تتراكم الدلائل على نشاط كوكب المريخ جيولوجيًا وبركانيًا. وجدت دراسة دقيقة جديدة للأقسام البركانية فوق سطح الكوكب الأحمر أن الحمم المترسبة على منخفض إيليزيوم (Elysium Planitia) تكونت حديثًا خلال الخمسين ألف سنة الأخيرة.

تُعد هذه المدة وفق السلم الزمني الجيولوجي قصيرة بشكل صادم، ما يعني أن كوكب المريخ كان قابلًا للسكن حديثًا، لتماثل أجزاء منه مع مناطق بركانية نشطة توجد في مناطق جليدية مثل آيسلندا، حيث تنشط مختلف أشكال البكتيريا أليفة الظروف القاسية (إكستريموفيل).

يقول دافيد هورفاث، عالم الفلك بمعهد علوم الكواكب وجامعة أريزونا: «ربما تكون هذه الحمم البركانية الموثقة مؤخرا في المريخ، الأصغر عمرًا على الإطلاق. وإذا حاولنا اختزال تاريخ المريخ الجيولوجي إلى يوم واحد فسيكون هذا الحدث قد وقع في الثانية الأخيرة منه».

أمسى المريخ مليئًا بالمفاجآت مؤخرًا رغم مظهره الغباريّ الجاف الصخري والمليء بالدلائل المشيرة إلى وجود نشاط بركاني. أحد الدلائل هو وجود الماء السائل تحت سطح المريخ.

بالرغم من ألوانه الحمراء الدافئة، هو كوكب شديد البرودة. وجدت دراسة عام 2019 أن التدفئة الداخلية قد تكون ضرورية لتحفظ المياه تحت السطح من التجمد. في السنة الماضية، وصفت دراسة أخرى كيف احتوى النيزك المريخي أدلة على وجود حمم بركانية في الغلاف المريخي.

حاليًا، توصل فريق من علماء الفلك بقيادة هورفاث إلى دليل آخر استنادًا إلى بيانات الأقمار الصناعية يتمثل في ترسب بركاني واسع يمتد على منخفض إيليزيوم شمال خط استواء المريخ.

دليل على نشاط البراكين كوكب المريخ يعزز صلاحيته للسكن - دراسة على الأقسام البركانية فوق سطح الكوكب الأحمر - منخفض إيليزيوم على سطح المريخ

يقول هورفاث: «يغطي هذا الترسب الغامض القاتم مساحة أكبر بقليل من مساحة العاصمة واشنطن. ويمتلك رغم تجمده حرارة عالية، إضافة إلى امتلاكه مادة غنية بالبيروكسين عالي الكالسيوم، تتوزع هذه المادة بتناظر حول جزء من قطاع سيربرس المتصدّع Cerberus Fossae في منخفض إيليزيوم ذي الرواسب الريحية غير النمطية أو تيارات الرياح القوية في المنطقة، هذه السمة مماثلة للبقع المظلمة على سطح القمر وكوكب عطارد المعروفة باحتوائها ثورات بركانية متفجرة».

ترجع معظم المعالم البركانية على سطح المريخ إلى تدفقات الحمم السطحية، وليس من الانفجارات البركانية. بالرغم من أن المعالم البركانية المتفجرة ليست مجهولة بالتأكيد. ما يجعل اكتشاف الفريق مثيرًا للاهتمام هو أنه يقع فوق تدفقات الحمم الأخرى المحيطة به، أي أنه حدث مؤخرًا، وتبدو هذه المعالم البركانية، الحاوية على الحمم والرماد جديدة نسبيا أيضا.

يوضح هورفاث: «كان بوسع هذا الثوران أن ينطفئ ويتحول إلى رماد يصل ارتفاعه إلى 10 كيلومترات في الغلاف الجوي للمريخ لكنه على الأغلب يمثل آخر قدر من المواد المتفجرة. يحتوي منخفض إيليزيوم أصغر البراكين على المريخ يرجع تاريخها إلى حوالي 3 ملايين سنة مضت، بالتالي هي ليست غير متوقعة تمامًا. من المحتمل أن هذه الأنواع من الترسبات كانت أكثر شيوعا لكنها تآكلت أو دفنت».

من المثير للاهتمام أيضًا اكتشاف إشارات أخرى تدل على وجود نشاط في نفس المنطقة، إذ لا يبعد مسبار إنسايت الفضائي سوى 1600 كيلومتر عنها، وقد كشف هذا المسبار عن حدوث زلزال في منطقة سيربروس. وعند الربط بين الدليلين نتوصل إلى أن النشاط في المريخ قد يكون مستمرًا.

من المهم عدم المبالغة في تفسير الاكتشافات وتأويلها بما أن الحمم القريبة من السطح قد تكونت في وقت متأخر جدًا من حياة المريخ دون تدفقات الحمم السطحية، وبالتالي فإن الرواسب الأعمق مطلوبة لتفسير الثوران.

رغم ذلك، فإنه أمر ممكن الحدوث. يمكن للزلازل أن تسبب انفجارات الحمم هنا على الأرض، واكتشفت هذه الزلازل في تصدعات سيربيروس، ما يشير إلى آلية واحدة محتملة. لا يبعد هذا الاكتشاف أيضا عن الفوهة الصدمية المعاصرة التي تسمى زونيل. ويمكن أن يكون هذا الارتطام قد أثار النشاط البركاني.

بغض النظر عن سبب هذا النشاط، طرح هذا الاكتشاف احتمال -وإن كان ما يزال احتمالًا ضئيلا- تكوّن حياة حديثة نسبيًا على المريخ، على غرار تلك التي نجدها في الفتحات الحرارية المائية على الأرض، حيث تلتقي الظروف الباردة للغاية مع درجات حرارة ساخنة تبلغ درجة الغليان. تزدهر الحياة الميكروبية في هذه المواقع، ولا تعتمد على التمثيل الضوئي بل على التفاعلات الكيميائية من أجل البقاء على قيد الحياة.

قال هورفاث: «يمكن أن تكون تفاعلات الحمم البركانية المتصاعدة والبيئة المتفاعلة الباردة في هذه المنطقة، وفرت ظروفًا مناسبة للحياة الميكروبية مؤخرًا ورفعت احتمالية الحياة في هذه المنطقة». قد يساعد هذا الاكتشاف بتنظيم مهمات إلى المريخ بتوفير موقع يمكن إيجاد دليل على الحياة فيه.

اقرأ أيضًا:

دراسة تشير إلى أن المريخ قد يخفي محيطات تحت قشرته

جهاز جديد لاستخراج الوقود والهواء والماء من مياه المريخ المالحة

ترجمة: فاطمة البجاوي

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر