ليس من المستغرب أن نتخيّل مستقبلًا يقوم فيه مسؤول حكومي -ربما وزير تعديل الطقس- بتكييف حالة الطقس حسب رغبات مواطني بلده. هل ثمّة جفاف في غرب البلاد؟ لا مشكلة، سنعدّل الطقس لنحصل على قليل من المطر اللطيف، ثمّة إعصار يهدد الساحل الشرقي؟ فقط ابقوا هادئين أيها الناس، سنطلق قنبلة نووية صغيرة لتشتيت العاصفة. يُقال إن الحقيقة أغرب من الخيال، وهذا حال البشر وهم يحاولون السيطرة على الطقس.

لنبدأ بتاريخ موجز: لقد حاولت العديد من القبائل الأمريكية الأصلية -خاصة تلك التي تعيش في مناطق صحراوية شبه قاحلة مثل قبائل بويبلو وهوبي وزوني- تعديل حالة الطقس من خلال رقصات مُتقنة لتحفيز نزول المطر من السماء الشحيحة.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، اشتهر تجوال صانعي الأمطار في جميع أنحاء غرب الولايات المتحدة وهم يعدون الناس بإنهاء حالات الجفاف مقابل رسوم.

استخدم أولئك الباعة المتجولون مزيجًا من العلوم الزائفة والبراعة الكبيرة لإقناع المجتمعات بأن تقنيتهم التي غالبًا ما تكون جهازًا أو هيكلًا يستخدم لتوزيع المواد الكيميائية أو الغازات في الهواء، من شأنها أن تجلب المطر في وقت قصير.

الغريب أن حكومة الولايات المتحدة أيضا انساقت وراء هذا الزيف. فقد خصص الكونجرس عام 1891 قيمة 19000 دولار لإجراء اختبارات هطول الأمطار في تكساس بتوجيه من «روبرت دراينفورث». كانت نتائج دراينفورث غير حاسمة، ومع نهاية القرن، بدأ السياسيون والمواطنون ينظرون إلى صانعي المطر بتشكيك متزايد. واستغرق الأمر أربعة عقود أخرى قبل أن يبدأ العلماء التحكم في الطقس والتغلب على دجل المشعوذين.

جاءت نقطة التحول الحقيقية عام 1946، عندما اكتشف «إيرفينغ لانجميور» و«فينسنت شايفر»، -وهما كيميائيان كانا يعملان في مختبر أبحاث جنرال إلكتريك في شينيكتادي في نيويورك- أنه بالإمكان إدخال بلورات من الجليد في سحابة فائقة البرودة وتكوين ثلوج، وأطلقوا على هذه العملية اسم «البذر السحابي الجليدي»، وسرعان ما استعانا بالكيميائي الفيزيائي برنارد فونيغوت.

بحث فونيغوت عن مادة بلورية أخرى لها تأثير مماثل، ووجدها في يوديد الفضة. مع مرور الوقت، توصل الفريق إلى استكشاف العلوم الأساسية لاستمطار السحب، والتي تسير على النحو التالي:

في كثير من الأحيان، لا يمكن أن تتجمد قطرات الرطوبة في السحب دون مساعدة إضافية. إذا تلامست هذه القطرات مع بلورات من يوديد الفضة، فإنها تتكتل على البلورات وتتجمد، وحين يكبر الجليد بدرجة كافية، فإنه يسقط من السحابة على شكل ثلج، أو مطر إذا مرّ عبر الهواء الدافئ.

غرس البذور لتعديل حالة الطقس:

طيّار وهو ينزل من طائرته بعد انتهاء مهمة تعديل الطقس ببذر السحب في سماء غرب كانساس عام 2007

طيّار وهو ينزل من طائرته بعد انتهاء مهمة تعديل الطقس ببذر السحب في سماء غرب كانساس عام 2007

تمكّن العلماء في نهاية المطاف من إيجاد طريقة للتحكم في الطقس (على الأقل في المختبر). على مدار الثلاثين عامًا التالية، بدأ الباحثون ورجال الأعمال في جميع أنحاء العالم تطبيق المبادئ التي طورها لانجموير وشيفر وفونيغوت على البذر السحابي في العالم الحقيقي، إذ عبروا بطائراتهم بين السحب ورشّوها بيوديد الفضة، وكذلك أطلقوا قذائف مدفعية مليئة بيوديد الفضة صوب السحب.

كانت محاولات تعديل الطقس تلك تجري أحيانًا لإنتاج المطر في المناطق الجافة، أو للتخفيف من أضرار البَرَد عن طريق منع تشكله بحجم كبير، أو لتشتيت الضباب المُكثّف حول المطارات. قدّم العديد من مالكي هذه التكنولوجيا الجديدة ادعاءات جريئة حول خدمات البذر السحابي. لسوء الحظ، لم يثبت العلم الدقيق صحّة هذه الادعاءات. وبأحسن تقدير كانت التجارب الصارمة تشير إلى أن استمطار السحب لا يكاد ينجح، أو الأسوأ من ذلك أنه لم ينجح على الإطلاق.

مع ذلك، تراكمت على مر السنين اللاحقة أدلة مُثيرة بما يكفي لإبقاء الرأي العام مهتمًا بموضوع تعديل الطقس، فعلى سبيل المثال، أظهرت الأبحاث التي أُجريت في جنوب أفريقيا والمكسيك أن حقن غيوم المطر الدافئة بجزيئات الملح، وهو ما يُعرف بالبذر الاسترطابي «hygroscopic seeding»، أكثر فاعلية من بذر يوديد الفضة على غيوم المطر الباردة، ويعتقد العلماء الصينيون أنهم أتقنوا استمطار السحب لدرجة أنه يمكنهم ضمان أن يكون يوم معين ممطرًا أو أن يكون مشمسًا، وهو ما حدث يوم حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008 في بكين.

إنه لشيء يدعو إلى التفاؤل أن نتحكم في هطول المطر من بضع سحب فوق منطقة محلية، لكن هل يمكننا منع الأعاصير من التكون؟ بعض العلماء واثقون من قدرتنا على ذلك، إذ تكشف النمذجة الحاسوبية للأعاصير الكبرى الحديثة (مثل أندرو عام 1992) كيف يمكن حتى لتغيير واحد أو اثنين من التغييرات الصغيرة أن يحوّل كارثة كبرى إلى عاصفة صغيرة. وهذا هو جوهر نظرية الفوضى:

مجموعة من المبادئ العلمية تصف أنظمة شديدة التعقيد، مثل أنظمة الطقس، حيث يمكن تغييرات صغيرة في الظروف الأولية أن تغيّر النتائج النهائية بشكل جذري.

يتساءل علماء الأرصاد الجوية: هل بإمكانهم استخدام نظرية الفوضى بشكل جيد لمنع الأعاصير من التكون في المقام الأول؟ إذا تمكنوا من تغيير متغير واحد أو متغيرين في الوقت الذي تبدأ فيه عاصفة أطلسية التكوّن لتصبح وحشًا، فربما يمكنهم تقليل قوتها أو تحويل مسارها.

حاليًا يبدو أن إحداث تغيّر في درجات حرارة البحر هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، وقد اقترح عدد قليل من العلماء طلاء سطح المحيط بطبقة رقيقة من الزيت القابل للتحلل، فيمكن هذا من الناحية النظرية تقليل التبخر، وهو العملية التي تؤدي إلى تكوين الأعاصير.

من الممكن أن تنجح أفكار مماثلة ضد الزوابع أيضًا، إذ اقترح أحد الفيزيائيين تعطيل تكوين الغيوم القمعية عن طريق صعق الغلاف الجوي بأشعة الموجات الدقيقة التي تُطلَق من الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية.

في الوقت الراهن يبدو موضوع تعديل الطقس أشبه بقصص الخيال العلمي، حيث يُتحكم في الطقس بطريقة بالغة السهولة، كالضغط على مفتاح في آلة وطلب الطقس المرغوب مع تحديد الكمية المناسبة من المطر أو الثلج أو الحرارة. لكن يبقى الأمر ممكنا في ظل تطور العلم ووسائلنا التكنولوجية التي قد تمكننا من تحويل مثل هذه القصص القريبة من الخيال إلى واقع مُعاش.

اقرأ أيضًا:

ماهو المطر ؟ وكيف يتكون ؟

لماذا يسقط المطر بشدة أقوى في بعض الأيام؟

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر