يُعدّ تكاثف بوز-آينشتاين الأكثر غموضًا من بين حالات المادة الخمس.

تمت دراسة كل من الغازات والسوائل والمواد الصلبة والبلازمية بشكلٍ كافٍ لعقود من الزمن، أو حتى لقرون كاملة، بينما لم يتم صنع تكاثف بوز-آينشتاين في المخبر حتى التسعينيات.

يتألف تكاثف بوز-آينشتاين من مجموعة من الذرات التي تُبرَّد إلى ما يقارب درجة الصفر المطلق، وعندما تصل الذرات إلى هذه الحرارة يصبح من الصعب أن تتحرك بالنسبة إلى بعضها البعض فهي تقريبًا لا تعود تملك أي طاقة تكفيها لذلك، عندها تتجمع الذرات مع بعضها وتتوحد طاقتها.

من وجهة نظر فيزيائية تصبح هذه الذرات متماثلة، وتبدأ المجموعة بالتصرف وكأنها ذرة واحدة.

لتصنع تكاثف بوز-آينشتاين فأنت تحتاج إلى البدء بغيمة من الغاز المنتشر.

تبدأ العديد من التجارب بذرات من الروبيديوم.

ثم تبردها باستخدام أشعة الليزر لتأخذ الطاقة من الذرات.

ومن أجل التبريد لدرجات أدنى يستخدم العلماء التبريد التبخيري.

وقال الأستاذ الجامعي في الفيزياء في جامعة بوفالو (Xuedong Hu-شيدونغ هو): «مع تكاثف بوز-آينشتاين تبدأ بحالة مضطربة من الذرات حيث تكون الطاقة الحركية أكبر من الطاقة الكامنة ثم تبرّدها ولكن لا يصبح الحال كما هو في الأجسام الصلبة، بل عوضًا عن ذلك، تدخل جميع الذرات بالحالة الكمومية نفسها ولا تستطيع تمييز الواحدة عن الأخرى.

في هذه المرحلة تخضع الذرات إلى إحصاءات بوز-آينشتاين التي تُطبق عادةً على الجزيئات التي من الصعب تفريقها عن بعضها، كالفوتونات».

النظرية والاكتشاف

تنبأ الفيزيائي الهندي (Satyendra Nath Bose -ساتيندرا ناث بوز) لأول مرة بتكاثف بوز-آينشتاين نظريًا، وكان هو من اكتشف الجسيم دون الذري الذي سمي باسمه (البوزون).

كان بوز يعمل على حل مشاكل إحصائية في ميكانيكا الكم ثم أرسل أفكاره إلى آينشتاين الذي وجدها تستحق النشر.

وبنفس الاهتمام رأى آينشتاين أن الرياضيات التي أنجزها بوز (والتي سميت لاحقًا بإحصاءات بوز-آينشتاين) يمكن تطبيقها على كل من الذرات والضوء.

وجد الاثنان أن الذرات عادةً لا بد أن تمتلك بعض الطاقات.

(الحقيقة أن أحد أساسيات ميكانيكا الكم أنه لا يمكن لطاقة ذرة أو جزيء دون ذري آخر أن تكون اعتباطية)، لهذا السبب تملك الإلكترونات على سبيل المثال مدارات منفصلة عليها أن تشغلها، كما أنها تبعث فوتونات بأطوال موجية مختلفة عندما تقفز من مدار أو مستوى طاقة محدد إلى آخر.

ولكن مع التبريد الشديد (إلى حوالي الصفر المطلق) تصبح الذرات بمستوى طاقة واحد ويصعب تمييزها عن بعضها البعض.

لهذا السبب تتصرف الذرات في تكاثف بوز-آينشتاين وكأنها «ذرات خارقة».

عندما يحاول أحدهم معرفة مكانها فإنه يرى مجرد كرة غيمية غامضة بدلًا من رؤية ذرات منفصلة متفردة.

جميع حالات المادة الأخرى تتبع مبدأ باولي للاستبعاد الذي سمي على اسم الفيزيائي (Wolfgang Pauli- وولفغانغ باولي) الذي كان أحد الرواد في مجال الفيزياء الكميّة.

يقول هذا المبدأ أنه لايمكن للفيرمونات (وهي الجسيمات نصفية الدوران المغزلي) أن تحتل نفس الحالة الكمومية.

لذلك عندما يدور إلكترونان في نفس المدار يجب أن يتحركا عكس بعضهما، بحيث يكون مجموعهما صفرًا.

وهذا بدوره أحد أسباب عمل الكيمياء بالطريقة التي تعمل بها كما أنه أحد أسباب عدم تواجد الذرات في نفس الوقت بنفس المكان، لكن تكاثف بوز-آينشتاين يكسر هذه القاعدة.

رغم ذلك، تقول النظرية أن مثل هذه المواد يجب أن توجد فعلًا، ولم يتحقق الأمر حتى عام 1995 عندما خطط كل من (Eric A. Cornell a- إيريك أ. كورنيل) و (Carl E. Wieman- كارل ويمان) من مخبر الفيزياء الفلكية في كولورادو، و(Wolfgang Ketterle- وولفجانج كيترلي) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن يصنعوا هذه المادة لينالوا بها جائزة نوبل للفيزياء عام 2001.


  • ترجمة: سارة عمّار.
  • تدقيق: جعفر الجزيري.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر