالنسبة لنا، لكنه مناسب تمامًا لرصد الغلاف الجوي.

أوضح تريفونوف: «يسبب القرب من القزم الأحمر Gliese 486 تسخين الكوكب إلى حوالي 430 درجة مئوية (أو 700 كلفن)، ما يجعل واجهته الطبيعية حارّة وجافّة، تتخللها البراكين وأنهار الحمم المتوهجة. يشبه الكوكب Gliese 486 b كوكب الزهرة أكثر من الأرض».

هذا ما يجعله مناسبًا لطيف الانبعاث: قرب الكوكب الخارجي من نجم، وعكسه لضوئه.

والدراسات التي تتضمن تغييرات في ضوء النجوم للبحث عن غلاف الجوي.

وأضاف تريفونوف: «إذا كانت درجة الحرارة أبرد مئة درجة، لكان ذلك غير مناسب لمتابعة الرصد، بينما إذا كانت درجة الحرارة أعلى بمئة درجة؛ فإن سطح الكوكب بأكمله سيكون حممًا بركانية، ومن ثم فإن غلافه الجوي سيتكون في الغالب من صخور متبخرة، ما لن يخبرنا أي شيء عن الغلاف الجوي الأساسي».

يقع Gliese 486 b في المكان المناسب تمامًا لتطبيق كل آلية ممكنة لفهم الغلاف الجوي لكوكب خارجي، لكن ماذا لو لم يكتشف غلاف جوي للكوكب؟ حسنًا، سيساعدنا ذلك على فهم مدى احتفاظ الكواكب الخارجية الصخرية بغلافها الجوي عند الدوران بالقرب من نجومها.

سيطلق تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي تشمل مهمته دراسة الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، في وقت لاحق من هذا العام، ونأمل أن يكون Gliese 486 b في القائمة.

اقرأ أيضًا:

علماء الفلك يمعنون النظر في الغلاف الجوي لكوكب خارجي نادر يُفترض ألا يكون موجودًا

ما الفرق بين « الازاحة للاحمر تحت تاثير دوبلر » و « الازاحة للاحمر الكونية او الجذبوية » ؟

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: تسبيح علي

المصدر