العصر الديفوني : ظهور البرمائيات والحشرات – تكون الأشجار العملاقة والانقراض الثاني


تمتدّ فترةُ العصر الديفوني «Devonian Period» من 416 مليون سنة إلى 358 مليون سنة مضت. ويُعدُّ رابع عصور حقبة الحياة القديمة أو الأوّليّة. سبقه العصر السّيلوريّ «Silurian Period» وتبعه العصر الفحميّ «Carboniferous Period». وغالبًا ما يُعرف باسم «عصر الأسماك»، على الرغم من حدوث تطوراتٍ هامّة للنباتات والحشرات الأولى والحيوانات الأُخرى.

i10-30-fish

المناخ والجُغرافيا:

احتلَّت القارّة العظمى غُندوانا (Gondwana) مُعظم نصف الكُرة الأرضيّة الجنوبيّ، إلّا أنّها بدأت بالانجراف شمالًا خلال فترة العصر الدّيفونيّ. وفي نهاية المطاف، وفي العصر البرميّ «Permian Period»، أدّى هذا الانجرافُ إلى تصادُمٍ مع القارّة الاستوائيّة المعروفة باسم أوراميريكا (Euramerica)، فتكوّنت قارّةٌ عُظمى واحدة تدعى بانجيِّا (Pangaea).
استمرَّ بناءُ الجبال بواسطة الحركة الكاليدونيّة (Caledonian Orogeny)، وحدثَ اصطدام بين قارّتي أوراميريكا والقارّة الشمالية الأصغر من سيبيريا، لتكوِّن لاحقًا بريطانيا العُظمى الحالية وجبال الأبالاتشيا الشّماليّة (Northern Appalachians) وجبال الشّمال (Nordic mountains). ساهمت عمليّات التعرية السريعة لهذه الجبال بكمياتٍ كبيرة من الرواسب الّتي اتّجهت نحو الأراضي المُنخفضة وقيعان المُحيطات الضّحلة. كانت مستويات البحر مُرتفعةً، والكثير من غرب أمريكا الشمالية تحت الماء. وكان مناخُ المناطق الداخلية القارّيّة دافئًا جدًا خلال فترة العصر الدّيفونيّ بشكلٍ عام، وجافًّا تمامًا.

الحياة البحرية:

كان العصر الدّيفونيّ فترة بناء الشعاب المرجانية الّتي انتشرت على نطاقٍ واسع في المياه الضحلة الّتي أحاطت كُل قارّة وفصلت قارّة غُندوانا عن قارّة أوراميريكا. تضمَّنت الأنظمة البيئية للشعاب المرجانية أعدادًا وفيرة من «عُضديِّات الأرجُل»، وأعدادًا من «المفصليات ثلاثية الفصوص»، و«المراجين الصفائحية» و«المراجين القرنيّة». مرَّت «لوحيات الأدمة» أو (ذوات الصفائح) والمعروفة باسم «الأسماك المُدرعة» بتنويعات واسعة وأصبحت الحيوانات البحريّة المُفترسة المُهيمنة. امتلكت لوحيات الأدمة فكوكًا بسيطة بدون أسنان فعلية. بدلًا من ذلك، احتوت أفواهها تراكيب عظمية استخدمت لتقطيع أو طحن الفريسة. وصل طول بعضُ لوحيات الأدمة إلى 33 قدمًا (10 أمتار). وكانت الأسماك الغضروفية كالقرش والشفنين شائعةً في أواخر العصر الدّيفونيّ. تحتوي الطبقات الجيولوجيّة للعصر الدّيفونيّ أيضًا على أحافير «الأمونيتِات» (لافقاريات بحرية مُنقرضة) الأولى.
بحلول منتصف العصر الدّيفونيّ، أظهر سجل الأحافير دليلًا على وجود مجموعتين جديدتين من الأسماك الّتي امتلكت عظامًا حقيقية وأسنانًا ومثاناتٍ هوائية (هي أكياس مملوءة بالأوعية الدموية، تسمح للأسماك بأن تتنفس من الهواء مباشرة كالرئة تمامًا) وخياشيم. كانت «الأسماك شعاعية الزعانف» تشبه الأسماك الحديثة (كما تعتبر هذه الأسماك من الأسلاف الأولى للأسماك الحديثة)، فتجد حوضها المُقترن وزعانفها الصدرية مدعومة بالعديد من العظام الطويلة الرفيعة ومُعززة بعضلاتٍ كانت إلى حدٍ كبير موجودة داخل الجذع. وكانت «الأسماك لحميات الزعانف» وهي الأكثر شيوعًا خلال العصر الدّيفونيّ من شعاعيّات الزعانف، ولكن مُعظمها قد مات (لم يتبقَّ اليوم من الأسماك لحميات الزعانف إلا الأسماك شوكيات الجوف وأنواع قليلة من الأسماك الرئويّة). امتلكت الأسماك لحميات الزعانف صدرًا لحميًا وزعانف حوضية تتميز إلى الكتف أو الحوض متصّلة بواسطة عظمة مُفردة (عظم العضد أو الفخذ)، والّتي عملت بواسطة عضلات داخل الزعنفة نفسها. كانت بعض الأنواع قادرة على تنفُّس الهواء من خلال فتحات تنفسية في الجمجمة. الأسماك لحميات الزعانف هي الأسلاف المقبولة لكُل «رٌباعيات الأطراف».

النباتات:

استمرّت النباتات الّتي بدأت باستعمار الأرض خلال العصر السّيلوريّ في التقدُّم التطوّري خلال العصر الدّيفونيّ. فنَمَت النباتات الذئبية «Lycophytes»، ونباتات الكنباث (ذيول الفرس) «horsetails»، والسراخس لأحجام كبيرة وشكَّلت أولى غابات الأرض.
كانت النباتات عاريات البذور في نهاية العصر الدّيفونيّ كالأركايوبتيرس «Archaeopteris» هي الأشجار الناجحة الأولى. ويُمكن أن تنمو الأركايوبتيرس إلى ارتفاع 98 قدمًا (30 مترًا) مع قطر جذع أكبر من ثلاثة أقدام. امتلكت جذعًا ليّنًا مُشابهًا لجذوع أشجار «المخروطيات» الحديثة الّتي تنمو في حلقاتٍ مُتتابعة. ومع أنّها لم تمتلك أوراقًا حقيقية إلّا أنّها امتلكت تراكيب مُشابهة للسرخسيّات متصلة مباشرة بالفروع (تفتقر إلى سيقان الأوراق الحقيقية). هناك دليلٌ على أنّها كانت أشجارًا مُتساقطة الأوراق، لأنّ معظم الأحافير الشائعة هي عبارة عن أغصان مسلوخة. كان التكاثر يحصل بواسطة الأبواغ الذكريّة والأنثويّة والّتي قُبلت كسلف للنباتات الحاملة للبذور. زادت نسبة الأُكسجين في الغلاف الجوي إلى حدٍ كبير بسبب انتشار النباتات بنهاية العصر الدّيفونيّ. الأمر الّذي كان مُهمًا لتطوُّر الحيوانات البريّة. وفي نفس الوقت استُنزِف غاز ثنائي أُكسيد الكربون، وهو غازٌ دفيء، من المراحل السابقة. رُبّما ساهم ذلك في تبريد المناخ وحدوث الانقراض في نهاية العصر الدّيفونيّ.

الحيوانات:

تزامنت أحافير «المفصليّات» مع أوائل أحافير النباتات في العصر السّيلوريّ. واصلت الديدان الألفية ((Millipedes، و«الحريشات-centipedes» (أم أربع وأربعين)، والعنكبيّات (arachnids) التنوُّع خلال فترة العصر الدّيفونيّ. أوائل الحشرات المعروفة هي (Rhyniella praecursor)، كانت سداسيّة الأرجل وغير قادرة على الطيران، مع قرون استشعار وجسدٍ مجزّأ. يبلغ عمر أحفور حشرة (Rhyniella) بين 412 مليون إلى 391 مليون سنة.
من المُحتمل أنّ «رباعيات الأرجل» الأولى قد تطورت من «الأسماك لحميات الزعانف» القادرة على استخدام زعانفها العضلية للاستفادة من البيئة الخالية من المفترسين والغنية بالغذاء في الأنظمة البيئية للأراضي الرطبة الجديدة. أول رباعي أرجل معروف هو (Tiktaalik rosae) (سمكة تميزت بالأقدام، وهي من الحيوانات المنقرضة)، يرجع تاريخها إلى منتصف العصر الدّيفونيّ. يُعتبر هذا المخلوق الأحفوري صلة الوصل بين الأسماك لحميات الزعانف والبرمائيات الأولى. رُبّما كان مُعظم هذا النوع مائيًا، يمشي على أسفل مصبات المياه الضحلة. وامتلكت حوضًا شبيهًا بالسمك، ولكن أطرافها الخلفيّة كانت أكبر وأقوى من تلك الّتي في المقدمة، ممّا يشير إلى أنّها كانت قادرة على دفع نفسها خارج البيئة المائيّة. وكان لها رأسٌ شبيهٌ بالتمساح ورقبة متحركة، ومنخار لاستنشاق الهواء.

الانقراض الجماعي:

تُعتبر نهاية فترة العصر الدّيفونيّ الثانية من أصل خمسة أحداث انقراض جماعي في تاريخ الأرض. عوضًا عن الحدث الواحد، ومن المعروف أنّ لها على الأقل فترتين طويلتين من استنزاف الأنواع وفترات عديدة قصيرة. كان حدث كيلواسر (Kellwasser Event) في أواخر منتصف العصر الدّيفونيّ مسؤولًا بشكلٍ كبير عن زوال الشعاب المرجانية الكبيرة والأسماك عديمة الفكّ والمفصليات ثلاثية الفصوص (trilobites). وقتل حدث هانغبيرغ (Hangeberg Event) عند حدود العصرين «الدّيفونيّ/الفحميّ» لوحيات الأدمة ومُعظم الأمونيتات الأولى. نوقشت مسبّبات الانقراض، ويُحتمل أن تكون ذات صلة بتبريد المناخ بسبب استنزاف غاز ثنائي أُكسيد الكربون بواسطة الغابات الأولى. على الرغم من أنّ ما يصل إلى 70% من الأنواع اللافقاريّة ماتت، إلّا أنّ النباتات والحيوانات البريّة لم تتأثر كثيرًا بأحداث هذا الانقراض.

مُلخّص العصور التّاريخيّة للأرض

مُلخّص العصور التّاريخيّة للأرض


إعداد: أحمد السراي –  تدقيق: عبدالسّلام الطّائيّ


مصدر