لم تعُد الصحة النفسية شيئًا يمكن التغافل عنه، وقد علّمنا وباء كوفيد 19 أن تداعيات العزلة على الصحة النفسية تؤثر كذلك في الصحة الجسدية. وقد طلب موقع لايف ساينس من الخبراء التفسير العلمي وراء تلك الصلة بين الصحة النفسية والجسدية، لفهم كيفية تأثير الأولى في الثانية. وفي هذا المقال، نقدم كل ما تحتاج إلى معرفته حول كيفية تأثير الصحة النفسية في الصحة الجسدية، متضمنة توصيات الخبراء للمساعدة في تحسين كليهما.

إذا عانيت من مشكلات في الصحة النفسية مدة طويلة، أو وجدت نفسك تعاني مؤخرًا وتكافح لرفع مزاجك نتيجةً للوباء. سواء أكنت قد تأثرت ماديًا أم تعرضت لضغوطات وسائل التواصل الاجتماعي، ففي كلتا الحالتين قد يتعذر عليك القيام بالمهام اليومية في الأيام العصيبة، وقد يصبح البقاء في أوج الصحة الجسدية مستحيلًا لبعض الأشخاص في تلك الأيام الصعبة.

إلا أن تعزيز صحتك الجسدية وسيلةً لتحسين صحتك النفسية قد يكون بسهولة المشي السريع لك!.

غيّر من روتين يومك، أو تعلم مهارة جديدة كالطبخ، أو حتى اكتشف قوة اليوغا. استغراق الوقت في تهدئة العقل والقيام بالتمارين فوق حصيرة اليوغا من شأنه أن يصنع العجائب في حالات مثل الاكتئاب والقلق، خاصةً حين تحصل على ذلك الأندروفين.

وفيما يلي يناقش رايان ستيفينسون، اختصاصي التغذية المسجل والمعالج الطبيعي ومؤسس موقع ARTAH، كيفية اتصال الصحة النفسية بالجسدية، وكيفية تأثير سوء الصحة النفسية على الجسم، كما يعطي نصائح حول تحسين الصحة النفسية.

كيف تتصل الصحة النفسية بالجسدية؟

يقول ستيفينسون لموقع لايف ساينس: «أفكر في الصحة بصفتها نظام شبكات بيولوجية متداخلة، وليست بمعزل عن بعضها بعضًا». إذا مر بك يوم أردت فيه البقاء في الفراش فقط، والانعزال عن العالم فحينها تنعكس مشكلات الصحة النفسية على صحتك الجسدية.

وقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها شبكة ذا كونفرسيشن للوسائط الإعلامية أن الأمريكيين -نتيجة للوباء- قد زادت احتمالية إصابتهم بتوترات ذهنية خطيرة 8 مرات مقارنةً بالسنوات الماضية.

وفسرت الطبيبة النفسية والمدربة ساري تايلور بقولها: «من المستحيل أن نفصل بين عقولنا وأجسادنا فهما مرتبطان سويًا بطبيعتهما؛ إنهما يتحدثان إلي بعضهما بعضًا ويعملان في انسجام».

وأردفت: «هذا يعني أنه إذا كنّا مغمورين بشعورٍ ما، أو مضطربين، أو مفرطين في التفكير بطريقة ما، فإن عقولنا ستنبّه أجسادنا لتلك الحقيقة، وسيبذل الجسم بدوره قصارى جهده لينبهنا ويشجعنا على التركيز فيما يحدث حولنا. قد يصبح هذا مرهقًا لكلٍ من الجسم والعقل، فنشعر بالتالي بالإرهاق على المستويين الجسدي والنفسي».

إذا لم تكن في حالة نفسية مناسبة، فقد تتدهور الأمور من تلك النقطة. وإذا وجدت نفسك راغبًا في الانقطاع عن العالم فقد تتأثر حميتك الغذائية كذلك. قد تصير راغبًا عن الطعام كليًا أو بلا أي حافز للطهي. بإمكان المشكلات الصحية النفسية -مثل القلق والاكتئاب- أن تشعرك بالخدر والرغبة في الانغلاق عن العالم.

كيف يمكن لسوء الصحة النفسية أن تنعكس على أجسادنا؟

إن أجسادنا وعقولنا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ومتعمقًا، فإذا عانيت مشكلات نفسية فسيتأثر جسمك بأكثر من طريقة، والعكس صحيح. مثلًا، إذا عانى لاعب رياضي إصابة رياضية، قد تتأثر صحته النفسية من جراء عدم القدرة على اللعب أو الممارسة الروتينية اليومية المعتاد.

يفسر ستيفينسون قائلًا: «صحتنا النفسية ستحكم أيضًا ما تشعر به أجسادنا بطرائق أشد وضوحًا. يمكن لصحة النوم، والحافز والطاقة للتمرن، والاستجابة للتمارين والشهية أن يتأثروا إيجابًا أو سلبًا بحالتنا العاطفية. مثلًا، أوضحت الدراسات أن الحالات العاطفية مثل القلق والاكتئاب بمقدورها زيادة مقاومة الإنسولين، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالسكري وكذلك زيادة احتمالية الإصابة بأمراض أخرى مزمنة مرتبطة بالتقلبات في إفراز الإنسولين».

كيف تؤثر عواطفنا في أجسامنا؟

تنعكس حالتنا النفسية في استجابتنا المناعية. ويردف ستيفينسون: «الأشخاص المصابون بالاكتئاب أكثر عرضة لأن تكون أجهزتهم المناعية ضعيفة.

وبالمثل، يرتبط الاكتئاب بزيادة حدوث إصابات بأمراض معينة مزمنة وطويلة الأمد، مثل السكري، والجلطة، والنوبة القلبية. على الجانب الآخر، ممارسات مثل الامتنان، والتأمل، وحتى السعادة المتزايدة لها تأثير مباشر في الجهاز المناعي، والكورتيزول، وهرمونات أخرى تنظيمية».

حين نكون مضطربين، ينتج التهاب في الجسم، فإذا كنت مصابًا أو لديك مناطق سريعة التأثر، فستشعر بذلك أكثر في تلك المناطق. تقول تايلور: «بعض أوضح البدايات للتوتر هي أننا قد نلاحظ شدًا في الجسم في أثناء الجلوس والتحكم في أنفسنا، ولكن هذه ليست قاعدة جامدة، فالأمر يختلف من شخصٍ إلى آخر. كل استجابة فيزيائية في الجسم تخبرنا شيئًا. نحتاج فقط إلى الانتباه».

أين يقع التوتر في الجسم؟

هل تساءلت من قبل لمَ تشعر بشدّ قوي في منكبيك ورقبتك ورأسك وظهرك السفلي، دون أن تخط قدماك عتبة الصالة الرياضية حتى؟ هذا يُوصف بالشد العضلي، وهو رد فعل للتوتر يؤثر في جسمك. وفقًا لدراسة أجرتها الرابطة النفسية الأمريكية، يرتبط كل من صداع التوتر والصداع النصفي بالتوتر العضلي المزمن في المنكبين والرأس والرقبة. كما يرتبط أيضًا الألم العضلي الهيكلي في أسفل الظهر والأطراف العليا بالتوتر، خاصةً توتر العمل.

تقول تايلور: «إذا كنا نضغط على أنفسنا ونقلق حيال ما سيحدث، فإن الجزء الأكثر بدائية في الدماغ، الذي ينتبه لأية أفكار أو إشارات تحذير، سيتفاعل بناءً على الأمر وكأن الخطر والتهديد يحدثان بالفعل في الوقت الراهن. تلك المنطقة من الدماغ تنظم أيضًا ضربات القلب وحرارة الجسم وما إلى ذلك. لهذا السبب، قد تجد قلبك يخفق بسرعة وحرارتك تتغير بناءً على أفكارك وحدها. ولما كان التوتر والقلق يسببان التهابات في الجسم، فإن هذا قد يتسبب بدوره في ألم في مناطق سريعة التأثر في الجسم، التي قد تكون سبب معاناة لك عمومًا حتى في غياب التوتر. هذا الألم قد يكون إشارة تحذيرية مذهلة أن التوتر يؤثر سلبًا على جسمك، وأنك بحاجة إلى جعل نفسك وسلامتك أولوية».

ما هي أعراض الصحة النفسية الضعيفة؟

توضح دراسة أجرتها عيادة مايو بعض المؤشرات الرئيسية للصحة النفسية للانتباه إليها:

  •  الشعور بالحزن أو الأسى.
  •  التفكير المشوش أو نقص القدرة على التركيز.
  •  الخوف أو القلق المفرط، أو الشعور الغامر بالذنب.
  •  تقلبات المزاج الحادثة.
  •  الانسحاب من الأنشطة ولقاءات الأصدقاء.
  •  التعب الشديد، أو الطاقة المنخفضة، أو مشكلات النوم.
  •  الانفصال عن الواقع (الأوهام)، أو البارانويا، أو الهلاوس.
  •  عدم القدرة على التعامل مع المشكلات اليومية أو التوتر.
  •  عدم القدرة على الفهم أو تفهم المواقف أو الأشخاص.
  •  وجود مشكلات مع الكحوليات أو استخدام العقاقير.
  •  حدوث تغيرات كبرى في عادات الطعام.
  •  حدوث تغيرات في الرغبة الجنسية.
  •  الغضب أو العدائية أو العنف المفرط.
  •  التفكير الانتحاري.

تحسين الصحة العقلية

يقول ستيفينسون: «يوجد العديد من العوامل التي تخضع لسيطرتك والتي يمكنك تعديلها لتحسين صحتك».

  •  أولها وأكثرها أهمية، التغذية؛ إذ لها أثر عميق في طاقتك وحالتك الذهنية. قلل من الأغذية فائقة المعالجة والسكر المكرر، وزد الأطعمة الغنية بالمغذيات النباتية والألياف التي تحسن صحة الأمعاء. أيضًا إدارة استهلاكك للكحوليات والكافيين خطوة بسيطة أخرى من شأنها رفع مزاجك عن طريق الطعام.
  •  التمارين الرياضية وسيلة أخرى قد يكون لها تأثيرات فورية وتأثيرات طويلة المدى أيضًا في مزاجك، وبوسعك البدء بشيء صغير. المشي أكثر وممارسة تمارين القوة أو تمارين القلب (الكارديو) مدة 20 دقيقة يوميًا فقط، سيكون له تأثير هائل إذا كنت ممن لا يتحركون كثيرًا.
  •  أُثبت أن التأمل والممارسات الأخرى الشاملة، التي تركز بصورة مباشرة أكثر على الجهاز العصبي، تعزز الصحة النفسية والجسدية.
  •  ابذل جهودًا واعية للخروج ومقابلة الأصدقاء. ضع خططًا للخروج من المنزل، حتى وإن كانت فقط المشي مع صديق.
  •  ممارسة هواية جديدة؛ كالانضمام إلى نادٍ حيث بوسعك مقابلة أشخاص، أو تعلم مهارة جديدة في المنزل. مع وجود دورات تدريبية كثيرة جدًا الآن عبر الإنترنت، أمست تلك طريقة هائلة لكسر روتين يومك ورفع مزاجك.
  •  إذا كنت تواجه صعوبات مع صحتك النفسية، اطلب استشارة طبية دائمًا وتحدث مع أحدهم.

اقرأ أيضًا:

أشيع المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية

كيف تؤثر العزلة في الصحة النفسية؟

ترجمة: يوستينا وحيد يوسف

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: حسين جرود

المصدر