يُعرف المهق بأنه مجموعة من الحالات الوراثية التي تتجلى بصفات شكلية مميزة، تنتج عن ندرة الصبغة في العينين والجلد والشعر أو غيابها بالكامل.

قدّرت «المنظمة الوطنية للمهق ونقص التصبغ» عدد المصابين بالمهق في الولايات المتحدة بنحو فرد واحد من كل 18000-20000 شخص، في حين ترتفع هذه النسبة في بعض البلدان الأفريقية مثل زيمبابوي، فتصل إلى فرد واحد من كل 1000 شخص.

كيف يغدو العالم إذا كان سكانه جميعًا مصابًا بالمهق، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ حتى هذه اللحظة؟

أعراض المرض

وفقًا للمنظمة فإن المهق الجلدي العيني يمثل أكثر أشكال المهق شيوعًا في الولايات المتحدة، إذ يؤثر هذا النوع في إنتاج صبغة الميلانين في العينين والجلد، ونوّهت المنظمة بوجود سبعة أنواع فرعية معروفة من المهق الجلدي العيني حتى الآن، رتبها الأطباء عبر أسماء متسلسلة من OCA1 حتىOCA7 . يختلف لون الشعر اعتمادًا على النوع الفرعي، قد يظهر بلون أبيض أو أشقر أو بني.

قالت كيلسي طومسون، مستشارة إعادة التأهيل في منطقة شيكاغو: «أنا مصابة بالنمط الفرعي OCA1، الذي يُعد أشد أنواع المهق الجلدي العيني، إذ ينعدم الصباغ كليًا في شعري وبشرتي وعيني». عملت طومسون سابقًا مدة 10 سنوات في مجلس إدارة المنظمة، وشغلت منصب رئيس المنظمة فترةً.

توجد خرافة شائعة مفادها أن أعين المصابين بالمهق حمراء، لأن ظروف الإضاءة قد تجعل الأوعية الدموية الموجودة في الجزء الخلفي من العين مرئية، ومن ثم تظهر العينان باللون الأحمر أو البنفسجي. يتسم أكثر المصابين بالمهق بأعين زرقاء، ويمتلك بعضهم أعين عسلية أو بنية.

البشرة الفاتحة

تُعد حساسية البشرة الفاتحة من أبرز مصادر القلق لدى المصابين بالمهق، إذ يؤدي الميلانين الموجود في الشعر والجلد دورًا أساسيًا في حماية الجلد من الأشعة فوق البنفسجية، لذا يجب على المصابين بالمهق الحذر من حروق الشمس وسرطان الجلد.

تقول طومسون: «عندما كنت أصغر سنًا، لم أكترث كثيرًا للتعرض للشمس، وأصبت بحروق شمسية شديدة. ثم تعلمت أن أكون أكثر حذرًا عندما يتعلق الأمر بأشعة الشمس، وأن أضع واقي الشمس وأبحث عن الظل قدر الإمكان».

ماذا سيحدث لو كان جميع سكان الأرض مصابين بالمهق؟ يرى أحد العلماء أن هذا العامل بالذات -حساسية البشرة لأشعة الشمس- يجعل من الصعب أن يعيش الأفراد المصابون بالمهق.

ماذا لو كان كل البشر على الأرض مصابين بالمهق؟ - كيف يغدو العالم إذا كان سكانه جميعًا مصابًا بالمهق، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ حتى هذه اللحظة؟ المهق

قالت طومسون: «إنه أمر مخيب للآمال، لكنه ليس مفاجئًا. أظن أن الكثير من الأشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة اللازمة للتعايش مع المهق يعدون أنفسهم من ذوي الإعاقة. إنه مصير رهيب أن يعجزوا عن أداء واجباتهم اليومية الأساسية، لكنه مع ذلك ليس حكمًا بالإعدام».

إذا كان الجميع مصابًا بالمهق، قد ينتشر ارتداء ملابس طويلة لحماية بشرتهم، مثل سكان الصحراء، إضافةً إلى القبعات والأوشحة لحماية رؤوسهم ووجوههم. قد يعتمدون أيضًا على استخدام واقيات الشمس. تضع نساء شعب الهيمبا في ناميبيا عجينةً برتقاليةً أو حمراء تُسمى «أُتجيزي»، مصنوعة من الزبدة والمغرة، ويستخدمنها لأسباب جمالية، لكن قد يصنع المصابون بالمهق تركيبة مماثلة لتحميهم من أشعة الشمس.

