تعد واجهات الدماغ والحاسوب (BCIs) أجهزة مساعدة ناشئة قد تساعد يومًا ما الأشخاص الذين يعانون إصابةً بالدماغ أو العمود الفقري على الحركة أو التواصل، تعتمد أنظمة BCI على أجهزة استشعار قابلة للزرع، تسجل الإشارات الكهربائية في الدماغ وتستخدمها لتشغيل الأجهزة الخارجية مثل أجهزة الكمبيوتر أو الأطراف الاصطناعية الآلية.

تستخدم معظم أنظمة BCI الحالية مستشعرًا واحدًا أو مستشعرين لأخذ عينات تصل إلى بضع مئات من الخلايا العصبية، لكن يصب علماء الأعصاب جل اهتمامهم على الأنظمة القادرة على جمع البيانات من مجموع خلايا دماغية أكبر بكثير.

الآن، اتخذ فريق من الباحثين خطوةً رئيسة نحو مفهوم جديد لنظام BCI المستقبلي؛ نظام يستخدم شبكة منسقة من مستشعرات عصبية لا سلكية ذات النطاق الصغير، كل منها بحجم حبة ملح، لتسجيل وتحفيز نشاط الدماغ؛ تسجِّل المستشعرات التي يطلق عليها اسم «الحبيبات العصبية» النبضات الكهربائية التي تُجرى من طريق إطلاق الخلايا العصبية وإرسال الإشارات لا سلكيًا إلى الوحدة المركزية التي تنسق الإشارات وتعالجها.

في 12 أغسطس نُشرت دراسة في مجلة نيتشر إلكترونكس، أوضح فريق البحث استخدام نحو50 حبيبة عصبية ذاتية العمل لتسجيل النشاط العصبي في القوارض.

يقول الباحثون إن تلك النتائج تعد خطوةً نحو نظام قد يمكّن يومًا ما من تسجيل إشارات الدماغ بتفاصيل غير مسبوقة، ما يفضي إلى رؤى جديدة حول كيفية عمل الدماغ وعلاجات جديدة للأشخاص الذين يعانون إصابةً بالدماغ أو العمود الفقري.

قال أرتو نورميكو، الأستاذ في كلية براون للهندسة ومؤلف الدراسة الرئيس: «تكمن أحد أكثر التحديات المستعصية في مجال واجهات الدماغ والحاسوب هي طرق الهندسة المعنية بأكبر عدد ممكن من المناطق في الدماغ. حتى الآن، كانت معظم أجهزة BCI أحادية متجانسة، تشبه إلى حد ما أسرّة صغيرة من الإبر، فطرح فريقنا فكرة تفكيك هذه الكتلة الأحادية إلى مستشعرات صغيرة يمكن توزيعها عبر القشرة المخية، وهذا ما تمكنّا من إثباته هنا».

بدأ الفريق الذي يضم خبراء من براون وجامعة بايلور وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو وكوالكوم بالعمل على تطوير النظام منذ نحو أربع سنوات. قال نورميكو، المنتسب إلى معهد كارني لعلوم الدماغ، إن للتحدي شقين، إذ تطلب الشق الأول تقليص الإلكترونيات المعقدة المساهمة في الكشف عن الإشارات العصبية وتضخيمها ونقلها إلى شرائح السيليكون العصبية الصغيرة؛ فصمم وحاكى الفريق في البداية الإلكترونيات على الحاسوب وخضع لعمليات تكرار تصنيع عديدة لتطوير رقائق تشغيلية.

أما الشق الثاني فيتمثل في تطوير جهاز مركزي لاتصالات الجسم الخارجي الذي يستقبل الإشارات من تلك الرقائق الصغيرة، ويتكون الجهاز من قطعة رقيقة بحجم بصمة الإبهام، تُلصق بفروة الرأس خارج الجمجمة؛ ويعمل الجهاز مثل برج هاتف خلوي مصغر، إذ يستخدم بروتوكول شبكة لتنسيق الإشارات من الخلايا العصبية، ولكل منها عنوان شبكة، وينقل الجهاز أيضًا الطاقة لاسلكيًا إلى الحبيبات العصبية وهي المصممة للعمل باستخدام أقل قدر من الكهرباء.

قال جيهون لي، باحث ما بعد الدكتوراه في براون والمؤلف الرئيسي للدراسة: «كان هذا العمل تحديًا حقيقيًا بتخصصات متعددة؛ إذ كان علينا أن نجمع أصحاب الخبرات في الكهرومغناطيسية واتصالات التردد غير السلكي وتصميم الدوائر والتصنيع وعلم الأعصاب لتصميم نظام الحبيبات العصبية وتشغيله».

كان الهدف من هذه الدراسة الجديدة هو إثبات أن النظام يمكنه تسجيل الإشارات العصبية من دماغ حي، دماغ قارض في هذه الحالة، إذ وضع الفريق 48 خليةً عصبية على القشرة المخية للحيوان، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، ونجح النظام في تسجيل الإشارات العصبية المميزة المرتبطة بنشاط الدماغ التلقائي.

اختبر الفريق أيضًا قدرة الأجهزة على تحفيز الدماغ فضلًا عن التسجيل منه، إذ يُحفَز الدماغ عبر نبضات كهربائية صغيرة يمكنها تنشيط النشاط العصبي، يأمل الباحثون بأن يكون التحفيز من ذات المحور الذي ينسق التسجيل العصبي وقد يعيد يومًا ما وظيفة الدماغ المفقودة بسبب المرض أو الإصابة.

قيد الفريق حجم دماغ الحيوان إلى 48 حبيبةً عصبية مستخدمة في هذه الدراسة، لكن البيانات تشير إلى أن التكوين الحالي للنظام قد يدعم ما يصل إلى 770 حبيبة عصبية، ففي النهاية، يريد الفريق توسيع نطاقه إلى عدة آلاف من العصبونات، ما يوفر صورةً لنشاط الدماغ لم تخطر على البال مسبقًا.

قال فينسينت ليونج، مساعد أستاذ في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في بايلور: «لقد كان المسعى عسيرًا، إذ يتطلب النظام نقلًا لا سلكيًا متزامنًا للطاقة والشبكات بمعدل ميجابت في الثانية، ويجب تحقيق ذلك في ظل قيود شديدة تفرضها مساحة السيليكون الرقيقة والطاقة، لكن تجاوز فريقنا الحدود المتصورة من أجل زراعة أنسجة عصبية موزعة».

يتعين إتمام الكثير من العمل لجعل هذا النظام الكامل حقيقةً واقعة، لكن يقول الباحثون إن هذه الدراسة تمثل خطوةً رئيسة في هذا الاتجاه.

قال نورميكو: «نأمل أن نتمكن في نهاية المطاف من تطوير نظام يوفر رؤى علمية جديدة للدماغ وعلاجات جديدة قد تساعد الأشخاص المتضررين من الإصابات المدمرة».

اقرأ أيضًا:

كل ما يجب أن تعرفه عن شريحة الذكاء الاصطناعي المقدّمة من نورولينك

لأول مرة: شريحة الكترونية تتغذى بالطاقة كخلية حية !

ترجمة: مي مالك

تدقيق: لبنى حمزة

المصدر