أوقفت نظرية الأكوان المتعددة و نظرية الأوتار التقدم العلمي من خلال تبرير برنامج بحثي فاشل.

يهاجم المدون الفيزيائي وعالم الرياضيات بيتر وُويت ( Peter Woit ) بضراوة نظرية الأوتار والأكوان المتعددة، و محاكاة الأكوان، و الفيزياء الوهمية.

يقول بيتر وويت: “أصبحت مشاكل نظرية الأوتار أكثر حدةً منذ أن انتقدها قرابة عقد من الزمن في كتابه: ( ليست خطأً حتى)، ويشمل هذا الانتقاد بعض المشاكل، مثل: التعقيد والقبح وعدم القدرة التفسيرية للنماذج المصممة لربط نظرية الأوتار بالظواهر المعروفة، فضلًا عن الفشل المستمر في التوصل إلى صيغة متسقة للنظرية”.

تقول باميلا كروز: الفيزياء في أفضل حالاتها، وهي أقوى و أدق المجالات العلمية، ولديها القدرة على تجاوز علم النفس في الهراء، وللحفاظ على الفيزياء صادقة، نحتاج مراقبين مثل بيتر وويت الذي يشتهر بتأكيده أن نظرية الأوتار التي كانت منذ عقود هي المرشح الرئيسي لنظرية موحدة للفيزياء، هي معيبة صحيح، ولكن ليس لدرجة عدِّها خطأ ( ليست خطأً حتى)، يرجع الفضل في هذه العبارة لـ ( وولفغانغ باولي Wolfgang Pauli)، وهي عنوان كتاب وويت الذي نوقش على نطاق واسع في العام 2006م، وكذلك مدونته الشهيرة التي أطلقها عام 2004م، وقد حصل على درجات في الفيزياء من جامعة هارفارد وبرينستون، وعلم الرياضيات في كولومبيا، ومنذ عام 1989م وهو يتابع الرياضيات والفيزياء على مدونته، وبعض المتابعات الأخرى، مثل: ( مدونة في الفرق بين المجموعات الكاذبة والرياضيات الكاذبة) التي كتبت بدقة من أجل الخبراء.

يقول جون هورغان John Horgan: يقدم وويت الكثير من التفسيرات الواضحة غير التقنية لغير الخبراء أمثالي، هو رجل جيد وأمين، لا ينغمس في أمور رخيصة، و لا ينتابه الاحساس بجنون العظمة عرفته لأكثر من 12 عاما، يمكن أن يكون حادًا في بعض الأوقات، لكنه رجل جيد، في المرة القادمة التي ستخترق فيها وسائل الإعلام الفيزياء أو الرياضيات ستمجد فكرة بعينها، و لن تتحقق من صحتها لمجرد الحصول على سبق صحفي.

تبادل وويت و هورغان مؤخرا محادثة على البريد الإلكتروني التالي، تقول المحادثة:

هورغان: ما أكثر ما يمتعك في التدوين؟

وويت: المدونة من أكثر التجارب المهمة في حياتي، إنها الحدث الاستثنائي الذي جعلني في اتصال مع الناس، أشكر كثيرًا أولئك الذين وجدوا أن المدونة مفيدة و مثيرة للاهتمام، ينتابني هذا الشعور عندما أقابل شخص ما فيثني عليها مشافهةً، أو عن طريق البريد إلكتروني، أو عن طريق تعليق على المدونة.
يجذب مدخل المدونة مناقشةً بين أشخاص لهم اطلاع على شيء مثير للاهتمام، مما يجعلهم يقدرون ما أحاول القيام به، وهذا يسعدني.

هورغان: لقد دونت مؤخرًا (الفيزياء المزيفة)، ماذا تقصد بها؟ و هل تلقي اللوم على الصحفيين؟

وويت: أعني باستخدام لفظة (الفيزياء المزيفة) المزاعمَ العلميةَ الزائفةَ عن الفيزياء التي تشترك في بعض خصائصها مع (الأخبار المزيفة)، وهذه المزاعم ليست مزيفةً فقط بل مضللة أيضًا، تنشر قصصًا غريبة عن الفيزياء الأساسية، وتعزز الأفكار النظرية الفارغة و غير الناجحة؛ لتجذب أكبر عدد ممكن من القراء المتصفحين، إن اللوم في هذا يقع على الفيزيائيين المعنيين، الذين يجب أن يعلموا أن الطريقة التي يروجون بها لعملهم تضلل الناس، ينبغي على الصحفيين أن يكون متشككين حول ما يقال لهم من قبل العلماء، ولكنهم للأسف لا يهتمون إلا بالعناوين الرنانة التي يلقي بها الفيزيائيون عليهم، دون مطالبة لحوحة لمراجعة الأوراق التي ينبغي اعتمادها، كي لا تشوبها شائبة، هم لا يملكون ذلك؛ لأنهم ليسوا على دراية كافية لتقييم هذه الأوراق البحثية.

هورغان: هل ما زلت تعتقد أن نظرية الأوتار “لا يمكن عدها خاطئة حتى”؟

وويت: نعم، لقد كتبت كتابي حول هذا الموضوع في أبريل /نيسان العام 2003م، وأعتقد أن وجهة النظر حول نظرية الأوتار التي أوردتها في الكتاب قد برزت بعد كل الأحداث المتتالية منذ ذلك الحين، لم تظهر النتائج التجريبية من مصادم هادرون الكبير أي دليل على أبعاد إضافية أو تماثل فائق، ذاك الذي كان منظرو الأوتار قد جادلوا بها على اعتبار أنها من (تنبؤات) نظرية الأوتار. وبعد عقد آخر من البحث بدت المشاكل الداخلية لهذه النظرية أكثر خطورة، ويشمل هذا التعقيدات والقبح وعدم وجود القوة التفسيرية للنماذج المصممة لربط نظرية الأوتار مع الظواهر المعروفة، فضلًا عن الفشل المستمر في التوصل إلى صياغة متسقة من النظرية.

هورغان: لقد أخبرني إدوارد ويتن(Edward Witten) في عام 2014 أن نظرية الأوتار “على الطريق الصحيح”، لماذا في اعتقادك؟

وويت: أعتقد أن الصورة التخمينية للكيفية التي وحدت بها نظرية الأوتار الجاذبية والنموذج المعياري الذي توصل إليه ويتن في عام 1984م (بالتعاون مع آخرين) كان لها تأثير كبير على تفكيره، إنه متردد في قبول فكرة أن النماذج التي وضعت في ذلك الوقت كانت مغالطةً منطقيةً بعرض بيانات وأسباب جاذبة خارجةً عن صلب الموضوع (مغالطة الرنجة الحمراء)، ومثل كثير من المنظرين البارزين في نظرية الأوتار، لم يعد الآن يُعمل بنشاط على مثل هذه النماذج منذ فترة طويلة، والذهن غائب تمامًا عن إيجاد بديل مقنع، ومن غير المرجح أن يتخلى عن أمله في أن الفكرة التي تحصل عليها هذه الفترة من عمره ستواصل طريقها، حتى مع توقفه عن المتابعة.

هورغان: هل يمكن عدُّ نظرية الأكوان المتعددة أيضًا غير خاطئة بالقياس على نظرية الأوتار “لا يمكن عدها خاطئة حتى”؟

وويت: نعم، وهذه ليست المشكلة الرئيسية معهم، فالكثير من الأفكار التي ( ليست خاطئة)، بمعنى عدم وجود وسيلة لاختبارها، يمكن أن تكون مثمرة، على سبيل المثال: فتح طرق للتحقيق سيؤدي إلى شيء يمكن اختباره تقليديًا، معظم الأفكار الجيدة تبدأ بـكونها (ليست خاطئة حتى)، مع آثار سيئة ففي الفهم إلى أين ستقود، والمشكلة في مثل هذه النظريات مثل: (نظرية الأكوان المتعددة و نظرية الأوتار)، هي جملة (الكون المتعدد فعل ذلك)، ليست فقط غير قابلة للاختبار، بل هي عذر للفشل، وعوضًا عن فتح التقدم العلمي في اتجاه جديد، صممت هذه النظريات لإغلاق التقدم العلمي من خلال تبرير برنامج بحثي فاشل.

