هل وقفت يومًا ما على حافة سطح أو جسر أو أي مرتفعٍ آخر وتساءلت: «ماذا لو قفزت؟!» ربما ظهر هذا الدافع من العدم واختفى بالسرعة التي جاء بها. تبين أن لهذا الدافع اسمًا وهو «نداء الفراغ» الذي يصف الرغبة الملحّة في رمي نفسك إلى الفراغ. وهي حالة -وإن كانت مُضنية- فهي شائعة للغاية ومستقلة تمامًا عن التخيلات الانتحارية. وفي الحقيقة، اقترحت دراسة عام 2012 -وهي الوحيدة من نوعها التي درست هذه الحالة- أن لهذا الدافع تفسيرًا علميًا واضحًا إلى حد ما.

 بعض الأمثلة الشائعة لظاهرة نداء الفراغ:

تسمى ظاهرة نداء الفراغ أيضًا بظاهرة الأماكن المرتفعة High Place Phenomenon HPP لكون الشخص يشعر بها عند الوقوف في مكان مرتفع. وتشتمل ظاهرة نداء الفراغ على أفكار أو دوافع من قبيل:

  •  الانحراف في أثناء قيادة السيارة والاقتراب من الزحام.
  •  القفز في المياه العميقة من قارب أو من فوق جسر.
  •  الوقوف على سكة قطار أو قطار الأنفاق أو القفز أمام القطار.
  •  جرح نفسك عند حمل سكين أو أي أداة حادة.
  •  حشر أداة معدنية في مأخذ تيار كهربائي.
  •  تقريب يدك من النار أو من مُصرِّفة نفايات.

عندما تراودك هذه الدوافع فإنك تواجهها بسرعة رافضًا فكرة تنفيذها لأنك تعرف نتيجة أي من هذه السيناريوهات، إلا إنك تتابع التفكير فيها بصرف النظر عن سرعة تلاشي الفكرة.

 هل تُعد هذه الظاهرة طبيعية؟

نعم، هذا الشعور طبيعي وشائع! ووجد القائمون على الدراسة عام 2012 التي شملت 431 طالبًا أنه:

– أقرَّ أكثر من نصف الذين نفوا تفكيرهم بالانتحار أنهم اختبروا ظاهرة نداء الفراغ بطريقة أو بأخرى سواءً كان بتخيُّل القفز أو وجود دافع حقيقي للقفز.

– صادف ثلاثة أرباع المتعرضين سابقًا لتخيلات انتحارية ظاهرةَ نداء الفراغ.

– الأشخاص الميّالون للإصابة بالقلق أكثر من الأفكار الانتحارية هم أكثر عرضة لظاهرة نداء الفراغ.

أسباب ظاهرة نداء الفراغ

لا أحد يعرف حق المعرفة، وقد ألقَت الدراسة الأولى والأخيرة والوحيدة -حتى الآن- بعض الضوء على الأسباب. وبعد مقابلة 431 طالبًا بخلفيات نفسية مختلفة توصلوا إلى أن الظاهرة تتعلق على الأرجح بالتوصيلات الدماغية.

 غريزة البقاء:

عندما تنظر من مكان مرتفع أو كنتَ في خضم موقف خطير يرسل دماغك إشارة تحذيرية تحدث بسرعة وتتراجع بديهيًّا حتى دون إدراك السبب. ثم عندما تفكّر حيال ما حدث، فقد تعتقد مخطئًا أن هذا التحذير كان في الحقيقة رغبةً في القفز أو تنبيهًا من قبيل: «ألقِ يدك في النار!»

 الحساسية تجاه القلق:

لماذا تصل بتفكيرك إلى هذه الدرجة إن لم ترغب حقًّا في الموت أو في إيذاء نفسك؛ لمَ تتخيل القفز؟

وهنا تأتي الحساسية والميل للقلق. وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون حساسية أعلى للقلق أو الخوف من القلق هم أكثر عرضة لهذه الظاهرة. وتشتمل الحساسية للقلق أمورًا من قبيل الاعتقاد أن ضربة قلبية طارئة تشير إلى نوبة قلبية أو أن أعراض نوبة الهلع تعني أنك قد تفقد الوعي أو حتى أن تموت. ويقترح الباحثون أن الذين يعانون حساسية أعلى للقلق أكثر عرضة لترجمة أي إشارة يعجزون عن فهمها على أنها أمر خطير!

 محدوديات الدراسة:

لم تثبت هذه الدراسة قطعيًّا آلية عمل نظام الإشارة وتعاني الكثير من المحدوديات الأخرى. علمًا أن شريحة المتطوعين كانت كبيرة فإنهم كانوا من الطلبة ومعظمهم من العرق الأبيض. وبحثت الدراسة ضمن شريحة واحدة، لذا قد يقدِّم بحث معمَّق على مجموعة أوسع وأكثر تنوعًا دلائل داعمة بصورة أكبر. وأشار الباحثون أيضًا إلى أن السعي إلى الإثارة قد يلعب دورًا في ظاهرة HPP ويقترحون أخذه بعين الاعتبار في أبحاث قادمة. وأشاروا إلى الحاجة إلى المزيد من الأبحاث عن الدور الذي تلعبه الحساسية تجاه القلق في هذه الظاهرة.

 هل تعني ظاهرة نداء الفراغ شيئًا؟

لا تقلق عندما يصل بك الأمر للشعور بظاهرة نداء الفراغ. تذكر أنك لست الوحيد وأن الكثير من الناس تراودهم الأفكار والدوافع نفسها، حتى إن لم يتحدثوا عنها. وفي معظم الحالات لا تعني هذه الأفكار ما هو خطير، ولا يوجد دليل يشير إلى أنها تلعب دورًا في أي حالة نفسية أو أي تخيلات انتحارية عندما لا تترافق بأمور أخرى ولا تسبب لك ضيقًا مستمرًا. وإن أقلقك المعنى الدفين لهذه الأفكار، ضع في عين الاعتبار رد فعلك تجاهها. فبابتعادك عن النافذة أو الحافة أو مقاومة الرمي بسيارتك في الزحام وبتأكيدك لنفسك أنك لن تُقدِم على هذه الأفعال فأنت تتصرف وفق غريزتك في البقاء حيًا.

 متى عليك طلب المساعدة:

من المهم أن تضع في عين الاعتبار أن نداء الفراغ قد يبدو أشبه بخيالات انتحارية، وإن راودتك أفكار انتحارية فعلى الأرجح ستعاني ظاهرة نداء الفراغ أيضًا.

تراود الكثير من الناس أفكار انتحارية دون تخطيط واضح للانتحار أو حتى وضع الانتحار في حسبانهم. لكن الأفضل هو استشارة اختصاصي إن راودتك أفكار انتحارية خاصة إذا استمرت في الإلحاح مع الوقت. ويُنصَح باستشارة أحدهم إن عانيت أعراض الاكتئاب أو القلق، ومنها:

  •  مخاوف دائمة والإحساس بدنوّ الأَجل.
  •  قنوط وتغيرات مزاجية سريعة أو مفاجئة ووِحدة مستديمة.
  •  صعوبة في التركيز وأرق وصعوبة في مغادرة السرير.

تسوء عادة الأعراض دونما علاج، لذا من الجيد السعي للمساعدة حالًا، ومن الضروري استشارة اختصاصي خاصة عندما تسوء الأعراض وتحول دون تأديتك واجباتك أو تؤثر في نوعية حياتك بأي طريقة.

 الأفكار الدخيلة ونداء الفراغ:

قد تعد هذه الدوافع أفكارًا دخيلة أيضًا عندما تتوارد مرارًا وتكرارًا أو تتعارض مع روتينك اليومي. تراود الأفكار الدخيلة الكثير من الناس بين وقتٍ وآخر، ولا تعد سببًا في القلق إن حدثت بمفردها. وقد تكون عرضًا لاضطراب الوسواس القهري، لذا من الأفضل استشارة معالج إن راودتك أفكار دخيلة مُلحة خاصةً إن:

  •  سببت لك الضيق أو حدثت باستمرار.
  •  حالت دون تأديتك واجباتك.
  •  تحتاج اتخاذ سلوك معين لصرفها عنك.

 الخُلاصة:

إن كنت تعاني ظاهرة نداء الفراغ فلا يوجد ما يدعوك للقلق؛ فهي أحد حيل الدماغ الغريبة والمخيفة وغير المفهومة تمامًا التي تراود الكثير من الناس.

إن راودتك هذه الدوافع بالتوازي مع أفكار انتحارية أو إن أخذت بعين الاعتبار تنفيذها أو إن سببت لك الإزعاج حتى ولو قليلًا عليك استشارة اختصاصي نفسي في أسرع وقت!

اقرأ أيضًا:

سايكولوجيا الخوف

ترجمة: سِوار قوجه

تدقيق: نايا بطّاح

مراجعة: عون حدّاد

المصدر