حلف وارسو هو معاهدة دفاع مشترك بين الاتحاد السوفيتي وسبع دول من أوروبا الشرقية. وُقعَت المعاهدة في العاصمة البولندية في مايو 1955 وحُلَّت عام 1991. الاسم الرسمي للحلف هو «معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المشتركة»، اقترح تشكيله الاتحاد السوفيتي لمواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو حلف مشابه عُقد بين الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، وتأسس عام 1949. في فترة الحرب الباردة، عُرفت الدول الشيوعية التي ضمها حلف وارسو بالكتلة الشرقية، في حين عُرفت الدول الديمقراطية المؤسِسَة لحلف الناتو بالكتلة الغربية.

ضم حلف وارسو الاتحاد السوفيتي إضافةً إلى سبع دول شيوعية تابعة له من أوروبا الشرقية، هي: ألبانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا (المجر) وبلغاريا ورومانيا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية)، ويعود تشكيل الحلف إلى حقبة الحرب الباردة، إذ تأسس في مايو 1955.

الدول التي شكلت حلف وارسو:

اعتبرت الدول الثمانية الموقعة لمعاهدة حلف وارسو تكتل الناتو -الكتلة الغربية- تهديدًا أمنيًا لهم، من ثم اتفقوا على توقيع معاهدة دفاع مشترك، للدفاع عن أنفسهم حال تعرض أي من أعضاء الحلف لهجوم محتمل. اتفقت الدول الأعضاء أيضًا على احترام سيادة واستقلال كل منها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأعضاء. لكن فعليًا، كان الاتحاد السوفيتي -بسبب قوته السياسية والعسكرية- هو المهيمن على الحلف، وكانت سائر الدول المكونة لحلف وارسو تابعة له.

تاريخ حلف وارسو:

في يناير 1949 شكّل الاتحاد السوفيتي مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة، وهو منظمة تأسست عقب الحرب العالمية الثانية بهدف التعافي من آثار الحرب والنهوض باقتصادات دول شرق أوروبا. بانضمام ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو في 6 مايو 1955، رأى الاتحاد السوفيتي ذلك تهديدًا مباشرًا للنفوذ الشيوعي في المنطقة، إذ انضمت ألمانيا الغربية المعاد تسليحها حديثًا إلى القوة المتنامية للناتو. وفي غضون أسبوع واحد، وُلد حلف وارسو، في 14 مايو 1955، بوصفه الجانب العسكري المكمل لمجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة.

كان هدف الاتحاد السوفيتي أن يساعد حلف وارسو على احتواء ألمانيا الغربية، والتفاوض مع الناتو بوصفه قوةً مكافئة له. أيضًا، أمل السوفييت أن تحالفًا عسكريًا سياسيًا متعدد الأطراف سيسهم في التغلب على القلاقل والاضطرابات في بلدان أوروبا الشرقية، بتعزيز الترابط بين موسكو وسائر عواصم الحلف.

حلف وارسو في أثناء الحرب الباردة:

كانت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 الحدث الوحيد تقريبًا الذي كادت أن تنفجر فيه الأمور، وتندلع الحرب بين حلف وارسو والناتو خلال سنوات الحرب الباردة، بين عامي 1955 و1991. فيما عدا ذلك، انشغلت قوات حلف وارسو أكثر الوقت بدعم الحكومات الشيوعية ضمن الكتلة الشرقية. عندما حاولت هنغاريا الانسحاب من حلف وارسو عام 1956، غزت القوات السوفيتية البلاد لتسقط حكومة جمهورية الشعب الهنغارية، وتسحق الثورة المندلعة في أرجاء البلاد وتقتل نحو 2500 مواطن.

وفي أغسطس 1968، غزا 250 ألف جندي –من الدول المشكلة لحلف وارسو- تشيكوسلوفاكيا. اندلع الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا -الذي أمر به الزعيم السوفيتي بريجنيف- بسبب مخاوفه من استعادة حكومة المصلح السياسي ألكسندر ديبك حرية الصحافة، وإنهاء رقابة الحكومة وهيمنتها على الشعب. انتهى حكم ديبك المُسمى «ربيع براغ» بعد احتلال قوات حلف وارسو البلاد وقتل أكثر من 100 مواطن تشيكوسلوفاكي وإصابة 500 آخرين.

أقر الاتحاد السوفيتي مبدأ بريجنيف، السماح باستخدام قوات حلف وارسو للتدخل في أي من دول الكتلة الشرقية، حال حدوث تهديد للحكم الشيوعي فيها.

نهاية الحرب الباردة وحلف وارسو:

بين عامي 1968 و1989 كانت قبضة الاتحاد السوفيتي على البلدان التابعة له آخذه في التراخي، إذ أجبر الاستياء والسخط الشعبي الكثير من الحكومات الشيوعية في تلك البلاد على التخلي عن السلطة. وشكَّل عقد السبعينيات حقبة من الانفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة، ما خفف من حدة التوتر بين القوتين العظميين.

في نوفمبر 1989 انهار جدار برلين، وبدأت الحكومات الشيوعية في بولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا بالتساقط الواحدة تلو الأخرى. وفي الاتحاد السوفيتي، كانت الإصلاحات الاجتماعية والسياسية الناتجة من سياسة «غلازنوست» -الانفتاح والمكاشفة- و«البروسترويكا» -الانفتاح الاقتصادي- التي اعتمدها الرئيس السوفيتي الأخير جورباتشوف، تنذر بالسقوط الحتمي للاتحاد السوفيتي وللشيوعية.

وقرب نهاية الحرب الباردة، قاتلت جيوش بولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا -التي شكلت معًا قوات حلف وارسو الشيوعي فيما مضى- جنبًا إلى جنب ضمن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت، في حرب الخليج عام 1990.

في يوليو 1991 أعلن الرئيس التشيكوسلوفاكي فاتسلاف هافيل رسميًا حلّ حلف وارسو، بعد 36 عامًا من التحالف العسكري مع الاتحاد السوفيتي. وفي ديسمبر 1991 حُل الاتحاد السوفيتي رسميًا ووُلدت دولة روسيا الاتحادية التي نعرفها اليوم.

بحل حلف وارسو، انتهت الهيمنة السوفيتية –التي امتدت منذ الحرب العالمية الثانية- على وسط أوروبا من بحر البلطيق إلى مضيق البوسفور. ربما لم تكن سيطرة موسكو محكمة كليًا، لكنها مع ذلك ألحقت خسائر فادحة بالمجتمعات والاقتصادات في المنطقة، التي عاش فيها أكثر من 120 مليون شخص. على مدى جيلين، حُرِم مواطنو دول أوروبا الشرقية من أي سيادة في أوطانهم، إذ كانت حكوماتهم ضعيفة واقتصاداتهم منهوبة ومجتمعاتهم مفككة.

من دون حلف وارسو، لم يكن الاتحاد السوفيتي ليجد عذرًا مقبولًا لنشر جيوشه خارج الحدود، وإن كان العذر واهيًا رغم كل شيء. في غياب حلف وارسو، كان غزو تشيكوسلوفاكيا –مثلًا- سيُعد اعتداءً صريحًا من الجانب السوفيتي.

بنهاية التحالف العسكري مع الاتحاد السوفيتي، الذي كان غالبًا قسريًا ونادرًا ما لقي ترحيبًا، بدأ الترابط العسكري بين دول المنطقة بالتلاشي. وبدأت الدول التي كانت سابقًا أعضاء في حلف وارسو بشراء الأسلحة الحديثة من الدول الغربية ومن الولايات المتحدة. وبدأت بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا بإرسال قواتها إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتنال تدريبًا متطورًا.

اقرأ أيضًا:

انهيار الاتحاد السوفييتي

الحرب الباردة وتقارب القوى المتصارعة خلالها

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر