التشابك الكمي هو ارتباط بين جسيمين عبر مسافاتٍ شاسعة بشكلٍ لا يمكن أن يُفسر باستعمال قواعد الفيزياء الكلاسيكية. جذبت غرابةُ التشابك الكمي العديد من العلماء، إذ وصفه الفيزيائي ألبيرت آينشتاين بـ (الفعل عن بُعد). تحصل هذه الظاهرة وتُراقب في الجسيمات دون الذرية، لكن دراسة أُجريت حديثًا عكست التوقعات والأبحاث السابقة إذ راقبت وسجلت التشابك في جسيماتٍ كبيرةٍ نسبيًا.

استعمل الباحثون اسطوانتين من الألمنيوم للقيام بهذه التجارب. ومع اعتبار هذه الأسطوانات ضخمة من منظور كمي، فإنها صغيرة للغاية من منظورنا نحن البشر، إذ يصل عرضها إلى ما يعادل خُمس عرض شعرة إنسان.

تحدّث الفيزيائي جون توفيل، الباحث في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST)، عن التجربة قائلًا: «في حال تحليل واحتساب مكان وقوة دفع كل جسيم على حدة، يظهر الأخيران بشكلٍ مثيرٍ للغاية بالنسبةِ للفيزيائيين».

ويستكمل توفيل حديثه قائلًا: «ومن جهةٍ أخرى، حين يُراقب الجسيمان معًا، يظهر ترابط في التحرك العشوائي لأحدهما مع الأخر، وهذا لا يمكن حدوثه إلا في حالة التشابك الكمي».

لم تنفِ الأبحاث والدراسات السابقة إمكانية حدوث التشابك الكمي على مقياسٍ أكبر من المقياس الذري ودون الذري. لكن ظن العلماء وجود أنظمة فيزيائية أخرى في هكذا مقاييس. إضافةً إلى ذلك، ظن البعض أن تأثيرات هذا التشابك لا يمكن تسجيلها على نطاقٍ أوسع من النطاق الكمي.

لكن الدراسة الحديثة أكدت عكس ذلك، وأثبتت أن القواعد الكمية تعمل في المقاييس الأكبر، كما في المقاييس دون الذرية.

في سياق التجربة، قام العلماء بهز الاسطوانتين باستعمال فوتونات مكروية وحافظوا على التشابك الحاصل بين هذه الاسطوانات.

بهدف منع تأثر التشابك الكمي الحاصل في النظام الخارجي، برّد الباحثون الاسطوانتين لإجراء التشابك، ثم وضع النظام المُتشابك في مجالٍ مُبرد وقاسوا كل اسطوانةٍ على حدة. تبعًا إلى ذلك، تم تشفير الحالات الكمية الخاصة بالأسطوانات في مجالٍ منعكس من الأشعة الميكروية، الذي يعمل بما يشبه الرادار.

سجلت بعض الدراسات السابقة تشابكًا كميًا في مقاييس كبيرة نسبيًا، لكن الدراسة الحديثة أنتجت التشابك بشكلٍ غير عشوائي، بعكس ما قامت به الأبحاث السابقة. إضافةً إلى ذلك، سجلت هذه الدراسة كل القياسات وخصائص النظام الكمي اختباريًا بدلًا من استنتاجها نظريًا.

في تجربةٍ أخرى ضمت اسطواناتٍ في حالة التشابك أيضًا، أكد فريقٌ من الباحثين إمكانية تسجيل واحتساب مكان وقوة دفع الاسطوانات في الوقت عينه.

تقول لور ميرسييه دي ليبيناي، الفيزيائية الباحثة في جامعة آلتو الفنلندية، أن الاسطوانات تتحرك بشكلٍ كميٍ مشتركٍ فيما بينها، بحيث تهتز بشكلٍ معاكس. وتوضح لور قائلةً: «عندما تكون إحدى الاسطوانات في نهاية الاهتزاز، تكون الأخرى في بدايته في نفس الوقت».

وتستكمل لور حديثها مؤكدةً أن مبدأ عدم اليقين الكمي غير موجود في هذه الحالة إذا تم التعامل مع الاسطوانتين على أساس نظامٍ موحد.

تكمن أهمية هذه التجربة في التفوق على مبدأ هايزنبرغ للريبة الكمية، الذي يقترح استحالة قياس مكان وقوة دفع الجسيم بدقةٍ في الوقت عينه، إذ إن تسجيل ومراقبة إحدى هاتين الخاصيتين سيؤدي إلى التأثير في الخاصية الأخرى عبر ما يسمى بالإجراء الخلفي الكمي (quantum back action).

إضافةً إلى تأكيد حدوث التشابك الكمي في الجسيمات الكبيرة نسبيًا، تفوقت هذه التجربة على مبدأ الريبة الكمي، ووضعت أساسًا للبناء بين الفيزياء الكلاسيكية التي تخضع لهذا المبدأ، والفيزياء الكمية التي أظهرت أنها لا تخضع له.

يمكن أن تكون شبكات الاتصال الكمية مجالًا مهمًا لتطبيق هاتين التجربتين، حيث يتم التشابك بين الجسيمات الكبيرة نسبيًا ليكون الأخير مصدرًا لهذه الشبكات المستقبلية.

وعلق عالما الفيزياء هوي تشيوان لاو وأشيش كلارك على التجربة قائلين إن أهمية هذه التجارب تكمن في الكشف عن أسرار الظواهر الكمية في العالم غير الكمي.

اقرأ أيضًا:

فكرة جديدة قد تسمح للبشر بمشاهدة ظاهرة التشابك الكمي

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: باسل حميدي

المصدر