كانت صور الهولوغرام مجرد فضول علمي في السابق، لكن بفضل التطور السريع لليزر انتقلت صور الهولوغرام تدريجيًا إلى تصدر المشهد، فاستُعملت في الصور الأمنية لبطاقات الائتمان والعملات الورقية، وأفلام الخيال العلمي مثل حرب النجوم، حتى في حفلة مباشرة على خشبة المسرح لمغني الراب توباك المتوفى منذ فترة طويلة، إذ جسدته للجماهير في مهرجان موسيقي عام 2012. يُعرف الهولوغرام بعملية التصوير الفوتوغرافي لتسجيل الضوء المبعثر من جسم ما وعرضه بطريقة ثلاثية الأبعاد. اخترعه عالم الفيزياء المجري البريطاني دينيس جابور في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1971.

إلى جانب العملات الورقية وجوازات السفر وتجسيد مغني الراب المثير للجدل، أصبح الهولوغرام أداةً أساسية للتطبيقات العملية الأخرى مثل تخزين البيانات، والفحص المجهري البيولوجي والتصوير الطبي والتشخيص الطبي.

في تقنية تسمى الهولوغرام المجهري، يصنع العلماء هولوغرامًا لفك شفرة الآليات البيولوجية في الأنسجة والخلايا الحية. مثلًا، تُستخدم هذه التقنية روتينيًا لتحليل خلايا الدم الحمراء للكشف عن وجود طفيليات الملاريا، وتعريف خلايا الحيوانات المنوية في عمليات التلقيح المخبري.

يتغلب نوع جديد من الهولوغرام الكمي على قيود المناهج الهولوغرامية التقليدية، قد يؤدي هذا الاكتشاف الرائد إلى تحسين التصوير الطبي، وتسريع تقدم علم المعلومات الكمية، إذ يشمل هذا المجال العلمي جميع التقنيات القائمة على فيزياء الكم، متضمنةً الحوسبة والاتصالات الكمية.

آلية عمل الهولوغرام

يصنع الهولوغرامي الكلاسيكي تصورات ثنائية الأبعاد لأجسام ثلاثية الأبعاد بواسطة شعاع ليزر ينقسم إلى مسارين، يُعرف مسار الشعاع الأول بشعاع الجسم، ويضيء الجسم الهدف المراد تصويره، ويُجمع الضوء المنعكس باستعمال كاميرا أو فيلم هولوغرامي خاص، في حين يرتد مسار الشعاع الثاني -المعروف بشعاع المرجع- من مرآة مثبتة موجهة على لوح التجميع الفوتوغرافي، دون لمس الجسم الهدف.

ينشأ الهولوغرام عبر قياس الاختلافات في مرحلة الضوء حيث يلتقي الشعاعان، تمثل هذه المرحلة مقدار تداخل موجات أشعة الجسم والمرجع معًا. تشبه ظاهرة تداخل موجات الأشعة إلى حد ما الموجات الموجودة على سطح بركة ماء، إذ تخلق على السطح نمطًا موجيًا معقدًا يحوي منطقتين تلغي فيها الموجات بعضها -قيعان موجية- وتعزز بعضها، قمم موجية.

الهولوغرام الكمومي يصنع صورًا مفصلة لأجسامنا وخلايانا - نوع جديد من الهولوغرام الكمي يتغلب على قيود المناهج الهولوغرامية التقليدية - التماسك البصري

يتطلب التداخل أن يكون الضوء «متماسكًا» وبالتردد ذاته. مثلًا يعد الضوء المنبعث من الليزر متماسكًا، ولهذا يستخدم هذا النوع من الضوء في معظم الأنظمة الهولوغرامية.

الهولوغرام والتشابك الكمي

يُعد التماسك البصري أمرًا أساسيًا في العملية الهولوغرامية، لكن دراستنا الجديدة تتغلب على الحاجة إلى التماسك في التصوير المجسم عبر استغلال «التشابك الكمي» بين جسيمات الضوء، الفوتونات. يعتمد الهولوغرام التقليدي أساسًا على التماسك البصري لضرورة تداخل الضوء لإنتاج صور ثلاثية الأبعاد، وليتداخل الضوء يجب أن يكون متماسكًا. الشرط الثاني ليس ضروريًا دائمًا، إذ توجد أنواع معينة من الضوء قد تكون غير متماسكة ومع ذلك تتداخل.

على هذا فإن الضوء المكون من الفوتونات المتشابكة المنبعثة من مصدر كمي في تدفقها يتكون من أزواج من الفوتونات المتشابكة. تتسم هذه الأزواج بخاصية فريدة تُسمى التشابك الكمي. عندما يتشابك جسيمان كميًّا فإنهما يتصلان جوهريًا ويعملان بفعالية كأنهما جسيم واحد، مع إمكانية فصلهما مكانيًّا، لذلك يؤثر أي إجراء على جسيم متشابك في النظام التشابكي كاملًا.

في دراستنا، فصلنا فوتونات كل زوجين وأرسلناها في اتجاهين مختلفين. لاحظنا أن أحد الفوتونات يرسل شريحةً مجهريةً نحو جسم ما -وليكن عيّنةً بيولوجية- وعندما يصطدم الفوتون بالجسم ينحرف قليلًا أو يتباطأ قليلًا اعتمادًا على سُمك الجسم الذي مر عبره، ولأن الفوتون يُعد جسيمًا كميًا فإنه يتميز بخاصية مدهشة، إذ يتصرف بوصفه جسيمًا وموجةً في الوقت ذاته. تتيح خاصية ازدواجية الموجة/الجسيم اختبار سُمك الجسم في الموقع الدقيق الذي اصطدم به -كما يفعل جسيم أكبر غير كمّي- وتتيح أيضًا قياس سُمك الجسم بطوله كاملًا، فيصبح سمك العينة كاملًا بهيكلها ثلاثي الأبعاد «مطبوعًا» على الفوتون.

نظرًا إلى تشابك الفوتونات، فإن الإسقاط المطبوع على فوتون واحد يتشاركه كلاهما في الوقت ذاته. تحدث ظاهرة التداخل من بُعد دون الحاجة إلى تداخل الأشعة، ويظهر الهولوغرام أخيرًا عبر رصد الفوتونين باستخدام كاميرات منفصلة وقياس الارتباطات بينهما.

يتمثل الجانب الأكثر إثارةً للإعجاب في هذه الآلية الهولوغرامية الكمية في حدوث ظاهرة التداخل، رغم عدم تفاعل الفوتونات معًا مطلقًا، وإمكانية فصلها لأي مسافة بسبب وجود تشابك كمي بين الفوتونات وفق ما يُسمى «اللا مكانية». بهذه الآلية يمكن إجراء قياسات على الجسم، وملاحظة نتائج القياسات النهائية، وإن كانت الفوتونات على طرفين متباعدين من الكوكب.

إضافةً إلى ذلك، يوفر استخدام التشابك بدلًا من التماسك البصري في النظم الهولوغرامية مزايا عملية أفضل، مثل الثبات ومقاومة الضوضاء، إذ يُعد التشابك الكمي بطبيعته خاصيةً يصعب الوصول إليها والتحكم فيها، وعلى هذا فإنه يتميز بكونه أقل حساسيةً للانحرافات الخارجية. تتيح هذه المزايا إنتاج صور بيولوجية ذات جودة أفضل بكثير مما نحصل عليه باستخدام تقنيات الفحص المجهري الحالية، وسرعان ما سيصبح استخدام هذا النهج الكمي الهولوغرامي متاحًا لكشف الهياكل والآليات البيولوجية داخل الخلايا التي لم تُكتشَف سابقًا.

اقرأ أيضًا:

للمرة الأولى ترميز المعلومات في هولوغرام باستعمال القفز الكمي

يطمح الفيزيائيون إلى محاكاة الثقوب السوداء باستخدام الهولوغرام

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر