بصراحة، فكرة أن هذا الشخص الفوضوي الغريب هو أقوى رجل في العالم هي فكرة مرعبة لعدة أسباب، أحد أهم جوانب الرعب في وصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة هو تجاهله الفاضح للعلم.

دعونا نلقي نظرة على كل النظريات العلمية والحقائق التي يزعم دونالد ترامب ومستشاروه غير المؤهلين عدم تصديقها.

التغير المناخي:

منذ عدة عقود كان الحزب الجمهوري -الذي يُعدّ ترامب بحكم الواقع قائده حاليًا -صدّق أو لا تصدّق- مناصرًا للعلوم، ومع هذا، بسبب دعمه لإنتاج الوقود الأحفوري، سرعان ما انقلب هذا الحزب إلى منظمة سياسية تعتبر التغير المناخي ليس إلا كذبًا يُلفّقه علماء متآمرون ومتعصبون بيئيون.

بالطبع، هذا خط سخيف ليُؤخذ به، لكن ترامب تبنّى هذا الخط بوفاء كبير، إذ اعتبر التغير المناخي بفعل البشر مؤامرة تُحاك منذ زمن بعيد حتى قبل أن تبدأ حملته الانتخابية، متبنّيًا بشكل مسيء للسمعة الكلام القائل أن الصينيين هم من يفبرك هذا الأمر حول التغير المناخي لإضعاف الصناعات الأمريكية.

هذا يبدو كنكتة سمجة بالنسبة للحكومة الصينية لتأخذ به، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصينيين وافقوا على الحضور إلى مؤتمر باريس الاستثنائي الذي عُقِد ليخفّف من الآثار البشرية التي تسبب التغير المناخي.

يبدو أن هناك جمهرة كبيرة من المنظمات العلمية التي تعلّق على هذا الطيش، إذ أنشأ العلماء بيانات تدل على الرابط الواضح بين انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي.

ترجمة التغريدة: «حسنًا لقد بدأت السنة الجديدة، لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».

منذ نهاية الانتخابات التعيسة، بدت نبرة كلام ترامب أقل حدة بخصوص علم المناخ، إذ صرح أنه يوجد “نوع من الاتصال” بين التغير المناخي والنشاط البشري، بالمقابل يبدو أنه لا يعرف أي شيء حول هذا الموضوع، فقد صرّح أن الرياح هي قوة مخادعة، فتوربينات الرياح تقذف بالحديد إلى الغلاف الجوي؛ بالتأكيد التوربينات لا تفعل ذلك!

مجلس ترامب الاستشاري مليء بمُنكري التغير المناخي، كما لو أن فكرة إنكار التغير المناخي هي مؤهل أساسي ليحظى الشخص بثقة ترامب ويتولى منصبه في المجلس.

قسم من هؤلاء المستشارين يُموَّل عن طريق تكتّل شركات إنتاج الوقود الأحفوري، بمن فيهم شركة موراي للطاقة (Murray Energy Corporation) أكبر مجموعة لإنتاج الفحم في الولايات المتحدة الأمريكية.

على سبيل المثال، فإن الرئيس المقبل لوكالة الحفاظ على البيئة (EPA) سكوت برويت؛ وهو مدعٍ عام وله ثأر مع الوكالة إذ إنه أمضى معظم مسيرته المهنية محاولًا مقاضاة الوكالة لمحاولتها نشر قضية انبعاثات الغاز على نطاق عالمي، أحد التحليلات يقارن هذا التعيين بوضع مفتعل الحرائق على رأس جهاز الإطفاء.

وبعدها لديك الفوضى المدمرة المسماة ريك بيري، الذي فشل في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية مرتين متتاليتين، فهو معروف بأنه سيفشل في تذكّر ما سيُسند إليه من مهام وهي وزارة الطاقة، صرّح سابقًا بأنه يتمنى تفكيك الوزارة، بمعزل عن أنه –عندما فَطِنَ لتصريحه- نسي تذكر اسم الوزارة!

كونه من منكري التغير المناخي، ليس واضحًا كيف سيتعامل مع حقيقة أن الوزارة تقود أبحاثًا في مجال الطاقة النظيفة.

كثاني أكثر مطلق للغازات المسببة للاحتباس الحراري، الولايات المتحدة يجب أن تعمل مع الصين -المسبب الأكبر للاحتباس الحراري- لإيجاد طريقة تخفّف من التغير المناخي.

مؤتمر باريس إطار مهم يمكن الانطلاق منه، لكن ترامب يريد الانسحاب منه وهذا ما سينذر بكارثة على الطبيعة وعلى الاقتصاد العالمي.

ترامب -نوعًا ما- لا يصدق نظريات المؤامرة التي يطلقها حول التغير المناخي، مع كل هذا فهو يريد بناء جدار حول ملاعب الجولف الخاصة به حتى لا يدمرها ارتفاع منسوب مياه البحار.

معروف عن ترامب أنه من مشجعي استخدام “الفحم النظيف” (حقيقةً هو شيء غير موجود) لإنتاج الطاقة على أساس أنه أرخص في الاستخدام من الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة الثوريّة.

إن إنكار ترامب للتغير المناخي يتم تحفيزه عن طريق سياسات الكسب المالي السريع التي هي بنظره أفضل من سياسة المكاسب طويلة الأمد التي في الحقيقة تساعد في خلق فرص عمل جديدة، وبنية تحتية أفضل، واستقلال في مجال الطاقة، وبيئة أفضل للجيل القادم.

انتبه إلى تعليقاته حول التغير المناخي ستجدها غير مترابطة، إذ من المستحيل معرفة ما يفكر به حقيقةً حول المسألة.

في إحدى نقاط حملته الانتخابية في إنديانا صرّح ترامب: “أنا أؤمن أن الاحتباس الحراري مشكلة كبيرة في بلادنا لكنها ناتجة عن التنوع النووي، وهو الذي يجب علينا الحذر منه”.

ترجمة التغريدة: «يجب أن يتوقف هذا الهراء المكلف جدًا حول الاحتباس الحراري، كوكبنا يتجمد، درجات حرارة منخفضة يتم تسجيلها، وعلماؤنا المختصون بالاحتباس الحراري ملتصقون بالثلج».

– البيئة

عند سؤاله عن الوزارات التي من المحتمل أن يوقفها عن العمل سعيًا للادخار صرّح ترامب لفوكس نيوز: «بالتأكيد وزارة البيئة، أعني أن وزارة البيئة تقتلنا بيئيًا، إنها تدمر أعمالنا».

كما لاحظ ستيفن كولبير فإن وزارة البيئة غير موجودة! حتى وإن كانت موجودة ففي حالة حل الوزارات، الرئيس غير قادر على الإتيان بأي تصرف بهذا الخصوص، على ما يبدو فإن ترامب كان يقصد وكالة حفظ البيئة (EPA) التي تُعنى بالحفاظ على الطبيعة، والحفاظ على جودة المياه والهواء، والحفاظ على صحة البشر، من الواضح أن ترامب لا يهتم بهذه الأمور.

ينوي ترامب إعادة العمل في خط أنابيب النفط كي ستون إكس إل (Keystone XL) الذي أوقفه الرئيس أوباما عن العمل، كما أن ترامب من مشجعي طريقة “التحطيم”؛ وهي طريقة مثيرة للجدل في استخراج الغاز الطبيعي، خط الأنابيب وطريقة “التحطيم”- أمران مدمران للبيئة، لكن بالنسبة لترامب فإن هذه الأمور لا علاقة لها بالبيئة.

أيضًا لديك رايان زينكه، وزير الداخلية الجديد اللامع، الرافض القوي للقبول بصحة العلوم المناخية، الذي وُضع على رأس جهاز حماية الأراضي الفيدرالية، هذا عار! على اعتبار أنه أمضى معظم مسيرته المهنية يُناصب العداء لأي طريقة تحمي البيئة وأيضًا فهو من كبار مناصري استخدام الوقود الأحفوري.

– اللقاحات

يبدو أن دونالد ترامب يؤمن أن التلقيح يصيب بالتوحد.

هذه فكرة فاضحة تُعزى إلى عديم الضمير أندرو وانكفيلد الذي نشر ورقة بحثية في الصحيفة الطبية “لانفيست” يربط فيها ما بين لقاح MMR (لقاح الحصبة والنكاف) والإصابة بالتوحد، ويبدو أن ترامب يستخدم هذا الرابط ليدعم وجهة نظره.

خلال مناظرة تلفزيونية للحزب الجمهوري قال ترامب: «الناس الذين يعملون عندي، أخبروني أن طفلًا جميلًا بعمر السنتين ذهب للحصول على اللقاح وعاد بعد أسبوع ليُصاب بحمى شديدة، إذ مرض بشدة، وبعدها أُصيب بالتوحد».

الرابط بين التوحد واللقاح هو بالطبع محض هراء، لكن نشر مثل هذه الأكاذيب يعني أن الناس الذين على وشك تلقيح أبنائهم يمكن أن يتساءلوا عن الرابط بين اللقاح والإصابة بالتوحد.

كعاقبة مباشرة لنشر هذه الأكاذيب من قبل منظمات غسل الأدمغة وداعميها السياسيين حدث تفشٍّ لمرض الحصبة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان.

منذ بداية الانتخابات التقى ترامب بروبرت كينيدي الابن لمناقشة إمكانية إقامة مؤتمر حول التوحد؛ الأمور لا تبشر بخير.

– النوم


ترجمة التغريدة: «أخبار كاذبة -مطاردة سياسية كاملة!».

أعلن ترامب بكل فخر ولمرات عدة أنه لا يحتاج إلى قسط كبير من النوم، وقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2016: «أنت تعلم، أنا لا أنام كثيرًا، أفضّل ثلاث ساعات أو أربع وبعدها أستيقظ، هذا يلائمني، أريد أن أعرف ماذا يجري من حولي!».

أظهر بحث مؤخرًا أن النوم القليل يقلل من قدرة الشخص على التفكير بعقلانية، والتحكم بالمشاعر وأيضًا عدم القدرة على التمييز بين الخيارات الأخلاقية واللاأخلاقية، كما أن الذاكرة طويلة الأمد للأشخاص قليلي النوم مقيّدة بشدة، إذ أظهرت دراسة أن البقاء نحو 18 ساعة بدون نوم تُضعف الأداء المعرفي كما لو أن الشخص ثَمل، لذا إذا صَدَق ترامب بشأن معدل نومه فسيبدو كثمل حقيقي عندما يتخذ قرارات -من داخل البيت الأبيض- تغير مسار العالم.

ترامب الثمل مع إصبعه القابض على الزر النووي لن يقدر على كبح جماح نفسه.

– الفضاء

بشكل عجيب، فإن ترامب لا يعتقد أن الأرض مسطحة، أو أن الهبوط على سطح القمر مزيف، لكنه يبدو غير متحمس لمحاولات وكالة الفضاء الأمريكية NASA لاحتلال النجوم حتى وإن وصف الوكالة بكلمة “رائعة” في ملتقى ريديت Reddit لطرح الأسئلة.

بالعودة إلى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 سأل ولد يبلغ من العمر عشر سنوات ترامب عن رأيه بناسا فأجاب: «الفضاء مكان مهيب» متابعًا بتفخيم نبرة صوته: «الآن لدينا مشاكل أكبر، هل تفهم هذا، يجب علينا أن نتجاوز الصعاب، أنت تعلم أنه ليس لدينا ما يكفي من المال».

الولايات المتحدة الأمريكية أغنى دولة في العالم بناتج محلي يصل إلى 17.9 تريليون دولار وهو ما يعادل تقريبًا ضعفي ناتج الصين، ومنذ عام 2009 اقتصاد أمريكا أصبح أقوى فأقوى وجزء من هذه القوة يُعزى إلى ناسا؛ هذه الوكالة العظيمة التي إن أنفقت عليها دولارًا واحدًا فهي تعيده لك 10 دولارات، لذا فإن تمويل ناسا لا يساعدنا فقط في اكتشاف الكون بل يرفع قيمة الاقتصاد.

حالياً ميزانية ناسا هي ٪؜0.4 من الميزانية الكلية، أما على الجانب الآخر فإن ميزانية الدفاع تقتطع 12.6٪؜ من الميزانية الكلية وهذا يعني أنه يمكن تمويل 29 ناسا بميزانية الدفاع، هناك بشكل واضح أموال كافية لتمويل ناسا، لنكن صريحين يجب أن يرتفع تمويل ناسا.

ربما تعرف أن ناسا تنفق مليارات الدولارات على أبحاث حول كوكب الأرض وبشكل خاص التغير المناخي، لذا فمن العار أن تحاول إدارة ترامب إيقاف تمويل قسم أبحاث الأرض في وكالة ناسا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مستشار الرئيس لشؤون الفضاء يقول أن علوم الأرض هي علوم سياسيّة بحتة!

 

جدار من التجاهل

إذن ربح ترامب الجائزة الكبرى. منذ 20 يناير/كانون الثاني 2017 ونحن في ورطة، ومن الصعب إخبارك كم من نقاط التصويت كانت لصالح ترامب وكم من التعاطف كسب من مناصريه.

كما قلنا سابقًا فإن ترامب خطر كبير على الإرث العلمي الأمريكي.

يخطط ترامب للتسبب بكثير من الأذى لكنك لست ضعيفًا لتوقفه، صوّت لمشرعي القوانين الذين يهتمون بشكل حقيقي بالعلم، اجعل صوتك مسموعًا، ادعم الأبحاث بأي طريقة، وقِف بقوة ضد سياسات الجهل حيثما برز وجهها القبيح.

تذكر أن ترامب كتب مرة أن الجدل على المدى القصير قابل للنسيان، في حب العلم أيها الناس لا تقفوا مكتوفي الأيدي.


  • ترجمة: مازن سفّان.
  • تدقيق: رزان حميدة.
  • تحرير : إيناس الحاج علي.
  • المصدر