عندما بنت شركة إيفل المعلم الأكثر شهرة لمدينة باريس من أجل المعرض العالمي لعام 1889، نظر الكثيرون إلى هذا البناء الجديد هائل الحجم بشكٍ وعدم تصديق، في يومنا الحالي يُعَد برج إيفل –الذي يؤدي دورًا مهمًا في التلفزة والبث الإذاعي- أعجوبة معمارية تجذب زوارًا أكثر من أي معلم سياحي يستلزم دفع رسم لدخوله.

تصميم برج إيفل وبناؤه:

سنة 1889 استضافت باريس المعرض العالمي للاحتفال بالذكرى المئوية لقيام الثورة الفرنسية.

قدّم أكثر من 100 فنان تصاميم متنافسة لبناء معلم في شامب دي مارس الذي يقع في قلب باريس، وسيكون لهذا المعلم دورًا بوصفه مدخلًا للمعرض.

فاز تصميم شركة إيفل الاستشارية المتخصصة في أعمال البناء، التي تعود إلى باني الجسور اللامع والمهندس المعماري وخبير المعادن ألكسندر غوستاف إيفيل.

تلقى إيفل كل الفضل لبناء هذا المعلم الذي يحمل اسمه، إلا أن موريس كوشلين -أحد الموظفين في شركته ومهندس إنشائي- كان هو صاحب فكرة البرج، وكان وراء تنقيحها وتعديلها، قبل عدة سنوات تعاون الاثنان لبناء الهيكل المعدني لتمثال الحرية.

قيل إن إيفيل قد رفض التصميم الأولي للبرج الذي وضعه كوشلين وطلب منه إضافة زخارف أكثر. تطلب التصميم الأخير أكثر من 18000 قطعة من الحديد ونوعًا آخر من الحديد المشغول يُستخدَم في الإنشاء ومليونين ونصف مليون مسمار. قضى مئات العمال سنتين في تجميع هيكل البرج الشبكي الشهير الذي بلغ ارتفاعه عند افتتاحه في مارس عام 1889 ألف قدم وكان أطول بناء في العالم وقد تفرد بهذه الميزة حتى إنهاء بناء برج كرايسلر في مدينة نيويورك عام 1930.

عام 1957 أُضيف للبرج هوائي استقبال زاد من ارتفاعه بمقدار 65 قدمًا ما جعله أطول من بناء كرايسلر لكنه لم يكن أطول من بناء إمباير ستيت الذي تجاوز في ارتفاعه برج كرايسلر المجاور له، سُمح للعامة في البداية بالوصول إلى المنصة في الطابق الثاني من البرج، وتمكن العامة لاحقًا من الصعود إلى جميع طوابق البرج الثلاثة –التي يحتوي اثنان منهما على مطاعم في يومنا الحالي- بواسطة الدرج أو أحد المصاعد الثمانية.

أُعجب الملايين من الزوار في أثناء المعرض وبعده بأعجوبة باريس المعمارية الشامخة حديثًا، لكن لم يكن جميع سكان المدينة متحمسين بالقدر ذاته للبرج، فقد خشي الكثير من الباريسيين وجود عيوب في هذا البرج كأن يكون غير سليم من الناحية الإنشائية، أما آخرون فقد رأوه قبيح المنظر، إذ يزعم بعض الناس أن الأديب غاي دي موباسان كره البرج كثيرًا لدرجة أنه كان يتناول غداءه في مطعم في قاعدة البرج كونه الموقع الأفضل ليتجنب بذلك رؤية البرج الشامخ في الأفق.

برج إيفل، علامة مميزة دائمة لأفق باريس:

بالأصل كان الهدف من برج إيفل أن يكون معرضًا مؤقتًا، إذ واجه احتمال التفكيك سنة 1909، لكن مسؤولي المدينة اختاروا الإبقاء عليه بعد ملاحظتهم قيمته بوصفه محطةً للإرسال اللاسلكي.

بعد عدة سنوات وفي أثناء الحرب العالمية الأولى اعترض برج إيفيل اتصالات الأعداء اللاسلكية ونقل التحذيرات بالمناطيد واستُخدِم لإرسال تعزيزات طارئة للقوات.

نجا برج إيفل للمرة الثانية من الدمار في أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ وجه هتلر في البداية أوامر بهدم رمز المدينة المحبوب لكن لم تُنفَذ تلك الأوامر قط، وفي أثناء الاحتلال الألماني لباريس قطع مقاتلو المقاومة الفرنسية حبال مصعد البرج ليجبروا النازيين على صعود الدرج.

على مر السنين كان برج إيفل مكانًا للعروض والأعمال المثيرة عالية المستوى والأحداث الاحتفالية وحتى التجارب العلمية، سنة 1911 مثلًا استخدم الفيزيائي الألماني ثيودور وولف مقياسًا للكهرباء للكشف عن مستويات من الإشعاع عند قمة البرج أعلى مقارنةً بقاعدته، ولاحظ آثار ما نطلق عليه اليوم الأشعة الكونية .

شكّل برج إيفل أيضًا إلهامًا لتصميم أكثر من 30 بناء ونسخة طبق الأصل أو مشابهة في مدن مختلفة حول العالم.

أصبح برج إيفل اليوم أحد أشهر الأبنية على هذا الكوكب وقد خضع لأعمال تجميل وعناية سنة 1986 ويُعاد طلاؤه مرة كل سبع سنوات، يستقبل البرج زوارًا أكثر من أي معلم سياحي آخر في العالم يتطلب دخوله دفع رسوم، إذ يُقدّر عدد زواره كل سنة بنحو سبعة ملايين زائر.

يوجد قرابة 500 موظف مسؤولين عن تشغيل البرج وخدمته يوميًا، إذ يعملون في المطاعم ويديرون المصاعد ويضمنون الأمن ويرشدون الزوار الراغبين في الصعود إلى منصات البرج للتمتع بالمناظر البانورامية لمدينة النور.

اقرأ أيضًا:

عجائب الدنيا السبع

شارل ديغول: الرئيس الفرنسي الأشهر

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: أحمد الحميّد

المصدر