استطاع علماء الفيزياء إنتاج مادة فائقة الصلابة ثنائية الأبعاد في المختبر لأول مرة، ويا له من إنجاز عظيم، قد يستعصي فهم الأمر حقًا لكنه إنجاز طالما سعى الباحثون إلى تحقيقه منذ 50 عامًا وأكثر، وتمتلك المواد فائقة الصلابة خصائص غريبة، فذراتها مرتبة في بنية صلبة لكنها في الوقت ذاته تستطيع التدفق بدون أي احتكاك مثل السوائل الفائقة تمامًا.

وقد نجح الفيزيائيون سابقًا في تكوين مواد فائقة الصلابة، ولكن في بعد واحد فقط بتبريد ذرات مغناطيسية بشدة. أما الآن فقد تمكن فريق من باحثين نمساويين أول مرة من تخليق هيكل شبيه بالبلورات ثنائية الأبعاد، وستسمح هذه النتائج المبهرة للفيزيائيين بتجربةِ ظاهرةٍ من أغرب الظواهر في علم المواد واختبارها.

كتب برونو لابورت تولرا الفيزيائي في مختبر فيزياء الليزر بباريس في مقالة لمجلة نيوز آند فيوز التي نُشرت إلى جانب الورقة البحثية التي نُشرت في نيتشر: «كي تتصور مادة فائقة الصلابة تخيل مكعبًا من الثلج مغمورًا في الماء السائل مع تدفق الماء من خلاله بدون احتكاك».

تعني تلك الازدواجية الغريبة أن المواد فائقة الصلابة تعد حالة ميكانيكية كمية للمادة، لأنها كما في الظواهر الكمومية الأخرى -كالتشابك الكمي وقطة شرودنجر- الجسيمات الموجودة في الحالة فائقة الصلابة تنحبس في بنية صلبة لكنها في الوقت ذاته غير محددة الموقع، ما يسمح لها بالتصرف كموجة والتدفق بحرية وبدون احتكاك داخل المادة الصلبة.

تنبأ الفيزيائيون بالصلابة الفائقة أول مرة عام 1969 وأجروا تجاربهم ودراساتهم لفترة طويلة على الهيليوم فائق الميوعة، إذ عدّوه أفضل مرشح لاكتشاف دليل على وجود بنية صلبة شبيهة بالبلورات وتتدفق بلا احتكاك كالسوائل الفائقة، ولكن مع ذلك، ما زالت الصلابة الفائقة صعبة المنال في الهيليوم.

ركز الباحثون جهودهم مؤخرًا في الغازات الكمومية شديدة البرودة، أي في سحب من الذرات المغناطيسية التي تبرد لتقترب من الصفر المطلق، ولأن هذه الذرات ممغنطة يعني إنها تتفاعل بطرق فريدة قد تؤدي إلى هذه الحالة الميكانيكية الكمية من الصلابة الفائقة.

قال ماثيو نورسيا الفيزيائي في جامعة إنسبروك بالنمسا المشارك في الإنجاز الجديد: «عادةً ما نفكر بأن كل ذرة تتموضع في قطيرة معينة دون غيرها، أما في حالة الصلابة الفائقة فيتحدد موقع كل جسيم عبر جميع القطيرات في وقت واحد، ويكون لدينا نظام من سلسلة المناطق (القطيرات) عالية الكثافة التي تشترك جميعها بنفس الذرات غير المخصصة لثقب بعينه».

نجح الفريق النمساوي بقيادة عالمة فيزياء الكم فرانشيسكا فيرلاينو -من جامعة إنسبروك والأكاديمية النمساوية للعلوم- في 2019 بإنشاء سلسلة من القطيرات في بعد واحد للبرهنة على الصلابة الفائقة، لكنه سيحتاج إلى تعديل نموذجه المغناطيسي من أجل إنشاء قطيرات ثنائية الأبعاد في صفين أو أكثر. ويفتح هذا الإنجاز الباب على مصراعيه للظواهر الغريبة التي يمكن دراستها بهذه السحب الغريبة من الغاز.

يقول نورسيا: «يستطيع الباحثون استخدام نظام فائق الصلابة ثنائي الأبعاد في دراسة كيفية تشكل الدوامات في الفراغ الفاصل بين القطيرات المتجاورة، هذه الدوامات موصوفة نظريًا فقط دون تحقيقها، لكنها تمثل نتيجة ملازمة هامة لظاهرة الميوعة الفائقة».

لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن سحب الغاز الكمومية فائقة الصلابة، فالباحثون غير متأكدين مثلًا من قدرتهم على صنع مادة فائقة الصلابة بكمية أكبر، لأن حالة المادة مرتبطة جذريًا وحساسة جدًا للمصيدة المغناطيسية التي أنشؤوها. ولكن الآن، يُعد تمكُّن علماء الفريق من تخليق أول مادة فائقة الصلابة ثنائية الأبعاد إنجازًا هائلًا وغير مسبوق، ومن المؤكد إنه سيؤدي إلى زيادة فهمنا لهذه الحالة الغريبة الفريدة من المادة، وللقوى الكمية غير المرئية التي تحكم واقعنا من وراء ستار لم نُزِح منه إلا قليلًا.

اقرأ أيضًا:

علماء فيزياء يقولون إنهم ابتكروا شكلا مستحيلا و جديدا من المادة الصلبة الفائقة

الميوعة الفائقة – سائل بخواص تعارض الجاذبية

ترجمة: أحمد محروس عثمان

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر