من أين أتت أقمار المريخ؟


إنّ هذا التّساؤل ظلَّ يشغلُ بالَ العلماء والباحثين لمدّةٍ طويلةٍ، حيث إنّ قَمَرَيْ المرّيخ )فوبوس وديموس-Phobos and Deimos) كان يُظَنّ بأنّهما كُوَيْكبان فى الأصل، وأنّ المرَيخ قام باجتذابِهما نحوه بفعل جاذبيّته. ولكن وُجد أنّ شكل القمرَين، وشكل المدارات الخاصّ بها، يتعارضان مع الفرضية السابقة.

وقد عَرَضَت دراستان منفصلتان إجاباتٍ لهذا التّساؤل، وهما كالآتي:

الدّراسة الأولى: سيتمّ نشرها في مجلّة (The Astrophysical Journal)، وقد تمّ إعدادها من قِبَلِ باحثين من (CNRS and Aix-Marseille Universite). تستبعدُ هذه الدرّاسة الفرضيّة الخاصّة بجذب الكويكبَيْن إلى المريخ وتحويلهما إلى قمرين، حيث توضّح الدّراسة أنّ الفرضيّة الوحيدة المُحتملة والمتماشية مع خصائص السّطح لكلا القمرين، هي وقوع تصادمٍ عنيفٍ وضخمٍ.
وتقوم هذه الدّراسة بهذا الاستبعاد استنادًا إلى التّنوّع التّركيبيّ والتّكوينيّ للأجسام الموجودة بحزامِ الكُوَيكبات. وعلاوةً على ذلك، فإنّ هذه الدّراسة قامت بتوضيح التّعارض والتّنافر الموجود في الضّوء النّاتج عن القَمَريْن وعن الموادّ البدائيّة الّتي شكّلت المرّيخ. وبناءً على ذلك، فإنّ هذه الدّراسة قد رجّحت السّيناريو الخاصّ بوقوع التّصادم. وقد تمّ أيضًا من خلال دراسة هذا الضّوء، التّوصّل إلى أنّ هذين القمرين يتكوّنان من غبارٍ دقيق جدًّا، يتكوَّن من حبيباتٍ أقلّ من الميكرومتر الواحد.

وبالرّغم من ذلك، فإنّ الحجم الصّغير جدًّا للحبيبات على سَطْحَي القمرين، لا يمكن تفسيره على أنّهُ ناتجٌ من التّآكل الحادِثِ نتيجةَ القصف النّاشئ من الغبار الموجود بين الكواكب. وهذا يعنى أنَّ القمرين تمّ تكوينهما منذ البداية من حبيباتٍ متناهية الصِّغر، والّتي لا تتكوَّن إلّا من خلال عمليَّات تكثيف الغاز الحادثة في المناطق الخارجيّة للقرص الحطاميِّ المحيط بالكوكب، وليس في منطقة الماجما الموجودة في المناطق الدّاخليّة.
ومن خلال هذا، يتّضح لنا أنّ تكوين أقمار المرّيخ من هذه الحبيبات الدّقيقة، من الممكن أن يكون هو المسؤول عن المسامية الدّاخليّة العالية لهذه الأقمار، ممّا يُـفسّر السّبب وراء كثافتهم المفاجئة القليلة. وأنّ موضوعَ النّقاش بين الدّراستين، هو موضع النّقطة الّتي نُرجِّح فيها حدوث عمليَّات تكثيفِ الغاز، إن كانَ في المناطق الخارجيَّة أم الدَّاخليَّة للكوكب؛ فالدِّراسة الثّانية الّتي قام بها عددٌ من الباحثين الفرنسيّين والبلجيكيّين واليابانيّين، استَخْدَمت أحدث طرق المحاكاة الرّقمية، لتوضّح وتعرض كيف أنَّ هذين التّابعين تشكَّلا من حطامِ وبقايا اصطدامٍ هائلٍ حدث بين المرّيخ وكوكبٍ أوَّليّ آخَر يبلغ زُهاء ثُلث حجم المرّيخ.

وقد نُشِرت هذه الدّراسة في شهر يوليو لعام 2016 بـ (the journal Nature Geoscience). وقد تمكّن الباحثون في هذه الدّراسة من إعطاء سيناريو واضحٍ وكاملٍ ووافٍ لعمليَّةِ تكوين فوبوس وديموس، وهو كما يلي:

يقوم هذا السّيناريو على أساس عمليّة اصطدامٍ وارتطامٍ هائل تمّت بين المرّيخ، وأحد الكواكب الأوّليّة الّتي تبلغ زهاء ثلث حجم المرّيخ -كما ذُكر سابقًا- منذ ما يقرب من 100 إلى 800 مليون سنة بعد بداية عملية تكوُّن كوكب المريخ. وبناءً على ما قاله الباحثون، فإنّ الحطام الّذي نَتَجَ عن هذا الاصطدام، شكَّلَ قرصًا واسعًا جدًّا حول المرّيخ، حيث يتكوّن الجزء الدّاخليّ الكثيف منه من موادّ في حالة انصهار، أمّا الجزء الخارجيّ، فهو عبارة عن جزء رقيق من الغاز.

وقد تَشَكَّل في الجزء الدَّاخليّ لهذا الحُطام قَمَرٌ أكبر 1000 مرة من فوبوس، ولكنّه اختفى منذ ذلك الحين. ومع وجود هذا القمر، فإنّ تأثير الجاذبيّة على الجزء الخارجيّ، كان بمثابةِ حافزٍ قويّ لجمعِ الحُطام، حتّى يتمّ تشكيل أقمارٍ أخرى صغيرة وبعيدة. وبعد بضعةِ آلافٍ من السّنين، أصبحَ المرّيخ مُحاطًا بمجموعةٍ تتكوّن من عشرةِ أقمارٍ صغيرة تقريبًا، وقمر آخر كبير.

وبعد عدّة ملايين أخرى من السّنين، بعدما تبدّد هذا القرص الحطاميّ، قامت تأثيرات المدّ والجزر الخاصّة بالمرّيخ، بإعادةِ هذا الحطام مرة أخرى إلى سطح الكوكب، بما فى ذلك القمر الكبير، وتبقّى أبعد قمرين كانا قد تكوّنا، وهما فوبوس وديموس. ولكن نظرًا للتّنوّع والاختلاف الموجود فى الظّواهر الفيزيائية المعنيَّة في الدّراسة، فليسَ هناك أيّ مُحاكاة رقميّة قادرة على نمذجةِ العمليّة بِرُمَّتها. ولذلك؛ فقد قام الباحثون بدمج ثلاث عمليَّاتِ محاكاةٍ مُتطوّرة ومُتعاقبة معًا، بغية توفير بيانٍ علميٍّ واضحٍ للفيزياء القابعة وراء هذا الاصطدام العملاق، وللكشف عن الدّيناميكيّة الحركيّة النّاجمة عن تأثير الاصطدام، الّتي اتّبعها القرص الحطاميّ، وعمليّة التّراكم والتّكوّر الّتي حدثت بعد ذلك لتكوين تلكُم الأقمار، وتطوّرها على المدى الطّويل.

وهذه هي النّظريّة الجديدة الخاصّة بالاصطدام الهائل، والّتي قُدِّمت في هاتَين الدّراستين، وهي مُؤشِّرٌ جيّد لتوضيح السّبب وراء امتلاك نصف الكرة الشّماليّة للمرّيخ، ارتفاعًا أقلّ من النّصف الجنوبيّ. علمًا بأنّ حوضَ بورياليس والسّهول الشّماليّة في المرّيخ، قد تكون بقايا الاصطدام العملاق.
أمّا فيما يتعلّق بعمر القمرين وتركيبهما، فهو ما ستكشفه المراقَبات القادمة، حيث إنّ وكالة الفضاء اليابانية (JAXA) أعلنت بأنّها ستطلق بحلول عام 2022، مهمّة فضائيّة لجلب عيّنات من فوبوس إلى الأرض في عام 2027، تحت اسم (Mars Moons Exploration).
هذا وقد خطّطت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بالتّعاون مع وكالة الفضاء الرّوسية (Roscosmos) بإرسال مهمّة مشابهة في عام 2024. وإنّ التّحليل الدّقيق لهذه العيّنات، من شأنه أن يقدم نفيًا أو إثباتًا لهذا السّيناريو الّذي سبق شرحه.


ترجمة: شـروق بـدر شحاته
تدقيق: يسر شيشكلي
المصدر