هناك -كما تعلمون- عدة مشاكل هائلة في التعامل مع الوقود الأحفوري التقليدي (الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي) الذي اعتمدنا عليه لتزويد مجتمعاتنا بالطاقة اللازمة منذ الثورة الصناعية وإلى الآن. هذا ما سنتناوله في هذا المقال.

أولًا، مشكلة النفاد: يعتقد بعض المحللين بأننا وصلنا بالفعل إلى ذروة إنتاج النفط، وأن الإنتاج العالمي سينخفض إلى حدٍ ما من الآن فصاعدًا. بالرغم من وجود كمية معقولة متبقية من الفحم والغاز الطبيعي، فإنها مصادر محدودة للغاية، ويستطيع الخبراء من الآن توقع نهايتها والوصول إلى ذروة الفحم والغاز أيضًا.

ثانيًا، يبعث حرق الوقود الأحفوري الغازات الدفيئة، ويسبب التلوث بالجسيمات (مخلفات الاحتراق الصلبة والسائلة) التي تخنق المدن في جميع أنحاء العالم بالضباب الدخاني. أما الغازات الدفيئة فتساهم في أزمة المناخ، فتلك النواتج الثانوية للوقود الأحفوري الحابسة للحرارة تُعد أكبر مساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.

لذا فإن المحاولات مستمرة لاستبدالها، وتوفير مصدر طاقة آخر من المستقبل، ومن الواضح أنه ليس وقودًا أحفوريًا. لكن، ولسوء الحظ، لا يبدو أن هناك مصدر طاقة وحيد يستطيع ملء محل الهيدروكربونات تمامًا. لا توجد «طاقة حرة» ولا توجد «رصاصة سحرية».

ما مصادر الطاقة في المستقبل؟ - لما ذا يحاول العلماء البحث عن مصادر طاقة مستقبلية جديدة؟ الطاقات البديلة الجديدة النظيفة للمستقبل

بدلًا من ذلك، يجب أن تتولد طاقة المستقبل من مجموعة من مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة المائية، وأيضًا الطاقة النووية، ومن المحتمل أن لجميع تلك المصادر دور في توليد كهرباء الغد. (نقول الكهرباء، لأنه سيتم التخلص من محرك الاحتراق الداخلي ومحركات الغاز الأخرى جنبًا إلى جنب مع الوقود الأحفوري).

لنلقي نظرةً على الشكل الذي قد يبدو عليه مزيج الطاقة في المستقبل.

أولها هي الطاقة الشمسية، وهي الطاقة الأكثر تبشيرًا بالنجاح؛ إنه القطاع الذي يأمله الجميع بشدة، مُتَمنين استمرار تطور التكنولوجيا لتحسينه. لماذا؟ لأن الطاقة الشمسية هي أكثر الطاقات وفرةً على سطح الأرض، فما يسقط على سطح الأرض من الطاقة الشمسية في ساعة واحدة يكفي لتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لكل مستلزمات الحضارة الحديثة لمدة عام كامل.

لهذا السبب، يعمل الباحثون جاهدين لتحسين كفاءة الألواح الشمسية، وتحسين عائد الطاقة على الاستثمار، وجعل إنتاجها أرخص.

تُحسَّن التكنولوجيا بالفعل على نحو سريع. حسب قانون مور الذي ينص على أنه: «يتضاعف عدد الترانزستورات التي يمكن وضعها على نحوٍ غير مكلف على دارة كهربائية متكاملة كل عامين تقريبًا»، وقد ثبت أن ذلك ينطبق إلى حد ما على مسار تحسين الطاقة الشمسية.

على هذا النحو، تظهر استخدامات الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم، سواء في المصفوفات المركزية الكبيرة، أو في المشاريع الصغيرة مثل الألواح الشمسية الموزعة على الأسطح، وسخانات المياه المعتمدة على الطاقة الشمسية.

تروّج البلدان المُدركة لأهمية الطاقة الشمسية على استخدامها محليًا، فاستخدمت ألمانيا على سبيل المثال، برنامج تعريفة التغذية الكهربائية، والذي يكافئ مستخدمي الطاقة الشمسية على توصيل ألواحهم الفردية بالشبكة الكهربائية.

وفي أفريقيا، هناك مجموعة ضخمة من الألواح المولدة للطاقة الشمسية خُطط لبنائها في الصحراء الكبرى بحلول عام 2050، يمكن أن تلبي وحدها 15% من إجمالي الطلب على الطاقة في أوروبا.

ستكون طاقة الرياح بأهمية الطاقة الشمسية تقريبًا في السنوات القادمة. ربما يكون مصدر الطاقة المتجددة الأكثر رسوخًا (باستثناء الطاقة المائية)، وهو زهيد الثمن كحال الوقود الأحفوري في العديد من الأسواق حول العالم. ومع ذلك، فإنه حتى الآن لا يغطي سوى 2.5% من الطلب العالمي على الطاقة، لكن هذا يمكن تغييره.

تُنشر مزارع الرياح في جميع أنحاء العالم، كالمزارع المشهورة في تكساس والسهول الكبرى، وفي الولايات المتحدة الأميركية، حيث تحصل ولاية أيوا الآن على 20% من طاقتها الكهربائية من توربينات الرياح. وفي الوقت الحالي، أغلب مشاريع طاقة الرياح تُؤَسس بريًا (أي توضع توربينات الرياح على اليابسة).

لكن الكنز الحقيقي لطاقة الرياح تكمن في الشواطئ (عندما تُستخدم طاقة الرياح البحرية القادمة من مسطحات المياه وغالبًا المحيطات، لتوليد الطاقة)، حيث تكون الرياح أقوى، وهناك قيود أقل على التنمية والتطوير، على سبيل المثال، حسب المحللون طاقة الرياح البحرية الموجودة وتوصلوا إلى أنها كافية لتزويد أوروبا بسبعة أضعاف حاجتها من الطاقة.

تتولد الطاقة المائية عادةً من السدود، حيث تدير الأنهار التوربينات الهائلة الموجودة داخلها منذ زمن بعيد. تغطي الطاقة المائية حاليًا حوالي 8.25% من الطاقة العالمية، ومن المرجح استمرارها بذلك.

بالتأكيد هناك تقنيات متجددة ناشئة أخرى يمكن أن تؤدي دورًا مهمًا، من أهمها الطاقة الحرارية الأرضية، التي تسخر الحرارة الهائلة المتصاعدة من قشرة الأرض.

إمكانيات هذه التقنية هائلة، إذ يكشف البحث الممول من شركة جوجل أن الطاقة الحرارية الأرضية يمكن أن تولد 10 أضعاف كمية الطاقة التي تنتجها جميع محطات الفحم العاملة حاليًا. يتوقع البعض أن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية ستنتج يومًا من الأيام ما يصل إلى سدس طاقة العالم.

هناك أنواع أخرى من الطاقة المتجددة أيضًا، مثل طاقة الأمواج، وهي طاقة كهربائية تتولد من الأمواج. بالرغم من كونها تقنية جديدة، فإنها تقنية واعدة.

أخيرًا، فإن أيّ نقاش حول مصادر الطاقة المستقبلية يجب أن يصل إلى الطاقة النووية. إنها تغطي 13-14% من إجمالي احتياجات الطاقة على الأرض، ومن المرجح أن تبقى في الصورة رغمًا عن الكوارث، كحادثة إنهيار فوكوشيما في اليابان، ويمكن توجيهها لتأدية دور مهم في إنتاج طاقة خالية من الكربون بينما يحاول العالم الآن الحد من أزمة المناخ.

من المتوقع إنشاء محطات أكثر من الطاقة النووية اللازمة للمضي قدمًا، لكن ليس الكثير منها، فمن المحتمل أن تتفوق عليها مصادر أكثر أمانًا ومتجددة بالفعل كالرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، فهي مصادر قابلة للنمو والتطور المستمر.

إذن، هذه هي مصادر الطاقة المستقبلية: لا تحتوي ولا حتى على نوع واحد من الوقود الأحفوري، هي مزيج من التقنيات النظيفة الصديقة للبيئة المتنافسة، التي لا تشكل حاليًا النصف من مزيج الطاقة المُستخدم في العالم. بعبارةٍ أخرى، لدينا العديد من الخيارات الجيدة، ولا يُعد الوقود الأحفوري واحدًا منها.

السؤال الأهم هو متى ستصل مصادر الطاقة المستقبلية هذه إلى الهيمنة؟ أي تُغطي بمفردها جميع احتياجات الكوكب من الطاقة.

إذا كُنا نأمل تجنب المستويات الخطيرة من الاحتباس الحراري، فمن الأفضل أن يكون ذلك قريبًا. وبهذا المعنى، فإنّ مستقبل الطاقة يعتمد تمامًا على الإرادة الجماعية لنا نحن البشر. هل سنقرر الابتعاد عن أنواع الوقود الملوثة واتخاذ تقنيات منخفضة الكربون؟ أم سنستمر بالتصرف كما لو أن مصدر الطاقة في المستقبل هو الهيدروكربونات، كما فعلنا في تاريخنا الصناعي بأكمله؟

سيخبرنا الزمن عن ذلك؛ المستقبل بالتأكيد، شيءٌ يصعب التنبؤ به.

اقرأ أيضًا:

الطاقة المتجددة أفضل من الطاقة النووية في خفض انبعاثات الكربون

شركة تسلا تعلن للتَّوّ عن نظام بطارية جديد وعملاق لتخزين الطاقة المتجددة

ترجمة: رفيف داود

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر