التعلم من الماضي:

يميل البشر بطبيعتهم للتفكير في المستقبل فنحن دومًا ما نجد أنفسنا متسائلين عن الخطوات القادمة في حياتنا ونتصور الظروف المحتملة لتطورات الزمن الحالي، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونتخيل أقصى الأشكال الممكنة للمستقبل.

ربما يكون العلماء هم من القلة التي تكبح بشكل فاعل هذه الرغبة للتنبؤ بالمراحل التالية فهم بطبعهم متحفظين واعتمادهم غالبًا على البيانات، ولعل ذلك يشعرهم بعدم الراحة في وضع توقعات تتطلب تحليًا بالإيمان -إن صح التعبير- حتى لو وجدت الكثير من البيانات التي تدعم هذه التنبؤات، لأنه دائمًا يوجد عدد لا حصر له من المتغيرات التي من الممكن تؤثر على النتيجة النهائية.

فمحاولة التنبؤ بما سيبدو عليه العالم بعد قرن من الزمان لا يعطي إثباتًا حقيقيًا بالنسبة للوقت الحاضر، فإذا كان على العلماء أن يخطئوا فالأفضل أن يفعلوا ذلك بشكل بنّاء.

في الواقع، تغير العالم كثيرًا في المئة سنة الماضية، ففي عام 1918 كان معظمه متورطًا في الحرب العالمية الأولى وفي نفس العام بدأ اجتياح الإنفلونزا، ليحصد في نهاية المطاف حياة ما بين 20 و 40 مليون شخص أي أكثر من الحرب نفسها التي تزامنت معه، أنشأ الكونغرس المناطق الزمنية، والتوقيت الصيفي، وأصدر الطابع الأول للبريد الجوي الأمريكي.

بالنظر إلى كل ما سبق سنجد بأننا قمنا بخطوات ملحوظة، فاليوم من النادر أن يموت إنسان بسبب الإنفلونزا أو بسبب مستنقع من الأمراض المعدية التي كانت يومًا ما فتّاكة ومهلكة (مثل الجدري الذي تم القضاء عليه عام 1977)، وأغلب ذلك يعود لقدوم مجموعة من التكتيكات الوقائية كاللقاحات والعلاجات مثل المضادات الحيوية.

تبدو سرعة تطور التكنولوجيا مذهلة في بعض الأوقات وليس من المحتمل أن تتمهل هذه السرعة خلال وقت قريب، وفيما يلي بعض الطرق التي نشك بأن تغيِّر تكنولوجيا اليوم من خلالها شكل العالم في القرن المقبل.

الحوسبة الكمومية ستصبح أكثر نضجًا:

كما غير الإنترنت المجتمع الإنساني خلال العقود القليلة الماضية فإن الحوسبة الكمومية ستغير نظرتنا للعالم وموقعنا فيه، ستمنحنا القدرة على معالجة المزيد من البيانات حول أنفسنا، والكوكب الذي نعيش عليه، والكون بشكل عام كما لم يحدث في أي وقت سابق.

لا أحد متأكد ما الذي سنفعله بهذه البيانات ولكن غالبًا سنجد بعض الأجوبة لبعض الأسئلة المعلقة منذ زمن حول الفيزياء والكون، ومن المحتمل أيضًا أن نجد بعض الأجوبة غير المفهومة تمامًا بالنسبة لنا.

اختراق الأدمغة:

في الحقيقة ليس علينا الانتظار لمدة قرن كامل حتى نستطيع التوحيد ما بين الأدمغة والأجهزة؛ فالبحث في الربط بين الدماغ والكمبيوتر (BCIs) أصبح الآن خارج مملكة الخيال العلمي، فالنماذج الأولية ساعدت المرضى فعلًا في التغلب على السكتات الدماغية، وأعطت الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم القدرة على تجربة اللمس من جديد بمساعدة أطراف صناعية مغطاة بالحساسات.

عندما يصبح هذا الأمر شائعًا فإن الدمج بين الإنسان والآلة سيغير منهج التطور البشري بشكل لا رجعة فيه، وفي الوقت الحالي يتم تطوير نماذج مصفوفات القطب التي تلتقط إشارات الدماغ عبر الجمجمة بدون تدخل جراحي، ما يمكن أن يكون خطوة نحو شبكة العقل الكاملة والمقترحة من قبل إيلون ماسك (Elon Musk).

