دراسة جديدة تؤكد العلاقة بين القلق ومرض السكري


أظهرت دراسة أُجريت في جامعة (رايس-(Rice وجود علاقة بين الضغط النفسي ومرض السكري، مع قابلية الدماغ على التحكُّم بالقلق.
ويقع هذا التحكُّم على الوظائف الدماغيَّة المعروفة بوظائف السيطرة الإدراكية، وهي العمليات التي تتعامل مع الانتباه والتثبيط وعمل الذاكرة والمرونة الإدراكية، وتتضمن أيضًا الاستنتاج والتخطيط وحل المشاكل.

وقد أظهرت دراسة نشرت في (علم النفس والإخراج -Psychoneuroendocrinology) سلسلة تفاعلات أيضية تبدأ بعدم القدرة على تجاهل المُنبهات المُستمرة، والمعروفة أيضًا باسم الانتباه غير المُسيطر عليه، والتي تجعل الشخص عُرضةً للإغراء، أو تشتيت المعلومات أو الأفكار أو الأنشطة. وقد أظهرت الدراسات السابقة أنَّ ذلك يُمكن أن يقود إلى قلقٍ أكثر، وكما هو معروف فالقلق يقوم بتحفيز مسار التفاعل الأيضي بالاتجاه المسؤول عن إنتاج (السيتوكينات- cytokines)*(1) المُساعدة على الالتهاب.

وبالتزامن مع الاختبارات الإدراكية التي تقيس الوظائف الدماغيَّة المسؤولة عن العمليات المُرتبطة باكتساب المعرفة، والفهم، والخبرة، والحواس، فقد قاست الدراسة مستويات السكر في الدم و (الانترليوكين-6- IL-6) في أكثر من 800 بالغ. الانترليوكين-6 هو بروتين في الجسم يُنتَج ليُحفِّز الاستجابة المناعيَّة والشفاء. وهو الصانع البيولوجي للقلق الحاد والمُزمن والمُرتبط أيضًا مع احتماليةٍ أعلى للإصابة بمرض السكري وارتفاع نسبة مستويات السكر في الدم.

وأظهر البحث أنَّ الأشخاص الذين لديهم قدرة أقل على تجاهل المُنبهات المُستمرة هم أكثر عُرضة للإصابة بالسكري من أولئك الذين هم أكثر قدرة على تجاهل تلك المُنبهات بسبب المسار الرابط بين قلق أكثر و(الانترليوكين-6- IL-6 ). وكانت النتائج، بغض النظر عن أدائهم في اختبار القدرة العقليَّة، مُشابهة لتلك الموجودة في اختبارات الذاكرة وحل المشاكل.

وقال المُؤلف الرئيسي (كايل موردوك- Kyle Murdock)، وهو زميل في أبحاث ما بعد الدكتوراه في علم النفس، «لسنينٍ طويلة شكَّك الباحثون بالترابط بين القلق وسوء الحالة الصحيَّة، بما في ذلك مرض السكري، ولكن دون معرفة تفاصيل العمليات الحيويَّة المسؤولة عن ذلك، وأنَّ الدراسة ألقت نظرة أعمق إلى كيف يربط الالتهاب بين الاثنين».

وقال موردوك أيضًا: «أظهرت الدراسة أنَّ الأشخاص ذوي القدرة الأقل على تجاهل المُنبهات المُستمرة أكثر عُرضة لاختبار أفكار مُقلقة وأوقات صعبة تُشتِّت انتباههم». وأضاف: «هذا جعلني أتساءل إذا كان القلق يُسبِّب مسارًا يربط بين الالتهاب والأمراض التي تُهِمُنا، مثل مرض السكري».
كما وأضاف: «أظهرت العديد من الأبحاث أنَّه عندما يتعرض الأشخاص للضغط، أو القلق أو الاكتئاب يرتفع مُستوى الالتهاب». وتابع قائلًا: «هذا البحث جزء من أبحاثنا لتأسيس المسار من التثبيط إلى القلق إلى الالتهاب إلى مرض السكري».

ويعمل موردوك في مختبرات جامعة رايس التابعة لـ (كريستوفر فاغوندس-Christopher Fagundes)، وهو أستاذ مُساعد في علم النفس. ويُحقق مختبر فاغوندس في العمليات التي تحدث على المُستويَين الحيوي والنفسي، وكيف لهذه العمليات أن تُؤثر على الصحة العامة والعلاجات المُمكنة.
وتأتي المعلومات من دراسة قام بها موقع (Midlife Development) في الولايات المتحدة على 1255 من البالغين متوسطي العمر الذين تم اختبار قُدراتهم على مدى عامين منفصلين. فكان أكثر من ثمانمائة ممن تم إجراء اختبار الدم لهم لقياس مستويات الانترليوكين ومستوى السكر في الدم. ولم يجد الباحثون علاقة إيجابية فقط بين التثبيط ومرض السكري وإنَّما عدم وجود صِلة بين القُدرات الإدراكية الأخرى ومرض السكري. كما أنَّهم توصلوا إلى أنَّ هذا المسار ذو اتجاه واحد حيث أنَّ الالتهاب لا يبدو أنَّه يُؤثر على التثبيط أبدًا.
وقال موردوك بعد مرورِ عام عليه كمُتدرب في طب النفس السريري في جامعة (أوريغون للصحة والعلوم- Oregon health and science)، حيث درس مع مُساعد المُؤلف والطبيب النفسي (داني ديوك- Danny Duke)، لقد قاد الباحثين إلى الاعتقاد بأنَّه يُمكن أيضًا أن تُوجد حلقة من ردود الأفعال تُؤثر في المصابين بمرض السكري. «إنَّ الأشخاص القلقون هم أكثر عُرضة لتجنُّب العلاج واستخدام أساليب تَــكُّيف خاطئة (كالتدخين أو الأنظمة الغذائيَّة غير الصحيَّة) والتي ترفع مستوى السكر في الدم، وهذا يؤدي إلى مشكلة. وقال: «إنَّه تأثيرٌ شبيه بكرة الثلج، ما إن ينغمسون أكثر حتى تصبح حالتهم أسوأ».

كما وتابع قائلًا: «ونحن نعلم أنَّ مستويات السكر المُرتفعة بشكلٍ كبير في الدم يُمكن أن تُؤثر على قابلية الفرد على التعلُّم والعمليات المُرتبطة باكتساب المعرفة. فنحن نتحدث عن كيف، إذا كُنَّا سنُعالج هؤلاء الأشخاص بصورة مُناسبة بدلًا من وضعهم في غرفة وإخبارهم ((حسنًا يجب أن تتَّبعوا نظامًا غذائيًا أفضل)) أو ((يجب أن تأخذوا الأنسولين في الوقت المُحدد)).
وقد أدرج الباحثون عدة أساليب علاجيَّة مُمكنة تتضمن: العلاج الذهني*(2)، الأدوية المُحفِّزة أو المُضادة للالتهاب، والعلاج المُرتبط بالوظائف المُتعلقة بالقابليَّة على اكتساب المعرفة». وقال موردوك: «أظهرت البحوث أنَّ الأشخاص الذين يُمارسون التأمُّل يكون أداؤهم في اختبار التثبيط أفضل بمرور الوقت»، كما اقترح صرف انتباه الشخص عن الأفكار المُرهقة والتي يُمكن أن تُؤثر على الاستجابات الحيوية.
كما قال فاغوندس: «أنا مُقتنع بشدَّة أنَّ طُرق العلاج الذهنيَّة هي فكرة عظيمة لكثيرٍ من الأسباب». وأضاف: «هذا لا يعني أنَّ الأدوية لن تُؤدي إلى تثبيط مستوى السكر في الدم، فاعتقادٌ كهذا لا ينبغي أن يُؤخذ بالاعتبار، ولكن يجب الجمع بين الاثنين وهذا يُمكن أن يكون مُفيدًا بالفعل».

*(1): هذه البروتينات تعمل عكس البروتينات التي تحفز الشفاء، وهي تجعل الحالة المرضية
أسوأ بعكس تلك المُحفزة للشفاء والتي تُساعد على الشفاء بصورة أسرع.
*(2): علاج نفسي يمنع تكرار الإصابة بالاكتئاب لأشخاص أُصيبوا به سابقًا


إعداد: فاطمة الطريحي
تدقيق: هبة فارس
الرابط