كيف انقسمت الخلايا البدائية دون وجود المادة الوراثية؟

نظرية جديدة

في دراسة حديثة، اقترح باحثون من المتحف العلمي في باريس نموذجًا نظريًا جديدًا يفسر كيفية انقسام الخلايا الأولى قبل تشكل المادة الوراثية، تقترح الدراسة المنشورة في مجلة (Biophysical) أن الحرارة أدت الدور الأقوى في انقسام الخلايا الأولى على سطح كوكبنا.

الانقسام الخلوي المنظم مهم

يمكنك تشبيه الخلايا التي يتكون منها جسمك بمصانع صغيرة، إذ ينشط داخل هذه الخلايا ليلًا ونهارًا مجموعة كبيرة من التفاعلات الكيميائية والحيوية المطلوبة لأداء مهامك.

هذه العمليات متناسقة حيويًا كأفضل ما يكون، حتى أنك لست مضطرًا للتفكير بها، إنها تعمل بصمت للمحافظة على وجودك.

تعَد أسس عمل الخلايا -آلية نموها وانقسامها- مهمة لتتمكن من النجاة والعمل عملًا صحيح، إذ يؤدي التسارع في عملية انقسام الخلايا مثلًا إلى مرض السرطان، لذلك يجب على العلماء فهم الشبكة المعقدة للعمليات المتزامنة المسببة لانقسام الخلايا وكيفية تطورها.

مع استمرار البحوث في هذا المجال، عرضت مجموعة بحثية نموذجًا جديدًا يقترح آلية انقسام الخلايا الأولية (أسلاف الخلايا الحديثة).

LUCA و FUCA (السلفان المشتركان وحيدا الخلية، الأول والأخير)

عند تعقبنا لأصل الكائنات الحية التي تعيش على سطح كوكبنا اليوم، نلاحظ التقائها في سلف مشترك واحد، سواءً البشر والحيوانات والنباتات والفطريات والطحالب.

قال روميان أتال مدير مشروع المتحف العلمي: «إن سلفنا المشترك وحيد الخلية الأخير (LUCA) كان خلية تحمل فعليًا الحمض النووي، وربما مجموعة من الأنزيمات والبروتينات الأخرى أيضًا». كانت LUCA نتيجةً للتطور الكيميائي عبر ملايين السنين.

ما العمليات المسؤولة عن عملية التكاثر قبل (LUCA)؟

للحصول على إجابة، علينا العودة في الزمن إلى ما هو أقدم من (LUCA)، أي إلى بداية الحياة على كوكب الأرض (نحو 3.8 إلى 4 مليار سنة). يقول أتال: «في العصر المبكر كانت ظروف كوكب الأرض الفيزيائية معادية لجميع أشكال الحياة المعروفة، إذ إن أقدم الأحافير المعروفة اليوم -ستروماتوليتس- تعود إلى 3.8 مليار سنة قبل وقتنا الحاضر، ما يعني فرق زمني نحو 200 مليون سنة بين المادة غير الحية والخلايا البدائية المعروفة».

تتشابه الخلايا الأولية ذات السلف المشترك الأخير مع السلف المشترك وحيد الخلية الأول (FUCA)، إذ إن (FUCA)هي الجد الثالث للخلايا البدائية (LUCA).
تتكون الخلايا البدائية من حويصلة ذات غشاء ثنائي الطبقة، ونظام تمثيل غذائي بدائي داخله. افترض الباحثون أن الخلايا البدائية اعتمدت على طريقة بسيطة جدًا للتكاثر، لعدم امتلاكها عضيات أو مادة وراثية.

ما الطريقة التي تكاثرت بها الخلايا البدائية دون مادة وراثية أو عضيات؟

قال أتال: «لا بد أن الخلية الأولية كانت قادرة على التكاثر قبل تشكل الجزيئات المعقدة مثل الحمض النووي الريبوزي والإنزيمات والهيكل الخلوي، لذلك فإن القدرة على انقسام الخلية البدائية الأم إلى خليتين بدائيتين كانت عملية فيزيائية بحتة».

السخونة ثم البرودة

اقترح الباحثون أن العملية الفيزيائية التي ساهمت في انقسام الخلايا هي اختلاف درجات الحرارة: «الحياة شبكة معقدة من العمليات الفيزيائية والكيميائية المتكاملة، يمكننا دراسة مثل هذه العمليات بواسطة الديناميكا الحرارية غير المتكافئة، توصف هذه العمليات بالتيارات (تيار الجزيئات أو الحرارة أو الكهرباء وغيرها) وبالقوى (قوة اختلاف التركيز أو درجات الحرارة أو الجهد الكهربائي)».

يُفترض أن تكون العلاقة بين هذه التيارات خطية، من ثم يمكننا كتابتها وفقًا للمعادلة التالية:

التيارات = الموصلية × القوة

قال الباحث أتال: «هذا هو قانون أوم العام المعروف، وخلاصته أن التيار الكهربائي = الموصلية x الجهد الكهربائي. في هذه المعادلة تختلف درجات الحرارة بين جميع القوى، بين داخل حويصلة الخلية البدائية وخارجها، إذ تحرض الفجوة الحرارية انتقال التيارات الحارة من داخل الخلية البدائية إلى خارجها».

«نفترض أن اختلاف درجات الحرارة هو القوة الرئيسية التي ساهمت في انقسام حويصلات الخلايا البدائية، يتكون غشاء حويصلة الخلية البدائية ثنائي الطبقة من جزيئات تناضحية. إذا كانت البيئة الداخلية في غشاء الحويصلة أكثر حرارةً من بيئته الخارجية، فستتحرك الجزيئات الأكثر حرارة من الداخل إلى الخارج بسهولة أكبر مقارنةً بالعكس. الطبيعة غير المتناظرة لهذا التيار تجبر الطبقة الخارجية على النمو أسرع من الطبقة الداخلية للخلية، ما يؤدي في النهاية إلى انحناء سطح الحويصلة ثم انفصالها».

إعادة التفكير في صحة المبدأ الأساسي لعلوم الأحياء

هذا النموذج نظري كليًا، ولسوء الحظ لم تترك الخلايا البدائية أي آثار خلفها. لذا يفكر الباحثون في إمكانية إعادتها للوجود في بيئة المختبر: «يمكننا تغليف بعض الجزيئات المشعة داخل حويصلات صغيرة ثم تسليط الضوء عليها. إذا أشعت هذه الجزيئات في المجال الموجي تحت الأحمر فستزداد الحرارة داخل الحويصلات تدريجيًا، ما يخلق تباينًا حراريًا بين الداخل والخارج». يكمن التحدي في اختيار النوع الصحيح من الجزيئات المشعة والجزيئات الغشائية التي ستخضع للتجربة.

هذا العمل يستدعي من المجموعات البحثية الأخرى إعادة التفكير في صحة المبدأ الأساسي لعلوم الأحياء الخلوية، الذي يقول إن الخلايا غير قادرة على العمل بوصفها آلات حرارية، لحاجتها إلى درجات حرارة موحدة كي تستمر. يقول أتال: «نقترح فرضية مختلفة، هي أن التباين الحراري مهم في علوم الأحياء الخلوية، كون العمليات الحيوية تتأثر وتتوجه عمومًا بواسطة عمليات فيزيائية بسيطة، وأن الحياة ذاتها مبنية حتمًا على قوانين الفيزياء».

«تجريبيًا، نتمنى أن يعزز نموذجنا البحوث المختلفة حول أصل الحياة، وتقديم نظرة جديدة إلى السرطان، هذا المرض المعقد يتميز بالتكاثر الخلوي العشوائي، ما قد يكون ناتجًا عن قوى فيزيائية بسيطة».

اقرأ أيضًا:

اقتربنا من معرفة أول حيوان ظهر على الأرض

هل يمكننا تتبع أصل الإنسان المعاصر إلى أي نقطة مفردة من الزمان أو المكان؟

ترجمة: حسن دعبول

تدقيق: علي الطريفي

المصدر