في أول أسبوع من سبتمبر 2021 حددت منظمة الصحة العالمية نوعًا متحورًا جديدًا من فيروس كوفيد-19 مثيرًا للاهتمام واسمه المتحور ميو (Mu)، إذ كُشِف عنه أول مرة في كولومبيا في يناير 2021، وقد وُجد أيضًا في 39 بلدًا تقريبًا حتى الآن.

يمتلك هذا المتحور تغيرات -أي طفرات- ما يعني أنه قد يستطيع اختراق بعض الحماية التي تمنحها لقاحات كوفيد-19. ولكن يوجد عامل مطمئن، فمع إنه ظهر منذ يناير 2021، لم يجعله هذا متفوقًا على المتحور دلتا، المسيطر والمهيمن على معظم دول العالم بانتشاره.

لو كان المتحور ميو سيئًا بالفعل، لكان من المتوقع بدء ملاحظة علامات لذلك، وهذا لم يحصل حتى اليوم.

المتحور ميو

المتحور ميو

ما المتحور المثير للاهتمام؟

في ضوء استجابتنا لفيروس كوفيد-19 ظهر عنصر مثير للإعجاب، وهو العمل المتكرر على التسلسل الجيني، وهو أمر لم نعتد القيام به مسبقًا إلى هذا الحد، وتراقب هذه العملية المسارات التطورية للفيروس بالزمن الحقيقي خلال تكيفه وظهور طفراته.

قد تكون بعض التحورات ضارة بالفيروس لكن بعضها سيكون مفيدًا له، ما يسمح له بالانتشار بصورة أفضل، متخطيًا الحماية التي نحصل عليها من اللقاحات، أو قد يتخطى اختبارات الكشف عنه حتى.

وعمومًا، إذا طرأت تغيرات على الفيروس بالمعنى الذي يجعله يسبب ضررًا أكبر، نعده عندها تحورًا مثيرًا للاهتمام.

يمتلك تحور ميو طفرات تمنحه بعض هذه الخصائص، ولكن الأدلة ما تزال قيد الظهور. والمتحورات المثيرة للاهتمام الأربعة الأخرى هي (إيتا ولوتا وكابا ولامدا).
وإذا ظهرت أدلة مقنعة بإن هذا المتحور أكثر جدية، ويكاد يتجاوز المتحورات الأخرى مثل دلتا، قد يتطور تصنيفه عندها ليصبح متحورًا مثيرًا للقلق. والمتحورات المثيرة للقلق الأربعة الأخرى هي (ألفا وبيتا وغاما ودلتا).

هل يستطيع المتحور ميو الجديد تفادي اللقاحات؟

تحتوي معظم لقاحات كوفيد-19 على البروتين الشوكي الذي يستعمله الفيروس ليدخل به إلى خلايا أجسامنا، واللقاحات عمومًا تعرّض جسمنا إلى هذا الجزء من الفيروس ليتعلم جهازنا المناعي كيفية محاربة الفيروس عند الإصابة به لاحقًا. وبالنتيجة، إذا كان للمتحور تغيرات ملحوظة في تركيبة البروتين الشوكي، فهذا من شأنه أن يقلل من فعالية اللقاحات.

صرحت منظمة الصحة العالمية بحسب الأدلة الأولية إن متحور ميو قد يتجنب جزئيًا الأجسام المضادة التي نحصل عليها من اللقاحات. ولكن، لأن هذه البيانات معتمدة على الدراسات المخبرية، فلسنا متأكدين حقًا من سلوك المتحور على أرض الواقع.

نحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث لتحديد سلوكه على الجنس البشري، والعمل على ذلك يجري حاليًا بالفعل.
ومن الأخبار الجيدة إن لقاحاتنا تحمينا جيدًا من الأعراض الإنتانية والضرر المرضي الشديد الذي تحدثه كل المتحورات عن الفيروس إلى حد الآن.

قد لا تحمينا اللقاحات إلى الأبد

توجد احتمالية عالية أنه يومًا ما قد يظهر متحور جديد يستطيع تفادي الحماية التي تقدمها اللقاحات إلى حد كبير، لأننا اعتمدنا في تصنيعها على السلالة الأصلية للفيروس، وفي هذه الحالة سيسمى بالمتحور الهارب.

تصعب معرفة إن كان هذا سيحصل ومتى سيحصل، ولكن الانتشار الجائح بين الناس قد يزيد فرصة ظهور متحور جديد.

لكن مصنعي لقاحات كوفيد-19 الرائدين جاهزون إذا حدثت هذه الحالة، وقد بدأ البعض بتطوير لقاحات لمتحورات جديدة، مثل دلتا.

وإذا اكتُشف متحور هارب، قد تستطيع بعض معامل اللقاحات تطوير لقاحاتها الموجودة لتغطي المتحور الجديد أيضًا، وهذا ممكن ضمن فترة (6-8) أسابيع، وستقدم الجهات الصحية الرسمية حول العالم التسهيلات اللازمة لقبولها، ومن الضروري إجراء بعض الدراسات المهمة، ولكن بالوسع إنجازها بأسرع وقت، ما دام اللقاح الجديد له نفس الأساس المعتمد في اللقاحات السابقة.

من الممكن أن نرى متحورًا جديدًا يتفوق على المتحور دلتا في قابليته للعدوى، إذ يعتقد العلماء بأنه أقوى من المتحور ألفا بنسبة 50%، الذي كان أيضًا أقوى بنسبة 50% من السلالة الأصلية.

تتنبأ نظرية التطور أنه بمرور الوقت سيصبح الفيروس أكثر قدرة على الانتشار ولكن أقل فتكًا -أي يحدث ضررًا أقل- لأن غايته ستكون تحقيق أوسع انتشار وليس قتل المضيف، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا الفيروس (سارس كوف-2) سيسلك نفس السلوك، وفي الحقيقة نحن ما نزال في الأيام المبكرة من هذا الفيروس.

إن الطريقة الأفضل لمواجهة المتحورات هي تلقيح أكبر عدد ممكن من الناس، ما يقلل بدوره من المضيفين المعرضين للفيروس وبالنتيجة يقلل تكاثره وظهور طفراته.

يوجد خطر آخر، بإنه عند تلقيح غالبية الناس سيتشكل ضغط انتقائي على الفيروس ليطور متحورات جديدة تتفادى اللقاحات، ولكن فوائد التلقيح تفوق هذا الخطر.

وفي الختام، لم يحن الوقت بعد لنكون قلقين من المتحور ميو، وإذا أصبح متحورًا مثيرًا للقلق سنكون حينها قلقين أكثر، ولكن ما زالت لدينا أدوات مذهلة لمحاربة الفيروس، ومن ضمنها الكثير من اللقاحات الناجحة، التي بوسعنا تكييفها تبعًا للمتحورات الجديدة. ومن المرجح أن نحصل على جرعات معززة لحمايتنا من المتحورات في المستقبل.

اقرأ أيضًا:

هذه ليست أول جائحة تتفشى بسبب فيروس كورونا

المتحور دلتا من فيروس كورونا.. كل ما عليك أن تعرفه عنه

ترجمة: طارق محمد

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر