أظهرت شهادة الرئيس التّنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ أمام الكونغرس أحد أهمّ القضايا في وقتنا الحالي، وهي الاستحواذ على البيانات من قبل الشّركات الرّقميّة وعدم وجود قانون لتنظيمها، وجوهر القضيّة يتّضح في هذا الحوار..

السيانتور أورين هاتش: كيف تُبقي على مشروعٍ تجاريٍّ، لا يدفع المستخدمون أموالًا لقاء الخدمات التي يتلقونها بفضله؟

زوكربيرغ : سيانتور، نشغّل الإعلانات.

إذاً، لنضحك على هذا الرجل العجوز الذي لا يعرف كيف يكسب فيسبوك المال، الحوار أثار موجةً عارمةً من السّخرية ، إذْ شُبِّه ذهاب زوكربيرغ إلى الكونغرس بشخص يذهب إلى منزل أجداده ليقدم لهم الدّعم التّقني.

لكن هذا السّؤال وإجابته أظهرا الهوّة الكبيرة بين العالم القديم والعالم الجديد، فقد سأل السيناتور أورين هاتش سؤاله بكلّ براءة، إذا كنت تقدم خدمة كيف تقدمها بشكلٍ مجانيٍّ؟

والإجابة كانت أنّ فيسبوك ليس بمعرض تقديم خدمات للأشخاص فقط، وإنّما يجمع بياناتهم أيضاً.

حياتك للبيع

المُنظّر الإعلاميّ والكاتب دوغلاس روشكوف كان من بين الأوائل الّذين أشاروا لهذه النّقطة في 2011 حيث قال “فيسبوك؛ أنت المُنتَج و ليس الزّبون”.

زبائن فيسبوك هم المعلنون، و قد أنشأ فيسبوك منصّة مصمّمة لمساعدة المعلنين في استهداف زبائنهم “بشكلٍ استقصائيّ”، وهذا غير محصورٍ بالبيانات التي يُدخلها المستخدم على فيسبوك، إنّما تتضمّن البيانات التي “يودعها” المستخدم عندما يُنشئ حسابًا على فيس بوك، والمشتريات التي قام بشرائها، وقوائم الأشياء التي بحث عنها أيضًا.

بصورةٍ ما، هذا هو ما قامت به شركة كامبريدج أناليتكا، إذْ استخدمت فيسبوك لاستهداف مستخدمين محدّدين بمحتوى يتوافق تمامًا مع الشّكل الّذي صُمّمت المنصّة عليه، فلم تكن تبيع حقيبة بجيوب لطيفة إنّما كانت تروّج لحملة ترامب الانتخابية و موضوع بيركسيت ( خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).

الآن فقط وعندما رأينا أخيرًا مدى التّلاعب بالثّقافة بدلًا من خيارات الشّراء، بدأنا بالتّساؤل عن الغموض الأخلاقيّ لهذا النّموذج، الذي نكون فيه نحن وبياناتنا مُجرّد منتجات تُباع و تُشترى.

التّنظيم هو الخطوة التّالية

بلا شكٍّ ظهر زوكربيرغ كالحمل الوديع في المقابلة أمام الكونجرس، لكن الاستجواب كان سخيفًا وعديم الفائدة.

هذه هي بدايةُ عمليةٍّ يمكن أن تنتهي بتنظيم حازم و تحويليّ لممارساته التّجارية أو على الأقلّ صراعٌ بين فيسبوك و الحكومات حول هذا التّنظيم.

لكن هنالك مشكلة في ذلك، ليس فقط فيسبوك، فمع أيّ خدمة تستخدمها على الانترنت بشكلٍ مجانيّ – بما في ذلك كل خدمات جوجل ( الوثائق، بريد Gmail، البحث) و كل خدمات التواصل الاجتماعي ( سناب شات، تويتر، واتساب) و حتى البريد الإلكتروني Hotmail- فإنّ بياناتك عرضة للبيع و الشّراء، وحالما نبدأ بإثارة هذه المسألة، عندها سيبدأ كبار الّسن من أمثال السيناتور أورين هاتش بإدراك كمية التغلغل لحصاد البيانات، والاستهداف العكسي، ونشر ملفات الارتباط (cookies) و غيرها من الممارسات الأخلاقيّة الغامضة في الصّناعة الرقميّة..و إلى أين سيأخذنا كل ذلك؟

بالطّبع، سيكون هنالك نقاشات معمّقة حول هذا التّنظيم، لكن من سيكون مسؤولًا عن ذلك كلّه؟ وفي أيّ ولاية أو أيّ دولة ستُعتبر هذه الممارسات جريمةً؟، وهل ستحترم هذه الشركات أو تقبل بهذا التّنظيم عندما يصدر؟

نحن نتحدّث عن أقوى الشّركات على وجه الأرض، ألفابيت Alphabet، مايكروسوفت، فيسبوك – حتى أمازون تستخدم البيانات للاستهداف و التشخيص-  جميع هذه الشّركات صُنّفت في قائمة العشرة الأوائل من حيث القيمة السّوقية.

وعلى الرّغم من ذلك، لوحظ أنّ زوكربيرغ شهد أمام الكونجرس الأمريكي و شركة كامبريدج أناليتكا (مقرها في المملكة المتحدة)، فهو يعتبر نفسه أعلى من قانون المملكة المتحدة و مؤسّساتها، إذْ رفض الشّهادة أمام لجنة مخصّصة من برلمان المملكة المتحدة لثلاث مرّات، لذلك وبالرّغم من أهميّة التّنظيم و مناقشته والّذي أصبح ضرورة ملحّة، إلّا أنّ القليل فقط منه يمكن أنْ يُطبق بشكل حقيقيّ.

فيسبوك قد يُضيّق من أدوات الخصوصيّة وواجهة المستخدم، لكنّ جوجل تنفست الصّعداء لأنها لم تكن مُستهدفة في هذه المرة.

وسنبقى نحمّل هذه التطبيقات، التطبيقات التي تمتصّ بيانات مواقعنا الجغرافية، وحساباتنا على فيس بوك، وتقارنها بالأحداث التي قد نستمتع بها في المنطقة المحيطة بنا، بناءً على المعطيات التي أخذتها منا.


  • ترجمة: مازن سفّان.
  • تدقيق: سهى يازجي.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر