إنجاز علمي جديد في نقل المعلومات الكمومي بين المادة والضوء!


من بتاتٍ كموميةٍ ثابتةٍ إلى أخرى طائرةٍ بسرعات لم تُحقق من قبل. يُقربنا هذا الإنجازُ قليلًا إلى عصرٍ تُنقلُ فيهِ المعلوماتُ عن طريقِ المبادئ الكموميةِ، والذي أُنجزَ من قِبَل فريقٍ من المركزِ الوطني الفرنسي للبَحثِ العلمي (CNRS) و المدرسة المتعددة العلوم والفنون التطبيقية في مونتريال Polytechnique Montréal.

نُشِرَت مُؤخرًا ورقةٌ بحثيةٌ بعنوان «تهيئةٌ عاليةُ الدقَّةِ وفائقةُ السرعةِ لدوران ثقب مرتبط بمركز متساوي الإلكترونات من التيليريوم في بلورة سيلينيد الزنك ZnSe” “»”High-Fidelity and Ultrafast Initialization of a Hole-Spin Bound to a Te Isoelectronic Centre in ZnSe” ) في مجلة Physical Review Letters .

جعل إنشاءُ بتٍ كمومي من مادةِ سيلينيد الزنك -وهي مادةٌ نصفُ ناقلةٍ معروفة- من الممكن إنتهاج طريقةٍ للوصلِ بين الفيزياءِ الكموميةِ التي تَحكمُ تَصرُّفَ المادةِ على مقياسٍ نانومتري وبين عمليةِ نَقلِ المعلوماتِ بسرعةِ الضوء، مما يُمَهِدُ الطريقُ لتطويرشبكاتِ اتصالاتٍ كموميةٍ.

الفيزياء الكلاسيكية مقابل الفيزياء الكمومية

تسيطرُ الفيزياءُ الكلاسيكية على عالم الحواسيب المعاصرةِ، حيثُ تَعمَلُ مليارات الإلكترونات مع بَعضها البعضِ لتُشَّكِلَ بت معلوماتٍ واحدٍ. البت 0 يعني غيابَ الإلكتروناتِ والبت 1 يعني وجودها. بالمقابل في الفيزياء الكمومية، تُفضَّلُ الإلكتروناتُ المنفردةُ لأنها تُعبِّرُ عن سِمَةٍ مُذهلةٍ: يمكنُ للإلكترون أن يأخذَ كِلا القيمتين 0 و1 أو أي تداخل لهاتين الحالتين. هذا هو البتُ الكمومي، المكافئ الكمومي للبت الكلاسيكي. حيث تُوفِرُ البتّاتُ الكموميةُ إمكانياتٍ مُدهشة للباحثين.
يدورُ الإلكترونُ حول نفسهِ مثلَ الدُوّامَة- spinning topإلى حدٍ ما. وهذا يعرف بالدروان الذاتي للإلكترون – spin . عند تطبيقِ حقلٍ مغناطيسي يُشيرُ محورُ الدورانِ نحو الأعلى، أو الأسفلِ، أو إلى الأعلى والأسفل معًا ليتشكَّلَ بتٌّ كمومي. والأفضلُ من ذلكَ، بدلًا من استخدامِ الإلكترون، يمكننا استخدامُ غيابهِ. هذا ما يسميه علماءُ الفيزياءِ »ثقب«Hole-.

سيلينيد الزنك وشوائب التيليريوم: سابقةٌ عالميةٌ

مادة سيلينيد الزنك، أو ZnSe، هي بلورةٌ تتوزعٌ فيها الذراتُ بدقةٍ. تتميزُ هذه المادةُ النصفُ ناقلة بسهولةِ إدخالِ شوائب التيليريوم Te إليها، وهو أحدُ أقاربِ السيلنيوم في الجدولِ الدوري، والذي تُحاصَرُ الثقوبُ فيه، أشبه بفقاعاتِ الهواءِ في كوب.

تَحمي هذه البيئةُ دورانَ الثقبِ، البت الكمومي، وتساعدُ في الحفاظِ على معلوماتهِ الكموميةِ بشكلٍ دقيقٍ لفتراتِ أطول. هذه الفترةُ الزمنيةُ هي زمن التماسك coherence time والذي يحاولُ الفيزيائيون حولَ العالمِ إطالة مُدته بكلِ الطُرقِ المتاحةِ. يُعتبرُ اختيارُ مادة سيلينيد الزنك إختيارًا هادفًا، لأنه قد يوفرُ أكثرَ البيئات هدوءً بين الموادِ نصفِ الناقلةِ.

مجهودٌ جماعي بين المركزِ الوطني الفرنسي للبحثِ العلمي (CNRS) والمدرسة المتعددة العلوم والفنون التطبيقية في مونتريال Polytechnique Montréal

يستخدمُ فيليب سينت جين Philippe St-Jean، وهو طالبُ دكتوراه من فريق البروفيسور سيباستيان فرانكور Sébastien Francoeur، فوتوناتٍ مولَدة بليزرٍ لتهيئةِ الثقب وتخزينِ معلوماتٍ كموميةٍ فيها. أما لقراءتها، فيقوم بتحفيز الثقبِ مرةً أخرى باستخدامِ ليزرٍ ثم يجمعُ الفوتوناتِ المنبعثةِ. والنتيجةُ هي نقلٌ كمومي للمعلوماتِ بين البتّاتِ الكموميةِ الساكنة، مُرَمَزَةً في دورانِ الثقبِ المُحتَجَزِ في الكرستالةِ، وبين البتَّاتِ الكموميةِ الطائرةِ (الفوتونات) والتي تسيرُ بسرعةِ الضوءِ بالطبع.

تُظهرُ هذه التقنيةُ الجديدةُ أنه من المُمكن إنشاءُ بتَّاتٍ كموميةٍ بشكلٍ أسرعٍ من كُلِ الأساليبِ التي استخدمت حتى الآن. في الواقع، يتطلبُ الأمرُ بضعَ مئات من البيكو ثانية، أو أقل من واحدٍ بالمليارِ من الثانية، للانتقالِ من البتَّات الكمومية الطائرةِ إلى تلك الساكنةِ، والعكسُ صحيح.

على الرغم من أنَّ هذا الإنجازَ يبشِّرُ بالخيرِ، لا يزالُ هناكَ الكثيرُ من العملِ الذي يتعيّنُ القيامُ به قبلَ وجودِ شبكةٍ كموميةٍ يمكنُ استخدامها لإجراءِ معاملاتٍ مصرفيةٍ آمنةٍ دون قيدٍ أو شرط، أو قبل بناءِ حاسوبٍ كمومي قادرٍ على إجراءِ حساباتٍ أكثرَ تعقيدًا. هذه هي المهمةُ الشاقةُ، التي سوفَ يستمرُ فريقُ بحثِ سيباستيان فرنكيور بالتصدّي لها. يقومُ على تمويل السيد فرنكيور وفريقه مجلسُ العلومِ الطبيعيةِ والبحوثِ الهندسيةِ في كندا (NSERC).


اسم المترجم: مازن ملص
المدقق:أسامة القزقي

المصدر