حدّدَ العلماء أخيرًا موقع “المنطقة الساخنة” التي تعمل في دماغنا عندما نحلم منطقة في الجزء الخلفي من دماغنا تُنشئ الأحلام!

نحنُ نعلم المزيد الآن عمّا نحلم به، إضافةً لمناطق الدماغ المسؤولة عن أحلامنا، وذلك بفضل أبحاث علمية حديثة، ويقول الخبراء أنّها إحدى أهمّ الدراسات التي نُشرت عن الحلم.

ولا يكتفي البحث العلمي هذا بإمدادنا بفهم أكبر حول كيفية الحلم ووقته، إنما قد يؤدّي إلى أساليب للحثّ على النوم وحتى التلاعب بالأحلام، لأولئكَ الذينَ يعانون من الكوابيس والأرق.

إذْ حدّد علماء من جامعة ويسكونسن ماديسون «منطقةً ساخنة» حديثة امتلكت نشاطًا كهربائيًا يدلُّ على الحلم، وأظهرت أنَّ معظم أحلامنا تحدُث خارج فترة نوم الريم (REM) حركات العين السريعةRapid Eye) Movement)، حتّى وإنْ كنا لا نستطيع تذكر أحلامنا عندما نستيقظ.

إضافة لذلك، وأظْهرت الدراسة أنَّ مناطق الدماغ التي نستخدمها عند اليقظة يمكنها أن تقوم بنفس المهام خلال نومنا؛ مثل التعرّف على الوجوه في أرض الأحلام.

يقول أحد الباحثين، وهو الأخصائي النفسي غيوليو تونوني: «استطعنا مقارنة ما يتغير في الدّماغ أثناء الوعي؛ أي عندما نحلم، وما يتغير أثناء اللاوعي؛ أي خلال الحالة السلوكية نفسها للنوم»، «وبهذه الطريقة يمكننا التركيز على مناطق الدماغ المهمة فعلًا لدراسة الوعي، وتجنّب العوامل المربِكة المتعلّقة باليقظة أكثر من حالة النوم أو التخدير».

حُضّرَت مجموعة من ستة وأربعين متطوعًا من أجل الدراسة، وتُرِكوا للنوم في مخبر معهد ويسكونسن للنوم والوعي (WISC) مرتدين قبعات ذات 256 قطبًا كهربائيًا لقياس نشاط كلّ من الدماغ والوجه، وتمَّ إيقاظهم عند مراحل متعددة لسؤالهم عن أحلامهم.

واكتشفت إحدى التجارب تغيّرًا في النشاط أثناء الحلم ضمنَ منطقة تقع في مؤخّرة الدماغ أَطلق عليها الباحثون اسمَ «المنطقة القشريّة الخلفيّة الساخنة»، والتي تساعد الدماغ عادةً في معالجة الصور ودمج الحواس.

كما شُوهِد نموذج النشاط نفسه خلال كل من «نوم الريم ونوم اللّا ريم» بغضّ النظر عما كان يقوم به باقي الدماغ.

وتعلّق الباحثة العلمية فرانشيسكا سيكلاري لنيكولا دافيس العاملة لدى صحيفة الغارديان: «يعدّ ذلك توقيعًا للدماغ الحالم».

وعن طريق مراقبة «المنطقة الساخنة» ومن ثم إيقاظ المشاركين، تمكّن الفريق من التنبؤ ما إن كان المشاركون كانوا يحلمون لمدّة 87% من الوقت.

وحتى الآن، لم يتمكن العلماء من إيجاد إشارات شاهدة على الحلم اللا ريمي، وأثيرت الشكوك حول حقيقة وجوده أصلًا، فهل أحلامنا اللا ريميّة مجرد ذكريات لأحلامنا خلال نوم الريم؟

يقترح البحث العلمي الحديث نفيَ ذلك، وبناءً على استجابات المتطوّعين للدراسة، نحنُ لا نزال نحلم كثيراً أثناء إغلاق أعيننا حتى وإن كنّا لا نتذكّر كلَّ شيء عندما نستيقظ.

وقد بحثت تجربة أخرى في مضمون الأحلام، وكان الباحثون قادرين على ربط نشاط الدماغ الذي يحصل أثناء الأحلام مع نشاط دماغي مشابه أثناء اليقظة، مثل أجزاء الدماغ المستخدمة في تعّرف الوجوه.

وتعقّب سيكلاري قائلةً: «يقترح ذلك توظيف الأحلام لنفس مناطق الدماغ التي تفعلها التجارب أثناء اليقظة لمضامين معينة».

«كما يدلّ ذلك على أن الأحلام هي تجاربٌ تحصل حقيقةً أثناء اليقظة، وأنها ليست اختراعات أو تخاريف نبتدعها عندما نستيقظ»

كما ربطت التجارب بين النشاط الأكبر في القشرة قبل الجبهية أثناء الحلم «وهي قسم في الدماغ مرتبط بالذاكرة» والتذكر الأفضل لتلك الأحلام، وتضيف سيكلاري: «ربما يكون الدماغان، الحالم واليقظ، أكثر تشابهًا مما يمكن تخيّله«.

ومع أننا ما زلنا بعيدين عن القدرة على التلاعب بأحلامنا على طريقة فيلم (Inception)، يعلّمنا البحث العلمي هذا الكثيرعن الحلم؛ مثل كيفية الحاجة لباحة صغيرة في الدماغ فقط لصنع أحلام تبدو حقيقية كالوعي.

ويقول الباحثون: «يمكن للكثير من الدراسات القادمة أن تُبنَى على هذه الجهود، كالمزيد من التحرّيات فيما إن كنا نحلم لمعالجة الذكريات التي كوّناها خلال اليوم».

لم يشارك كريستوف نيسن، من جامعة الخدمات النفسية في سويسرا بالدراسة السابقة، لكنّه أخبر دورية New) Scientist) أنَّ خارطة الدماغ الجديدة هذه قد تتيح طُرُقًا لتعديل النوم، وربما كبح الكوابيس لدى الأشخاص المصابين باضطراب الكرب التالي للرضح (PTSD) أو لعلاج الأرق.

في هذه الأثناء، كانَ العديد من الخبراء سريعين في مدح جهود الباحثين، فقال مارك بلاغروف من مخبر النوم الخاص بجامعة سوانسيا، «الذي لم يشارك في البحث»، لصحفية الغارديان: «إنّ الأهمية الكامنة وراء هذا المقال مدهشة حقًا، وتقارن فعلًا باكتشاف نوم الريم، وتعدُّ أهم منه في بعض النواحي».

كما نُشر البحث العلمي في دورية (Nature Neuroscience).


ترجمة: سارة وقاف.

تدقيق: لؤي حاج يوسف.

المصدر