سنحلق حول مدننا المجدّدة بالسيارات ذاتية التحكم:

في عام 2118 سيكون هناك تحسن في البنية التحتية وطرق أفضل، السيارات تصبح أذكى وأكثر محافظة على البيئة، فمن المحتمل أن السيارات الكهربية ستتمكن من قيادة نفسها بشكل ذاتي جنبًا إلى جنب مع أولئك من هم بحاجة لذلك، الإجماع الحالي في عالم صناعة السيارات أن هذا النوع ما يزال خياليًا بأفضل الأحوال (وربما يكون أمرًا غير محتمل الحدوث) ولكن شركة تيسلا (Tesla) وبشكل منفرد تحاول الوصول إلى ما يسمى المستوى الخامس من التحكم الذاتي، وهو العالم حيث تقدونا سياراتنا وليس العكس عام 2019.

في بعض أجزاء هذا العالم تصبح المدن نفسها أكثر تطورًا، في الصين من الممكن أن يتمكن طريق سريع يتزود بالطاقة الشمسية من شحن السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، كما أنه ستتمكن المدن المستقبلية من إصلاح نفسها.

سيغير الذكاء الاصطناعي من طريقة عمل البشر:

خلال عقود قادمة ستقدم نفس التكنولوجيا التي تساهم في تطوير منازلنا والأجهزة التي فيها والآليات التي نستعملها على تطوير حياتنا بشكل كبير، سيحول الذكاء الاصطناعي (AI) بالتأكيد بعض الأعمال إلى العمالة الآلية وخاصة الأعمال على خطوط التجميع أو جمع البيانات ليحل محل الإنسان بالكامل، بعض الأمم ربما تعتمد نظام (UBI) أو الدخل الأساسي العالمي وهو نظام يدفع راتبًا صغيرًا للمواطنين بشكل منتظم مع عدم وجود شرط للعمل للتغلب على البطالة التي سيتسبب بها ذلك التغيير.

ربما لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تعويض وجود البشر في بعض المجالات كالطب مثلًا، يتوقع الخبراء بأن السيناريو الأقرب هو أنه سيساهم في تحسين بيئة العمل، بل سيذهب أبعد من ذلك إلى التأثير على المستوى الجسدي فيمنح عمال المصانع القدرة على القيام بأعمال تتطلب قوة خارقة، ما يعتبر مثاليًا للأعمال التي فيها حمولات ثقيلة حيث يقلل من مخاطر العمل.

الطباعة ثلاثية الأبعاد:

تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد في عديد المختبرات حول العالم اليوم بسبب الطلب المتزايد عليها، وبينما تعتبر تكلفة الطابعات كبيرة يتم التعامل معها كاستثمار على المدى الطويل كونها تستطيع غالبًا طباعة قطع غيارها، بل هي قادرة على طباعة أي شيء بداية بالأجهزة الحيوية وحتى الأبنية، من المرجح إننا سنجد لها وظائفًا في عدة من نواحي حياتنا بالإضافة للمجالات الصناعية.

الطب في نقلة نوعية تكنولوجية:

بعض العمليات الجراحية التي تعتمد على التطور التكنولوجي تستعد لتحوّل وتغيّر الطب، وباستخدام منهج الطب الدقيق (والذي يعتمد على البيانات الجينية للمريض، ونمط حياته، والبيئة المحيطة به لتزويد طرق العلاج بالمعلومات اللازمة) حيث يطور العلماء علاجات فردية تتناسب جينيًا مع كل مريض على حدة.

إن علم الأورام ليس المجال الوحيد الذي يهدف لإنقاذ حياة البشر، حيث أن تطور الصحة الإنجابية بدأ فعلًا أمام أعيننا مباشرة، عام 2017 قام الباحثون باختبار نمو لجنين حمل في ما يمكن اعتباره نموذجًا أوليًا من الرحم الاصطناعي، ولدت امرأة بشكل طبيعي بعد عملية زراعة رحم، وغيرها ولدت جنينًا كان مجمدًا لمدة 24 عامًا، كما إن تقنية تعديل الجينات (CRISPER) من الممكن أن تعني أن العديد من الأمراض الجينية يمكن أن تصبح مجرد ماضي بحلول عام 2118، حتى الحالات التي اعتبرت سابقًا غير قابلة للعلاج.

بعد قرن من الآن، الأمراض الرئيسية مثل السرطان، والاضطرابات المناعية والالتهابات، والأمراض الوراثية «من الممكن أن تكون رحلت منذ زمن طويل إما بالوقاية أو بالعلاج» كما يقول الأستاذ في مركز أبحاث كلينيك في جامعة ماكجيل فيل غولد (Phil Gold).

ولكن هذا لا يعني أن المستقبل سيكون صحيًا تمامًا، فالعوامل الخارجية من الاحتباس الحراري إلى الأمراض المعدية والحروب يمكن أن تقلل من متوسط العمر المتوقع للإنسان.

ولكن الخبر الجيد هو أنه من المتوقع أن تتحسن أساليب التشخيص أيضًا، فيتوقع البعض بظهور أدوات تشخيص مبكرة غير جراحية للسرطان.

ارتفاع معدلات الحرارة على الكوكب:

بدأ التغير المناخي بالتأثير على كوكبنا فعلًا حيث أظهرت دراسة في عام 2015 أن الصيف البارد في جرينلاند (Greeland) ربما يصبح بلا ثلج إطلاقًا بحلول عام 2050، كما أن الأحداث الجوية القاسية أصبحت متكررة وفتاكة، متوسط ارتفاع البحر سيرتفع حوالي قدمين أو ثلاثة بحلول عام 2100 ليشرّد حوالي 4 مليون إنسان حول العالم، كوكب الأرض في وسط أزمة مناخ لن تتحسن إلًا باتخاذ إجراءات مستمرة ومتعمدة.

عبر العقود الماضية كان التحسن يسير بشكل بطيء، عندما تم وضع اتفاقية المناخ في باريس في 2015 كانت تهدف لتخفض معدل ارتفاع الحرارة العالمي إلى حوالي 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية).

أظهر بحث جديد في لندن بأن لدينا فرصة 66% أن نصل إلى هذه المرحلة في عام 2100 إذا ما حددنا انبعاثات الكربون بمقدار 240 مليار طن، نأمل أن نقلع عن عادة تلويث الجو بالكربون خلال مرحل زمنية ممتدة بدلًا من القيام بتخفيضات كبيرة مفاجأة حيث أن ذلك يصعب حدوثه فعلًا لأسباب تكنولوجية وسياسية.

استكشاف النظام الشمسي وما خلفه:

على الرغم بأننا قمنا بتقدم هائل خلال القرن الماضي؛ إلا أننا ما زلنا مسحورين (وخائفين بشكل غامض) باحتمالات ما يمكن أن يوجد في هذا الكون، فخلال القرن القادم لا شيء سيشوق ويتحدى الفضول البشري أكثر من التقدم الذي نحققه في اكتشاف الفضاء.

الحديث قائم حول إرسال بشر إلى المريخ وما بعده مع احتمالات إقامة مستعمرات على الكوكب الأحمر خلال القرن القادم، إن مئة سنة ليست بالفترة الطويلة للقيام بخطوة مماثلة وخاصة أننا لسنا متأكدين تمامًا كيف ستكون ماهية حياتنا عليه في حين أن استصلاح الكوكب ربما يسمح لنا بتكييفه ليتناسب مع حاجاتنا بشكل أفضل، لكن لا يزال علينا الوصول إليه أولًا.

يقول عالم الفيزياء الفلكية وأستاذ في جامعة كولومبيا البريطانية جيمي ماثيوز (Jaymie Matthews): «مع عام 2118 ستكون فكرة الحياة الفضائية حقيقة علمية وتاريخية ولكن ما يصعب توقعه فعلًا هو كيفية تعامل البشرية مع الموضوع، هل سيجعلنا ذلك أكثر تواضعًا؟ (لو كنا نوع من عديد الأنواع)، أو أكثر تكبرًا وغرورًا؟ (لو كنا قمة الهرم التطوري في مجرتنا درب اللبانة) أم أكثر خوفًا (لو لم نجد سوى الميكروبات).. أو أن ذلك سيساعدنا على احترام وتقدير أصولنا التطورية؟».


  • ترجمة: أسامة ونوس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر