ما هي ظاهرة النينو؟


“النينو” هي ظاهرة مناخيَّة تحدث في المحيط الهادئ، وتؤثر بشكل عام على أحوال الطقس في العالم.

وتبدأ هذه الظاهرة عندمَا تتحرَّكُ المياه الدَّافئة في المحيط الهادئ الاستوائي الغربيّ شرقًا نحو الإكوادور في ساحل جنوب أمريكا. بحيث تتواجد عادة تلك التجمعات المائيَّة الدافئة قرب إندونيسيا والفليبين. وتستقر خلال النينو المياه الدافئة للمحيط الهادئ خارج المنطقة الشماليَّة الغربية لجنوب أمريكا.

يعلن مختصو الأرصاد الجويَّة عن حالة “النينو” رسميًّا عندما يلحظون ارتفاع درجات حرارة المحيط وعواصف مصحوبة بتساقطات مطرية منجرفة نحو الشرق. كما يراقب المختصون أيضًا ضعفِ الريَّاح التجاريَّة وتغيُّرِ اتجاهها خلال ظاهرة النينو. هذه التغيُّرات تُحدِثُ حلقة مُفرغَة بين الغلاف الجويّ والمحيط ممَّا يحفزُّ حدوث النينو.

“لا نراقب فقط ارتفاع درجة حرارة المحيط. بل نراقب استجابة الغلاف الجويّ فوق المحيط لهذه التغيُّرات.” يقول ميشال لوغو (Michelle L’Heureux) عالم المناخ وقائد فريق التنبؤ بظاهرة النينو في مركز التنبؤات المناخيَّة.

تنحرف العواصف الاستوائية شرقًا خلال النينو، بحيث تشكل رطوبة الهواء وقودا للعواصف الرَّعديَّة، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط وتبخرها بكميات أكبر.

وتوجد كذلك ظاهرة مُضادة للنينو، تُسمَّى “النينا” والتي تحدث عندما تصبح مياه المحيط الهادئ الاستوائية الشرقيَّة أبرد من المُعتَاد، وعندمَا تضربُ الريَّاح التجاريَّة بشكل أقوى، ويُعتبر كلٌّ من النينو والنينا جزءا من تقلُّبات نظام الغلاف الجوي للمحيط

ما الذي يسبَّب النينو؟

لم يصل العلماء بعد إلى فهمِ آليات ظاهرة النينو، بحيث أن ليسَت كل ظواهر النينو مُتشابهة، كما أنَّ تغيرات المحيط والغلاف الجويّ لا تكون ذاتُها في كل ظاهرة نينو.

يقول ميشال في هذا الصدد: “لا وجود لسبب رئيسي واحد، وهذه من بين الأسباب التي تمنعنا من التنبؤ بحدوث هذه الظاهرة بشكل فعال”، ويضيف: “تكمن إمكانية التنبؤ بالنينو في بعض السمات المشتركة التي تنشأُ مع الظاهرة. لكنها لا تكون متطابقًا في كل الحالات.”

من أجل التنبؤ بالنينو، يقوم العلماء برصدِ درجات الحرارة في المائتي متر السطحية للمحيط. ويلاحظُون تغيُّر درجات الحرارة من المحيط الهادئ الغربي إلى الهادئ الشرقي. وقد حدث هذا في ربيع سنة 2014، حين حدث ارتفاع قوي في درجة مياه المحيط الهادئ سميت بـ “موجةُ كلفن”، وهذا ما قاد مراقبي الأرصاد الجويَّة إلى التنبؤ بحدوث نينو قويّ في شتاء 2014.

هل تحدث ظاهرة النينو دائما؟

تحدثُ الظاهرة كل ثلاث إلى خمس سنوات، كما يمكنُ أن تحدث مرَّة كل سنتين في بعض الأحيان، أو نادرًا لمرَّة واحدة كل سبع سنوات. بشكل عام، يحدث النينو أكثر من نظيرهِ النينا. وكل ظاهرة تدوم من 9 إلى 12 شهرًا. وتتشكَّلُ غالبًا في فصل الرَّبيع، لتصلَ إلى قمة قوَّتها بين دجنبر ويناير، لتضعُفَ بعد ذلك بحلول شهر مايو من العام الذي يليه.

ويمكن لقوَّة النينو أن تتغيَّرَ بشكل كبير بين دورة وأخرى. ومن بين أقوى تلك الظواهر التي حدثت في العقود القليلة الماضية، النينو الذي حدثَ في فصل الشتاء خلال سنتي 1997 و1998. “الجميعُ يربط اسم النينو بذلك الحدث الهائل، لكنه كان حدثًا نادرا، يحصل مرَّة في القرن،” يقول ميشال واصفا ما حدث خلال هاتين السنتين.

يعود الاسم الأصلي للنينو إلى كلمة ” El Niño de Navidad” بالإسبانيَّة، والتي تعني “المسيح الطفل”، وأطلق هذا الاسم على الظاهرة من طرف صيادي سواحل البيرو والإكوادور خلال القرن الـسَّابع عشر. واستعمل الصيَّادون هذا المصطلح لأنَّ الظاهرة كانت تأتي غالبًا بحلول أعياد الميلاد. وتعود السجلَّات المناخية للنينو إلى ملايين السنين، مع أدلَّة لدورات نينو وُجدت في قلب الجليد، في بقايا أواني طينية وُجدت في البحار العميقة، وحتى في الكهوف وحلقات الأشجار.

ما الذي يحدثُ في غياب النينو؟

في ظروف غياب النينو العاديَّة، تتجه الرياح التجاريَّة نحو الغرب عبرَ المحيط الهادئ الاستوائي، بعيدًا عن جنوب أمريكا. تقوم هذه الرياح بتجميع المياه الساخنة السطحيَّة في الهادئ الغربيّ، لذلك تكون مياهُ السطح أعلى بحوالي 1 إلى قدمين (0.3 إلى 0.6 متر) في منطقة خارج شواطئ إندونيسيا، مقارنة بالمنطقة التي تعبر المحيط الهادئ وصولا إلى شواطئ الإكوادور.

كما تكون درجة حرارة مياه السَّطح 14 درجة فهرنهايت (8 درجة مئوية) أعلَى في الغرب. وتتجمع المياه الأبردُ في مناطق خارج شواطئ شمال غرب أمريكا الجنوبيَّة، ويعود ذلك إلى الموجات المتقلبة للمياه الباردة من المستويات الأعمق. هذه المياه الباردة الغنيَّة بالمُغذيَّات تدعمُ تنوَّع النظم البيئيَّة البحريَّة، وتوفر مساحات غنية للصيد.

عندمَا يضربُ النينو:

خلال النينو، تضعف الرياح التجاريَّة في المحيط الهادئ المركزي والغربي. وتصبح مياه السَّطح خارج سواحل أمريكا الجنوبيَّة أكثر سخونة، بسبب وجود موجات متقلبَّة قليلة من المياه الباردة العميقة لتبريد السَّطح. وتتجه السُحب والعواصف المطريَّة مع مياه المُحيطٍ الدافئة نحو الشرق. وتصبح الطاقة القويَّة التي تطلقها المياه الدافئة نحو الجوّ كفيلة بالتسبب في تغيُّرات مناخيَّة على الكوكب بأكمله.

آثار النينو:

يكون للمياه الدافئة في المحيط الهادئ الاستوائي المركزي والشرقي آثارا كبيرة على أحوال الطقس في العالم بأسره. ولا تحدث النتائجُ الكبرى عادة إلاَّ بحلول الشتاء أو الرَّبيع في نصف الكوكب الشماليّ، وصرح ميشال أن النينو الذي حدث بين 1982 و1983 تسبَّب في خسائر متعلَّقة بتغيرات الطقس في العالم قدِّرت بـ 10 مليار دولار.

يخلق النينو رياح قويَّة وهواءً أكثر استقرارا على المُحيط الأطلسي، مما يجعل تشكُّل الأعاصير أمرًا صعبا. إلا أن المياه الدافئة أكثرُ من المعدَّل في المحيط، تقوم بتحفيز تكوُّن أعاصير في المحيط الهادئ الشرقيّ، مُساهمةً في حدوث عواصف استوائية أكثر نشاطًا.

ليس لظواهر النينو القويَّة علاقة بكميات تهاطل الأمطار التي تفوق المعدَّل المعتاد في جنوب الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة من كاليفورنيا إلى غاية الساحل الأطلسي، بحيث يتسبب الطقسُ الغائم بشكل أكبر في انخفاضِ درجات الحرارة في فصل الشتاء عن المعدَّل في تلكِ الولايات، بينمَا تكون درجات الحرارة أعلى من المعتاد في الجانب الشمالي من البلاد.

غالبا ما تضرب الزخات المطرية القوية سواحل البيرو، تشيلي والإكوادور في سنوات النينو. أمَّا الصيد فيكون أضعفُ من المعتاد خارج شواطئ أمريكا الجنوبيَّة لأنَّ الكائنات المائيَّة تُهاجر شمالًا أو جنوبًا، حيثُ تتبعُ المياه الباردة.

كما يؤثرُ النينو على تهاطل الأمطار في مناطق أخرى، بما فيها إندونيسيا وشمال شرق أمريكا الجنوبيَّة، حيثُ تكون الأجواء جافةً أكثر من المُعتاد. كما تكون درجات الحرارة في أستراليا وجنوب شرق آسيا مرتفعة عن المُعدَّل. ويصل مدى الجفاف الذي يتسببُ به النينو من جنوب إفريقيا إلى الهند، جنوب شرق آسيا، أستراليا، جزر المحيط الهادئ والبراري الكنديَّة.


إعداد : وليد سايس
تدقيق: بدر الفراك
المصدر