هورغان: ما رأيك في اقتراح نيك بوستروم وآخرون أننا نعيش في محاكاة؟

وويت: أنا أحب هذا التعليق من موشيه روزالي (Moshe Rozali)

المصدر

بقدر ما تذهب التكهنات الميتافيزيقية تصبح غير محببة بشكل ملحوظ – غير ملحوظة بشكل ملحوظ – أي: أفضل محاولة لتفسير أسطورة الخلق، ينطوي على شخص يجلس أمام كمبيوتر ليكتب أسطرًا في لغة برمجة، ماذا تفعل هذه الآلهة القاهرة غير ذلك، تأكل البيتزا؟

هورغان: كتب سين كارول Sean Carroll) ( أن التزييف هو مبالغة كمعيار لتمييز العلوم عن العلوم الزائفة، فما ردك؟

وويت: لا أحد يعتقد أن ( مشكلة ترسيم الحدود) الدقيقة لتقرير ما هو من العلم، وما ليس منه ببساطة التعامل مع حجة التزوير، إن نقد كارول للأفكار الساذجة حول القابلية للتزوير يجب أن ينظر إليه في السياق: فهو يحاول تبرير برامج البحث عن الأكوان المتعددة التي تفشل نماذجها في المعايير الساذجة للاختبار المباشر، حيث أنه لا يمكنك رؤية أكوان أخرى، وهذه حجة خيال المآتة، المشكلة مع هذه البرامج البحثية ليست مشكلة الاختبار المباشر؛ بل مشكلة عدم وجود أدلة غير مباشرة، وعدم وجود أي طريقة أخرى معقولة لإيجاد هذه الأدلة.

كارول والآخرون ممن لهم اهتمامات مماثلة، لديهم مشكلة خطيرة، هي: يبدو أنهم يصنعون ادعاءات فارغة و ينخرطون في العلوم الزائفة، ومع مقولة ( تعدد الأكوان  فعل ذلك) لا تفسير قابل للاختبار أكثر، ( لقد فعل ذلك جولي الوحش الأخضر العملاق)، هذا هو العلم، لإقناع الآخرين عليك بالقيام بإجراءات علمية غير فارغة قابلة للاختبار، وأنا لا أرى هذا يحدث.

هورغان: هل تعتقد أن دفعةً قويةً من أجل توحيد الفيزياء أمر مضلل؟

وويت: من حيث المبدأ من الممكن بالطبع أن يحدث نوع من التوحيد في نظرية حالية تجمع كل معرفتنا، على الرغم من أنه لا توجد حجج جيدة لفعل هذا الأمر، وبخلاف أنه من الصعب أن نقدم ما هو أفضل بخصوص توحيد الفيزياء في نظرية واحدة، يعطينا الدرس التاريخي دوافع من أجل ألا نتخلى عن مفهوم ( المشاكل الصعبة لها حلول)، فإذا نظرنا بعمق في القضايا التقنية، لن يكون هناك شيء مستعصي عن الحل، القضية تكمن في وجود مجموعة من المشاكل لها هياكل على هيئة أحجية، ويبدو أننا نفتقد واحدًا أو اثنين من الأفكار الجيدة حول كيفية تركيب هذه الأحجيات.

هورغان: هل الفيزياء في خطر الفناء، كما حذر ( هاري كليفHarry Cliff )؟

وويت: ينبغي للمرء أن يكون حذرًا من متطلبات الفيزياء بشكل عام؛ لأنه علم يحتوي على العديد من الحقول الفرعية، التي تواجه قضايا مختلفة، مثل: فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، هو حقل فرعي في خطر الفناء، وعلى الجبهة التجريبية يواجه عقبات تكنولوجية أساسية، وأي أجيال قادمة من مسرع الجزيئات ستكون قادرة على اكتشاف طاقات أعلى من مصادم الهدرونات الكبير في المستقبل البعيد و سيكون ذلك مكلفًا بصرف النظر عما إذا كانت النية موجودة في تمويل وبناء مثل هذا الشيء أم لا، وأما على الصعيد النظري، أصبح هذا المجال في أزمة الآن؛ بسبب عدم وجود نتائج تجريبية تشير إلى نظرية أفضل، فضلًا عن رفض التخلي عن الأفكار النظرية الفاشلة.

هورغان: أيهما أكثر أمانًا الرياضيات أم الفيزياء النظرية؟

وويت: الرياضيات أكثر أمانًا من الفيزياء النظرية، والسبب في ذلك هو أن التجربة لا تحرك ثوابتها، ومن ثم فهي في مأمن من مشكلة الحواجز التجريبية التكنولوجية، وغياب التجربة لتوجيه طريق الرياضيات إلى الأمام يجعل جميع المشتغلين بها صادقين، وقد طورت الرياضيات ثقافة مختلفة عن الفيزياء النظرية، تؤكد بوضوح على الخط الفاصل بين ما يفهمه المرء وما لا يفهمه، يمكن هذا الوضوح من الاتفاق على ماهية التقدم، وهذا الذي يحرك الخط الفاصل في الاتجاه الصحيح، ومن ذلك يُعتقد أنه في أزمتها الحالية، ويمكن للفيزياء النظرية أن تستفيد من طريقة عمل علماء الرياضيات.

(لم يكن لي حظًا في وجود علماء فيزياء يتفقون معي).

هورغان: هل ستحل الآلات محل علماء الرياضيات؟

وويت: من الصعب تخيل كيفية العلاقة بين الآلات والبشر في المستقبل البعيد، أما ما يتعلق بالمستقبل القريب، فيمكن أن أتخيل آلات أو خوارزميات تحل محل بعض ما يفعله علماء الرياضيات، ولكن لا يوجد أي مؤشر على إمكانية استبدال العمل الإبداعي لعلماء الرياضيات في الوقت الحالي.

هورغان: هل أنت متفائل أو متشائم حول مستقبل العلم؟ وماذا عن مستقبل الإنسانية؟

وويت: لقد أحببت دائمًا شعار أنطونيو غرامسي  (Gramsci slogan)الفيلسوف السياسي الإيطالي، الذي كتبه في السجن عامم1927، وهو: “تشاؤم الفكر، تفاؤل الإرادة”.

يبدو العلم لي نشاطًا غير متجانس، لديه من الأجزاء ما هو صحي جيد، أجزائه صحية – بحال جيد -، والبعض الآخر في الانخفاض، وأحيانا ضحية للنجاح بالطريقة التي ذكرتها آنفًا في مفهوم فناء العلم، أنا جاهل جدًا بمعظم الحقول الفرعية للعلوم، لكني أعرف فرعين عن كثب، أحدهما هو  (الفيزياء الأساسية) هو الآن في ورطة، و الآخر (الرياضيات البحتة) كذلك  في ورطة أكثر من أي وقت مضى.

وما يتعلق بمستقبل الإنسانية، أقول: جعل انهيار مظاهر الديمقراطية السليمة في الولايات المتحدة في العام الماضي التفاؤل  صعبًا، خصوصًا مع ظهور وانتصار سياسة ( ما بعد الحقيقة)، وأنا متأكد من ذلك حيال الكثير من الآخرين، ويبدو أن الاتجاه طويل الأجل لزيادة تركيز الثروة والسلطة في أيدي أقلية لا يمكن وقفه، وإن ( الابتكار المدمر) الذي يشهده عالمنا الجديد في وادي السيليكون والعالم الجديد الشجاع من وسائل التواصل الاجتماعية والرصد الرقمي في كل مكان من وجودنا، بدأ في جعل بعض من آداب سدوم و عمورية في الخيال العلمي تبدو متحققة و هو أمر مخيف.

لا أزال انتظر مستقبل السلام والحب والتفاهم التي تربيت عليها طيلة عمري عندما كنت في أواخر حقبة الستينات.

هورغان: ما هي اليوتوبيا الخاصة بك؟

وويت: إلى جانب السلام والحب و فهم حقيقة الأشياء، في عالمي المثالي سيكون لكل إنسان عدد قليل من المشاكل، كي يتمتع بالحياة كما أفعل حاليًا.


  • المترجم: مصطفى العدوي.
  • المدقق: رجاء العطاونة
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر