في غضون أقل من 3 سنوات، سيعود رواد الفضاء إلى القمر للمرة الأولى منذ حقبة أبولو، ضمن برنامج أرتميس. إن هدف إرسال طاقم استطلاعي إلى سطح القمر مرة أخرى لن يكون الاستكشاف وجمع العينات فحسب. يتعلق الهدف هذه المرة بإنشاء بنية تحتية حيوية -البوابة القمرية ومعسكر القاعدة- التي ستتيح إمكانية مستدامة لاستكشاف القمر.

يُعَد توفير الطاقة شرطًا ضروريًّا لإنجاح هذه الخطة الطموح، التي قد تواجه صعوبات في بعض المناطق، مثل حوض أيتكين بالقطب الجنوبي، وهي منطقة ظليلة مليئة بالفوهات.

لمعالجة المشكلة، اقترح الباحث تشارلز تايلور بمركز لانغلي البحثي التابع لـناسا فكرة مبتكرة تُعرف بحاني الضوء (Light Bender)، إذ يمكن التقاط أشعة الشمس على القمر بواسطة تلسكوب وتوزيعها.

توزيع الطاقة على القمر قد يكون متوقفًا على ثني أشعة الشمس - إنشاء بنية تحتية حيوية تتيح إمكانية مستدامة لاستكشاف سطح القمر - حاني الضوء

اختير حاني الضوء من ضمن 16 مقترحًا رُشحَت للمرحلة الأولي من برنامج الأفكار المتقدمة والمبتكرة بناسا خلال دورة 2021 التي تشرف عليها إدارة المهام التكنولوجية الفضائية.

قدمت الاقتراحات مجالًا واسعًا من الأفكار المُبتكرة التي بإمكانها المساهمة في تطوير أهداف ناسا الاستكشافية.

في هذه الحالة، يستوفي حاني الضوء احتياجات رواد الفضاء المشاركين في مهمة أرتميس، ومشروع الوجود البشري المستدام على سطح القمر.

استوحى تايلور تصميمه من «الهليوستات»، وهو جهاز يتكيف مع حركة أشعة الشمس الظاهرية في السماء ليبقي ضوء الشمس المنعكسِ مُصوبًا نحو هدف محدد.

في حالة حاني الضوء، تُستعمل تلسكوبات «كاسجرين» الضوئية لالتقاط أشعة الشمس وتركيزها وتوجيهها. وتنظم عدسات «فراسنل» حزم أشعة الشمس وتوزعها على مختلف المصادر الموجودة في نطاق كيلومتر، وتلتقط هذا الضوء مصفوفات ضوئية يتراوح قطرها بين 2 و4 أمتار، تحوّل أشعة الشمس إلى طاقة كهربية.
إضافةً إلى المواقع المخصصة للسكن، يزود حاني الضوء آلات التبريد والأدوات المتنقلة مثل المركبات الجوالة بالطاقة.

من المتوقع أن تؤدي المصفوفات أيضًا دورًا مهمًا في خلق بنية تحتية حيوية، بتوفير الطاقة للأدوات المستخدمة في الموقع، مثل آلات جمع الثرى المحلي، لاستخدامها في طباعة مجسمات ثلاثية الأبعاد تُستخدم في بناء الهياكل السطحية.

وصف تايلور حاني الضوء قائلًا: «تتفوق هذه التقنية على منافساتها، مثل الليزر عالي الطاقة منخفض الفاعلية، بسبب اقتصاره على تحويل الضوء إلى طاقة كهربية فحسب، والتصميم التقليدي لموزع الطاقة المعتمد على أسلاك الجهد العالي. إضافةً إلى ذلك يحقق حاني الضوء تخفيضًا في كتلة الجهاز بمقدار الخُمس مقارنةً بالتقنيات الأخرى».

لكن لعل الميزة الكبرى لهذا النظام هي إمكانية توزيع الطاقة في المناطق حيث تنتشر الفوهات الظليلة على سطح القمر، وهي شائعة في القطب الجنوبي.

تطمح العديد من المؤسسات الفضائية -متضمنةً ناسا ووكالتي الفضاء الأوروبية والصينية- إلى تشييد مساكن طويلة الأمد في المنطقة لتوفر الماء والجليد وموارد الأخرى.

يمكن مقارنة مستوى الطاقة الذي يوفره المشروع بتقنية «كيلوباور»، المعتمدة على توليد طاقة انشطارية نووية، وهو مقترح مصمم لتمكين البقاء فترات طويلة على سطح القمر وغيره من الأجرام.

تُقدر الطاقة التي سيوفرها النظام بـ 10 كيلوواط كهربائي. كتب تايلور: «تلتقط المرآة الأولية ما يعادل 48 كيلوواط كهربائي من ضوء الشمس، تعتمد الطاقة الكهربية الناتجة على البُعد الفاصل بين نقطة التجميع الأساسية والمُستخدِم، لكن تفيد التحليلات بتوفر 9 كيلوواط كهربائي من الطاقة المستمرة في نطاق كيلومتر».

يؤكد تايلور أن كمية الطاقة الممكن توليدها بواسطة النظام قابلة للزيادة، بواسطة زيادة حجم عنصر التجميع الأساسي، أو عناصر المستقبل، أو المسافة بين العقد، أو بزيادة العدد الإجمالي لأجهزة استقبال أشعة الشمس على السطح. إضافةً إلى إمكانية توسيع النظام للتأقلم مع زيادة البنى التحتية بالمنطقة بمرور الوقت.

تخضع المرحلة الأولى الآن لفترة أولية لدراسة جدوى المقترح مدتها تسعة أشهر، يقيّم المصممون خلالها مختلف تفاصيل الابتكار ويعالجون المشكلات المتوقع أن تؤثر في عمليات التشغيل فور تفعيلها.

يركز تايلور تحديدًا على تحسين العدسات البصرية بناءً على التصميم والمواد والطبقات المختلفة، التي من شأنها تحقيق مستويات مقبولة من انتشار الضوء.

وسيهتم أيضًا بتصميم العدسة لتحقيق انتشار الضوء على نحو مستقل فور بلوغه سطح القمر، وستركز الدراسات المستقبلية على المناهج الممكنة لتحقيق تلك الغاية.

بعد اكتمال دراسات الجدوى، ستُقيّم التصاميم الهندسية المقترحة لإنشاء حاني الضوء في قاعدة قمرية قرب القطب الجنوبي، في أثناء إجراء العمليات المستمرة على سطح القمر.

العامل الرئيس المرتبط بكفاءة الآلة هو تقليل كتلة الهبوط إلى الحد الأدنى. وستُقارن تقنيات توزيع الطاقة المعروفة مثل الأسلاك والحزم الليزرية.

بعد اكتمال دراسات الجدوى للمرحلة الأولى، سيتمكن الفريق من التقدم بطلب للحصول على تمويل المرحلة التالية. قال جين جوستيتش، مدير الابتكارات والشراكات في المراحل المبكرة ضمن إدارة ناسا لمهمات تكنولوجيا الفضاء: «نعرف أن الزملاء دائمًا يطمحون لتحقيق أهداف أكبر، باقتراح تقنيات تُعد من الخيال العلمي، خلافًا للبحوث التي تمولها برامج الوكالات الأخرى. نحن لا نتوقع أن تؤتي جميعًا ثمارها، لكننا ندرك أن توفير ولو قدر ضئيل من التمويل الأولي للبحوث المبكرة قد يفيد وكالة ناسا كثيرًا على المدى الطويل».

اقرأ أيضًا:

ماذا سيحدث للمد والجزر عندما يبتعد القمر عن الأرض؟

كم من الوقت سيستغرق المشي حول القمر ؟

ترجمة: فاطمة البجاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر