بعد أن تخلت أغلب دول العالم عن حكم الإعدام وتبعت ذلك بعض الدول العربية، صار لزامًا على البحث العلمي أن يجيب عن جدوى عقوبة الإعدام التي تتمسك بها الكثير من الدول العربية وتتربع السعودية والعراق وإيران فيها على المراكز الثلاثة الأولى بعد الصين.

فهل عقوبة الإعدام رادعة فعلًا؟ وماذا قال العلماء والباحثون بخلاصة أبحاثهم حول الموضوع؟

أُعدِموا وهم أبرياء

ومن أكبر دواعي رفض حكم الإعدام هي حالات الإعدام الخاطئة التي قد تسبب انهيارًا بالثقة في النظام القضائي وظلمًا شديدًا وعدم القدرة على التراجع عن الخطوة التي تم القيام بها.

وليس العدد بقليل ممن أخطأهم هذا الحكم ففي الولايات المتحدة ومنذ 1973 حتى 2015 لم يتم تنفيذ الحكم بـ 156 شخص بعد أن ثبتت براءتهم بعد حكمهم بالإعدام [*] من بين 1000 حكموا بالإعدام من 1976 حتى الآن ولا يمكن تحديد عدد الأبرياء الذين أعدموا لأن المحاكم تميل لعدم فتح دعاوى التبرئة عندما يكون الشخص الذي يتم الدفاع عنه ميتًا ولم يتضح الأمر سوى لـ 11 قضية في الولايات المتحدة[*].

دراسة شاملة

في قراءة شاملة ضمن دراسة شاملة بجامعة جنوب ويلز قورنت نتائج 74 دراسة حول تأثير حكم الإعدام كرادع؛ كان الثقل الأكبر في الأبحاث للقول بأن الإعدام ليس رادعًا وتضمنت الدراسة عرضًا لدراسة زيمرينغ وهاوكينك التي ذكرا فيها عبر تحليلهما لأنماط العقاب بأن حكم الاعدام يُنفذ غالبًا بسبب خلفيات إيديولوجية أو سياسية بدلًا أن يكون التفكير بالردع.

Contemporary Issues in Crime and Justice Number 84 October 2004 The deterrent effect of capital punishment: A review of the research evidence Janet Chan and Deborah Oxley, School of Social Science and Policy, University of New South Wales

8 حالات قتل تمنع مقابل كل إعدام أم منهجيات بحث خاطئة؟
إسحق ايرلك هو أحد القلة الذين كتبوا في أن تنفيذ أحكام الإعدام يرتبط بتقليل عدد الجرائم في المجتمع إثر بحثه الذي كتبه عن الموضوع والمنشور لدى المركز القومي للأبحاث الاقتصادية في أمريكا في عام 1973 والمركز هو جهة غير ربحية لنشر الأبحاث الاقتصادية.

ورغم الأخطاء المنهجية الكثيرة في بحثه، فهو يعد من البحوث الأشهر لكثرة الاستشهاد به من مؤيدي حكم الإعدام ونال ردودًا عديدة من جهات أكاديمية منها ما ورد في البحث المنشور في مجلة (Stanford Law Review) أدناه.

حاول إسحق ايرلك أن يقارن بين معدل الجريمة في الولايات التي تنفذ حكم الإعدام وتلك التي لا تنفذه، وفي الولايات التي لا تنفذ حكم الإعدام قبل وبعد ترك تنفيذ حكم الإعدام مستندًا إلى بيانات الجريمة في الولايات المتحدة لأربعة عقود.

كما استند إلى رؤية أخرى في مقارنة معدلات جرائم القتل بعد التنفيذ الفعلي لأحكام الإعدام أي بعد إجراء الإعدامات في مكان معين.

وبينما نقارن بيانات لولايتين متشابهتين ثقافيًا أو لفترات متقاربة في نفس المدينة ستكون تلك آلية فعالة لأخذ العوامل الاقتصادية والاجتماعية كثوابت، ويعني ذلك أيضًا أن البيانات الموجودة تكون شحيحةً جدًا.

لكن هنا يقوم ايرلك بتوظيف نسبة الإعدامات للجرائم للإقناع بدل مقارنة هذا النوع من البيانات كمقارنة المدن المتشابهة ثقافيًا او التقارب الزمني في المقارنة بالأوضاع لنفس المدينة.

كما أن ايرلك يعطي استنتاجًا يعتمد على متغيرات أخرى كالدخل، والبطالة، والتركيبة العمرية، ثم يستخدم طريقة إحصائية لاحتساب التراجع متعدد المتغيرات لعزل التأثير الرادع لعقوبة الإعدام ويدون ملاحظته على البيانات السنوية للجريمة في الولايات المتحدة.

وبينما لم يجد الاخرون ممن درسوا العلاقة بين الإعدام ومعدلات الجريمة في الولايات المتحدة مثل سيلين (Sellin) والآخرين أي علاقة فقد وجد ايرلك علاقة واضحة جدًا إذ وجد أن لكل صعود 1% في معدل الإعدامات تنخفض الجريمة بمعدل 0.06% وهو ما يوضح بإنقاذ حياة 8 أشخاص لكل إعدام.

تنقد نتائج ايرلك بطرق عديدة منها الفترات التي قارن بينها وأجرى حساب التراجع متعدد المتغيرات فيها وكذلك التحديد الرياضي لنموذج التراجع الذي أعده ايرلك كما افترض ايرلك أن مسببات الجريمة هي ذاتها في كل أنحاء الولايات المتحدة.

كما فشل ايرلك في التحكم بواسطة النموذج الذي أعده والذي يتكون من المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية، وتوقع العقاب، ونوع العقاب، فشل في تغطية الكثير من العوامل مثل العوامل غير الاجتماعية أو الاشخاص غير المتأثرين بالمجتمع او العوامل غير الاقتصادية مثلًا في الستينيات مع ازدياد التوتر العنصري وزيادة حيازة المسدسات في الولايات المتحدة، وبالتزامن مع انخفاض عدد أحكام الإعدام، الأمر الذي غاب كليًا عن ايرلك.

ومن الأخطاء أيضا الاعتماد على بيانات الشرطة الفدرالية (FBI) في حين أن كثيرًا من الجرائم لا تحال إلى الشرطة الفدرالية.
كما لم يحتسب ايرلك بدراسته القتل الخطأ كنوع من القتل الذي لا تطاله نفس العقوبة وقد لا تطاله العقوبة.

والأهم من كل هذا فبعد إعادة احتساب ما قام ايرلك باحتسابه ولكن هذه المرة من قبل بيتير باسيل (Peter Passell) اتضح أن النتائج غير موفقة وأن الإعدام لا يمكن اعتباره رادعًا وفقا لتلك الدراسة، [انتهى ما تم تلخيصه من الدراسة النقدية].

The Deterrent Effect of the Death Penalty: A Statistical Test- Peter Passell- Stanford Law Review – Vol. 28, No. 1 (Nov., 1975), pp. 61-80 – Published by: Stanford Law Review – DOI: 10.2307/1228227

تجارب الدول

وبعيدًا عن الدراسة، لو أردنا أن ننظر بنفس الطريقة إلى الدول بدلًا من الولايات الامريكية مثلًا لو أخذنا إيران كمثال على الدولة الثانية بعدد الإعدامات لسنة 2007 لما يزيد عن 317 شخص فما هو وضع الجريمة فيها؟

لو قسمنا العالم إلى خمسة فئات من حيث كثرة جرائم القتل لكانت إيران في الفئة الاكثر حيث أن ترتيبها يقع في الـ 21 على العالم من حيث كثرة جرائم القتل في عام 2009 كما أنها في الثلث الأول بمعدلات الجريمة عالميًا[*].

بنفس الطريقة لا يستشهد معارضو حكم الإعدام من الباحثين على بيانات قد تربك نواتج ايرليك كما في بيانات الجريمة في الرسم البياني أدناه لمقارنة الولايات التي تطبق حكم الاعدام بالأخضر الداكن ومعدلات الجريمة في في تلك التي لا تطبق حكم الإعدام بالأخضر الفاتح والذي يبدو أصغر دائمًا[*].

يقال أن نسبة الجرائم تضاعفت في بريطانيا بعد إلغاء حكم الاعدام من قبل المطالبين بإعادة حكم الاعدام، غير أن متابعة معدل الجرائم على نحو ثابت منذ التشريع يلاحظ أن معدل الصعود لم يتغير في بريطانيا بسبب التشريع، وهو متصاعد على نفس النحو حتى وصلت في يومنا هذا إلى معدل يبلغ ضعف ما كانت عليه، كما أنها كانت تتصاعد بنفس المعدل قبل التشريع، وكانت لتصل لنفس الحد (أقل او أكثر منه) بوجود عقوبة الإعدام.

كما أن المعدل في سنوات كثيرة كان ينخفض ويعود إلى حده السابق بينما يتصاعد في سنوات أخرى إلى حد كبير، أي أن الاختلاف بين نسبة الجريمة في السنوات ليس تصاعديًا بشكل دائم.

أما كولومبيا التي نفذت آخر حكم للإعدام في عام 1909 فهي مثالٌ جيد على تصاعد الجريمة وانخفاضها طيلة القرن ولأسباب ليس حكم الإعدام جزءًا منها.

فبحسب دراسة خورغين براوير في جامعة أوكاستا في الولايات المتحدة، كان انخفاض نسبة الجريمة مرتبطًا بزيادة تعداد وتسليح القوة العسكرية الحكومية مقارنة بالقوات الموازية الأخرى في البلاد من ميليشيات، والعصابات، والقوى المرتبطة بالمخدرات بالإضافة الى زيادة الإنفاق الاجتماعي كالصحة والتعليم.

روسيا أيضًا تظهر انخفاضًا متبوعًا بصعود منذ آخر حكم إعدام تم تنفيذه، كما أن الانخفاض مستمر في عدد الجرائم بعد تشريع إلغاء أحكام الإعدام.