من المؤكد أن الجميع شعر بالسعادة والراحة بعد حصول اللقاحات المضادة لفيروس كورونا على القبول واحدًا تلو الآخر، ولعل البعض قد اعتقد أن معدل الإصابات والوفيات سينخفض مباشرةً، وتعود الحياة إلى سابق عهدها قبل الجائحة، لكن الواقع يظهر عكس ذلك، فما تزال أعداد المصابين وحالات القبول في المشفى والوفيات في ازدياد. صرّح السير باتريك فالانس كبير مستشاري المملكة المتحدة العلميين أن 40% من المقبولين في المستشفى نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في المملكة المتحدة قد حصلوا على اللقاح، ووفقًا لأحدث إحصائيات هيئة الصحة العامة الإنجليزية، فإن 15% من المقبولين في المستشفى قد حصلوا على جرعتي اللقاح. قد يبدو هذا خطيرًا جدًا للوهلة الأولى، لكن اطمئن، لا يزال لقاح فيروس كورونا فعالًا، ويعتمد تفسير هذا الأمر على عوامل عدة:

● فعالية اللقاح

من المؤكد أن اللقاحات المتوفرة فعالة جدًا، لكنها ليست فعالة بنسبة 100%، وهذا ليس غريبًا، فلقاح الأنفلونزا ليس فعالًا بالكامل أيضًا، ومع ذلك فإن هذا اللقاح يمنع ملايين الإصابات وعشرات آلاف حالات الاستشفاء وآلاف الوفيات سنويًا في الولايات المتحدة وحدها. يؤثر لقاح كورونا تأثيرًا مشابهًا في المملكة المتحدة حاليًا، بمقارنة منحنيات موجة الشتاء الماضي بنظيرتها في الصيف الحالي. فعند النظر في الإحصائيات نجد ارتفاعًا في عدد الإصابات، الذي يترافق بالطبع مع ارتفاع في عدد حالات القبول في المستشفى والوفيات، لكن هذه المعدلات تبقى منخفضة بكثير مقارنةً بما كانت عليه الشتاء الماضي. فمثلًا في النصف الثاني من ديسمبر 2020، كانت معدلات الإصابة في المملكة المتحدة مشابهةً لما هي عليه وقت كتابة هذه السطور (أغسطس 2021)، وكانت معدلات القبول في المستشفى تبلغ 3800 حالة يوميًا، في حين تبلغ حاليًا 700 حالة فقط. لا تزال هذه المعدلات أعلى مما نرجو، لكنها أيضًا أقل مما كانت عليه في موجات إصابات سابقة.

● تزايد أعداد المُلقَحين

تتزايد أعداد المُلقَحين المصابين بفيروس كورونا في المملكة المتحدة، وهذا منطقي نتيجة تزايد أعداد المُلقَحين، إذ بلغت نسبة الحاصلين على الجرعة الأولى 88% والحاصلين على كلا الجرعتين 69% في وقت كتابة هذا المقال، ومع تزايد أعداد المُلقَحين ستزداد أعداد المصابين بفيروس كورونا الذين حصلوا على كلا الجرعتين.

للتوضيح، لنفترض أن 100% من سكان المملكة المتحدة قد حصلوا على جرعتين من اللقاح، هذا يعني أن 100% من المصابين بفيروس كورونا والمقبولين في المستشفى نتيجة الإصابة هم من الحاصلين على جرعتي اللقاح، هذا لا يعني أن اللقاح عديم الفعالية، بل يعني أن تنفيذ خطة التلقيح يسير على ما يرام.

● الفئات ذات الأولوية في الحصول على اللقاح

تعتمد خطة التلقيح في المملكة المتحدة على تلقيح الفئات الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بفيروس كورونا، إذ كان المسنون والمصابون بأمراض تجعلهم أكثر عرضةً للإصابة أول الحاصلين على اللقاح، ومع أن حصولهم على اللقاح قد قلل من احتمال إصابتهم مقارنةً بأقرانهم غير المُلقَحين، فإنهم ما زالوا عرضةً للخطر بنسبة ما.

هذا يعني أن مقارنة المقبولين في المستشفى نتيجة الإصابة بفيروس كورونا بعد حصولهم على جرعتين من اللقاح بأقرانهم غير المُلقَحين هي مقارنة خاطئة، فمن المحتمل أن المصابين الحاصلين على اللقاح كانوا أكثر عرضةً للإصابة بفيروس كورونا أساسًا، ما يزيد من احتمال إصابتهم ودخولهم المستشفى.

هل يختلف شكل الإصابة بفيروس كورونا عند الحاصلين على اللقاح؟

أشارت أحدث المعلومات الواردة من هيئة الصحة العامة الإنجليزية أن الحصول على جرعتين من أي لقاح متوفر في بريطانيا يؤمن وقاية من الإصابة العرضية بمتحور دلتا المنتشر بكثرة في بريطانيا حاليًا بنسبة 79%، ومن الحاجة إلى الاستشفاء بنسبة 96%، ولا تزال المعلومات حول درجة وقاية اللقاحات من الوفاة عند الإصابة بهذا المتحور غير واضحة، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن معدل الوفيات منخفض نسبيًا خلال الموجة الثالثة في المملكة المتحدة. أما المتحور ألفا فقد بلغت نسبة الوقاية من الوفاة للقاح فايزر 95-99% وللقاح أسترازينيكا 75-99%، وفقًا لهيئة الصحة العامة الإنجليزية، ولا نعتقد وفقًا للأدلة المتوفرة أن فعالية اللقاحات ضد المتحور دلتا مختلفة جدًا عن ذلك.

ما زلنا بحاجة إلى معرفة الكثير حول استجابة الحاصلين على جرعتي اللقاح للإصابة بفيروس كورونا، ولعل تحديد الفئات المعرضة لخطر الإصابة بعد الحصول على اللقاح أحد أهم التساؤلات المطروحة، إذ أشارت دراسة أولية- لم تُراجع من قبل العديد من الباحثين بعد- أجرتها مجموعة (Emerging) أن المصابين بالسمنة والفقراء والمصابين بأمراض تسبب الضعف هم أكثر عرضةً للإصابة بعد حصولهم على جرعتي اللقاح، وأشارت أيضًا إلى عوامل أخرى مثل السن أو الأمراض المزمنة مثل الربو والسكري وأمراض القلب لا تؤثر في احتمالية الإصابة بعد الحصول على اللقاح، لكن التحقق من هذه النتائج يتطلب دراسات وأبحاث أكثر.

عمومًا، وجد مركز أبحاث أعراض فيروس كورونا في بريطانيا أن المصابين بالفيروس بعد الحصول على اللقاح يشكون أعراضًا مشابهة للمصابين غير الحاصلين على اللقاح، لكن بشدة أقل وفترةً أقصر، ما يشير إلى خطورة أقل، ويُعَد الصداع والسيلان الأنفي والعطاس وألم الحلق وفقدان حاسة الشم أشيع الأعراض عند المصابين الحاصلين على جرعتي اللقاح.

اقرأ أيضًا:

هل يستطيع الذين تلقوا لقاح كورونا العودة لحياتهم الطبيعية؟

هل لقاح كورونا آمن للحوامل؟

ترجمة: محمد أديب قناديل

تدقيق: طارق طويل

المصدر