تقول طومسون: «أستطيع تخيل تطور الحضارات وتأقلمها بهدف تنفيذ المزيد من الأنشطة اليومية بعيدًا عن ساعات ذروة ضوء الشمس، مثل فترة الصباح الباكر وفي وقت متأخر بعد الظهر».

قد يفضل المصابون بالمهق العيش ضمن بيئات وفيرة الظلال، وعند خطوط عرض أقل تعرضًا للشمس، تقول طومسون: «ما زلت أستمتع بالخروج إلى الشاطئ مع عائلتي، لكنني أظن أن الطقس المشمس في بعض أجزاء العالم لن يكون مناسبًا لحياة المصابين بالمهق، مثل أجزاء معينة من الشرق الأوسط وجنوب غرب أمريكا. على أي حال، أعرف أشخاصًا مصابين بالمهق يعيشون في جنوب كاليفورنيا ويحبون الحياة هناك».

المشكلات البصرية

يعاني المصابون بالمهق مشكلات في الرؤية، إذ تعتمد البنى التشريحية داخل العين في أثناء تطورها داخل الرحم على الميلانين، قالت طومسون: «إن أفضل حدة إبصار لدي لا تتجاوز 20/200، ما يجعلني عمياء من الناحية القانونية. أرى الألوان رؤيةً كاملةً، لكنني لا أرى التفاصيل الدقيقة. لا تبدو الأشياء ضبابيةً، لكن جودة الإبصار تشبه الفرق بين التلفزيونات الحديثة عالية الدقة والتلفزيونات القديمة من الثمانينيات. قد يعاني المصابون بالمهق أيضًا رهاب الضوء، أو يكونون أكثر حساسيةً للوهج الناتج عنه».

تعطينا مشكلات الرؤية تصورًا عن مجتمعات ما قبل الحقبة الصناعية في الماضي الافتراضي، إذ عانى المصابون بالمهق صعوبةً كبيرةً في البقاء على قيد الحياة. تقول طومسون: «لا تتعارض المشكلات البصرية التي يعانيها المصابون بالمهق مع الأنشطة التي يستطيعون القيام بها، يجب أن أستخدم وسائل راحة معينة لعينيّ كل يوم، لكنني بعيدًا عن ذلك أستطيع العمل بكفاءة، دون أن أتأثر بالمشكلات البصرية، اعتاد المصابون بالمهق هذا الأمر. بالنسبة إلي، إنه أمر طبيعي».

تضيف طومسون: «أعرف أشخاصًا مصابين بالمهق لكنهم صيادون بارعون. لقد انخرطت في المنظمات المعنية بالمهق طوال حياتي، وفي كل مرة أظن أن بعض المهمات أو الوظائف لا يستطيع المصابون بالمهق تنفيذها، لكنني متيقنة من وجود شخص يقوم بها».

إذا كان البشر كلهم مصابين بالمهق، قد نستخدم العصي، وحيوانات تساعدنا على الحركة في الطريق، وربما تحديد الموقع بتقنيات الصدى لمساعدتنا على الإبحار حول العالم. أشارت طومسون إلى أن بعض المصابين بالمهق يستطيعون قيادة السيارة.

قالت طومسون: «أخي الأصغر مصاب بالنوع ذاته من المهق الذي أُصبت به، وعندما يفحصنا طبيب العيون، تبدو نتائجنا متشابهةً إلى حد بعيد، لكنه تكيف مع الأمر، ولعب بمركز حارس مرمى مع فريق هوكي. لا يراقب القرص، لكنه ينظر إلى اللاعبين ليعرف متى تتجه الكرة نحوه».

قد يعتمد المصابون بالمهق ضعيفو الإبصار على النظارات المكبرة والعدسات المحمولة باليد لمساعدتهم على القراءة، قالت طومسون: «لكننا نستخدم أحيانًا هذه الوسائل لنتأقلم مع عالم المبصرين. إذا تطور العالم فقط مع الأشخاص المصابين بالمهق، أتخيل أن المطبوعات ستُطبع جميعها بأحرف كبيرة».

تظن طومسون أن مجتمعات المصابين بالمهق ما قبل الصناعة كانت ستعتمد غالبًا على الزراعة أكثر من الصيد. تشمل الاحتمالات الأخرى الصيد باستخدام الرمح أو الشبكة، وأنشطة لا تتطلب إبصارًا قويًا.

التأثير الاجتماعي

يتعرض بعض المصابين بالمهق للتشهير والوصم في أنحاء من العالم بسبب مظهرهم، وقد يحصلون على أدوار الشخصيات الشريرة في القصص مثل الراهب الشرير سيلاس في شفرة دافنشي، وتُرتكب جرائم قتل بحق عشرات المصابين بالمهق بسبب مظهرهم في تنزانيا، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز ومصادر أخرى.

قالت طومسون: «ينشأ بعض المصابين بالمهق في بيئة داعمة للغاية ولا يواجهون الكثير من الظروف السلبية، في حين يعاني آخرون صدمةً شديدة. كانت تجربتي متوسطة الصعوبة نوعًا ما، لم تكن مروعة للغاية، لكنني تعرضت لكثير من التنمر عندما كنت طفلة. كان الأمر مزعجًا إلى حد ما عندما كبرت، طُرِحت عليّ أسئلة وقحة، وأراد الناس لمس شعري، إنه سلوك غير لائق، لا يجب أن يتصرف الشخص هكذا مع غريب عنه، لكن عندما يكون مظهرك مختلفًا اختلافًا واضحًا مثل المهق، كثيرًا ما تحدث هذه الأمور».

في عالم جميع سكانه مصابون بالمهق، لن يرتبط المرض بوصمة العار، بل قد يُنظر إلى المهق بوصفه ميزة تميز البشرية عن باقي الطبيعة.

قالت طومسون: «سيكون مثيرًا للاهتمام تفكيرنا في كيفية تغير مفهوم العِرق إذا كان الجميع مصابًا بالمهق. تُعاني إحدى صديقاتي من الهند نوع المهق نفسه الذي أصابني، وتشبهني أكثر من أخي، مع أننا نأتي من خلفيتين عرقيتين مختلفتين تمامًا». إذا أُصيب الجميع بالمهق، قد يتغير حكمنا على مظهر من حولنا.

قد يؤثر المهق في المجتمعات بطرق أخرى، تقول طومسون: «عندما أتحدث مع مجموعة من المصابين بالمهق، فإننا نقضي احتياجاتنا بطريقة مختلفة قليلًا عما نفعله في العالم العادي، عندما أرى شخصًا أعرفه، أقدم نفسي كما لو كنت أتحدث على الهاتف لأننا نعلم أن الشخص الآخر لا يرى جيدًا، ونقف أحيانًا بالقرب من بعضنا بسبب ضعف بصرنا».

قالت طومسون إن مثل هذه التحيات والتعديلات على سلوكيات التعامل الشخصي قد تصبح سمات معيارية للمجتمع في عالم سكانه جميعًا من المصابين بالمهق، وتضيف: «توجد أشكال عديدة من الاتصال غير اللفظي التي يجب أن يتعلمها ضعيفو الرؤية، مثل التواصل البصري. تهتز عيناي قليلًا لذلك أجد صعوبةً في رؤية أعين الأشخاص، ما دفعني إلى تعلم كيفية التواصل البصري والتفكير في سلوكيات مختلفة مثل تجنب التحديق المستمر، وغيرها من التصرفات التي تعلمت استيعابها في عالم المبصرين».

لذلك، إذا كان الجميع مصابًا بالمهق، قد لا يستمر التواصل البصري بوصفه معيارًا للتواصل.

اقرأ أيضًا:

ماذا سيحدث إذا لم تخرج وتعرّض جسمك لأشعة الشمس؟

السبب وراء العطاس المفاجئ عند التعرض لأشعة الشمس

ترجمة: حسام شبلي

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر