مشت الفقاريات الأولى على كوكبنا هذا في قاع المحيطات قبل ملايين السنين من انتقال أقاربها إلى اليابسة. شكّل عام 2008 صدمة للعلماء عندما وجدوا أن سمكة المزلجة الصغيرة المعروفة باسم ليوكوراجا إريناسيا وبعض أسماك القرش البدائية كانت قادرة على الاستناد بأقدامها على أرضية قاع المحيطات مستخدمة الشبكات العصبونية الحيوية ذاتها التي نستخدمها اليوم للمشي.

عمومًا، كان سائدًا أن الفقاريات تعلمت المشي فقط عندما بدأت تنزح من الماء إلى اليابسة منذ حوالي 380 مليون سنة مضت، لكن أشارت عينات أخرى مستندة إلى سمكة المزلجة الصغيرة -واحدة من أقدم البدائيات الفقارية- إلى جذور أعمق بكثير للمشي قد تصل لـ 400 مليون سنة مضت.

وقد طور علماء الرياضيات نموذجًا للتحقق مستخدمين بيانات مصورة تشرح ديناميكية الهرب والتخفي عند هذا الكائن القاعي لمعرفة كيفية تطويره لحركات تشبه المشي في قاع البحار.

ويستطيع هذا النموذج البسيط الذي صنعوه أن يتوقع نمط المشي الأكثر اتزانًا وتحكمًا وكفاءةً في بيئة من العوم المحايد، وهي حالة فيزيائية تكون فيها كثافة جسم ما مُساوية لكثافة المائع المحيط به وحينها يُسمّى الجسم المعلق.

وتطلّب الحصول على أفضل النتائج نمطًا يُناوب بين القدمين اليمنى واليسرى ويشبه كثيرًا تمايل سمكة المزلجة الصغيرة. ولا يتطلب هذا النمط من المشي أي طاقة إضافية ويُعزز بمرور الوقت باستخدام مخطط تعليمي بسيط.

وجد العلماء أن بعض أسماك القرش البدائية كانت قادرة على الاستناد بأقدامها على أرضية قاع المحيطات - هل امتلكت الفقاريات الأولى أقدامًا قبل مغادرتها المحيط؟

كتب مؤلفو الدراسة: «تُشير النتائج في سياق نموذجنا هذا أنه وبالرغم من خيارات وحلول تعليم المشي الواسعة التي يمكننا استخدامها فإن استراتيجية التحكم المتناوب بالقدمين هي الحل الأمثل لضمان تحرك أكثر كفاءة وتوفيرًا للطاقة».

ويعترف الفريق بأن إيجاد مثال واقعي عن هذه الكائنات القديمة أقرب للبحث عن إبرة في كومة قش، لكنهم قالوا إننا سنحتاج فقط لبدائيات الأرجل لتحقيق هذا النمط من تموضع القدمين. ستحتاج تلك الكائنات القديمة بعد أن طورت زعانف تشبه الأقدام لاكتساب سيطرة عصبية إلى الحد الأدنى من السيطرة العصبية على هذه الأطراف الجديدة والمحسنة.

وبعد أربع مراحل من عملية تدريب النموذج على هذا النمط بدأنا نشاهد جليًا الحركة باستخدام قدم واحدة. وبعد 200 مرحلة ساد نمط الحركة باستخدام القدمين. وبالوصول إلى المرحلة 600 بدأ الكائن بالمناوبة بين خطواته اليمنى واليسرى.

وبإجراء ما يقرب 50 وضعًا تدريبيًا موزعين على 5000 مرحلة تشمل مختلف معايير التعلم والمكافآت، وجد المؤلفون أن أفضل الحلول كانت تتوافق مع طريقة مشي سمكة المزلجة الصغيرة وذلك في 70% من الحالات.

وتبين آلية التحكم البسيطة أن المشي في أعماق البحار هو سلوك سليم وفعال ومشابه للمشي المنفعل -غير الإرادي- ومشابه لدمية تمشي على منحدر تدفعها الجاذبية الأرضية للأمام دون الحاجة لتحكم معقد.

ولا شك أن سمكة المزلجة الصغيرة لا تعد منفعلة ولا إرادية المشي كليًا؛ إذ يبقى دماغها مسيطرًا على 6 عضلات محركة لديها، لكن يقول المؤلفون إنها تستعمل نفس مبدأ المشي غير الإرادي (حركة مستمرة مع مصدر طاقة ثابت دون آلية تلقيم راجع).

لم يتأكد المؤلفون من سبب تطور سمكة المزلجة الصغيرة للمشي على أرضية قاع البحار، لكنهم اقترحوا كونها أكثر فعالية وأقل طاقة من السباحة بالوتيرة نفسها. ولتأكيد هذه الفكرة نحن بحاجة للقيام بمزيد من الأبحاث الأيضية على الكائنات القاعية.

تستخدم سمكة المزلجة الصغيرة أحيانًا كلتا قدميها في نفس الوقت لتجدف وتقفز للأمام كحركة قارب البنط لتبدأ بعدها سريعًا بنمط المشي المتناوب. لم تشاهد هذه الحركات في النموذج الذي أعده المؤلفون، لكنهم يعتقدون أنها الأفضل عند الحاجة للتسارع دون الحاجة لكفاءة طاقية، وهذا النمط من التجديف غير الاعتيادي يتطلب جهدًا أكبر.

يقول عالم الرياضيات التطبيقية لاكشمينارايانان ماهاديفان من جامعة هارفارد: «إن المزج بين جسم ذي طبيعة شكلية بارزة الأرجل وبيئة ضعيفة الجاذبية الأرضية قد مهّد الطريق أمام المشي باستخدام القدمين قبل أن ينتقل أسلافنا المائيون إلى اليابسة لاحقًا. وأضحت آلية التحكم أكثر تعقيدًا مع انتقال أسلافنا القدماء إلى اليابسة، لكن على ما يبدو وفي البيئات المتجانسة كأرضية قاع البحار قد تكون آلية بسيطة كهذه هي كل ما كنا بحاجته».

ولإتمام هذا النموذج النظري صمم الباحثون روبوتًا بسيطًا بقدمين استنادًا إلى الظروف نفسها في أعماق البحار فأظهر تشابهًا مذهلًا مع النموذج النظري الذي صمموه. ولم يتطلب نمط خطواته في الحالة النظامية أي طاقة إضافية وتمايل مستندًا على طرفي جسمه. مع ذلك تحرك الروبوت أسرع قليلًا مما وجدناه عند سمكة المزلجة الصغيرة.

يعترف المؤلفون أنهم قد لا يعلمون أبدًا كيف ظهرت حركات المشي الأولى بالضبط، لكن نموذجنا سيساعد في تطوير فهمنا لبعض الديناميكيات المنفعلة غير الإرادية والشبكات العصبونية الحيوية للكائنات الحية.

ويقترح المؤلفون أنه لفهم كيفية عمل الدماغ والجسد والبيئة معًا ضمن بيئات برية ومائية غير متجانسة سنحتاج لتضمين ردود الفعل التحسسية في أبحاثنا. لكن ضمن البيئات المتجانسة قد تكون هذه الاستراتيجية البسيطة التي تناولناها للتو هي ما بدأ منه كل شيء.

اقرأ أيضًا:

تحديد 11 نوعًا من الأسماك القادرة على المشي على اليابسة

ما هي نظرية التطور لداروين وماذا تقول؟

ترجمة: زياد جمال

المصدر