الإجابة المختصرة هي لا، هذا يخرق كل ما نعرفه ومتأكدون من صحته في الفيزياء.

يمكن تشبيه المحرك الذي يتجاهل مبدأ لكل فعل رد فعل بالصندوق المغلق الذي يستطيع التحرك من تلقاء نفسه دون أن يلمس أي شيء أو ينتج عن حركته أي عوادم أو مخرجات. أمثلة على ذلك النوع من المحركات أسطول السيارات الطائرة الصامتة والأجسام الفضائية التي تطفو في أفلام الخيال العلمي.

تكمن مشكلة تلك المحركات أنها تتعارض مع قانون نيوتن الشهير لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه. لتتمكن من الحركة إلى الأمام تدفع بقدمك الأرض في الاتجاه المعاكس. لتحرك قاربك في الماء للأمام تدفع الماء للخلف. تلك الأشياء التي تدفعها أثناء حركتك تسمى كتلة رد الفعل.

ينطبق هذا القانون على كل مكان بما في ذلك الفضاء. ولذلك إذا أردت أن تتحرك في الفضاء حيث لا يوجد أي شيء يحيط بك لتدفعه يجب أن تجلب معك كتلة رد الفعل الخاصة بك. ولذلك تستخدم الصواريخ في الفضاء بدلًا من المراوح والبدالات؛ الصاروخ ما هو إلا أداة لقذف الكتلة.

ولكن تعد الكتلة سلعةً باهظة الثمن في الفضاء. في الوقت الحالي يكلف نقل الأشياء إلى المدار المنخفض حوالي 2000 دولار لكل كيلوغرام، وهو سعر أقل بكثير من السعر الذي كان منذ بضع سنوات. ولذلك كلما كان الصاروخ أخف في الوزن كان أفضل. في الغالب معظم كتلة الصاروخ هي في وقوده، أي في كتلة رد الفعل، لتقليل تكلفة الرحلة يجب تقليل تلك الكتلة. الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك في الوقت الحالي هي بزيادة كفاءة استخدام الوقود. إذا استطعت قذف المواد بضعف السرعة ستضاعف قوة دفع الصاروخ. لتحقيق ذلك، نعتمد على حرق الوقود بدرجة حرارة أكبر وتحت ضغط أعلى؛ بالتالي يخرج العادم بسرعة أكبر.

في الصواريخ الحديثة يخرج العادم من مؤخرة الصاروخ بسرعة تتراوح بين 2 و 3 كيلومتر في الثانية. ولكن لا يشترط أن تكون كتلة رد الفعل وقودًا، يمكن أن تكون أي شيء. محركات الأيونات يمكن أن تطلق الغاز المؤين بسرعات قد تصل ل 50 كيلومترًا في الثانية، وهو ما يعني أنها يمكن أن تحتاج لكتلة رد فعل أقل بكثير. مركبة الفضاء العاملة بمحرك الأيونات تمتلك ميزةً مضاعفةً، بالإضافة لكونها تطلق المادة بسرعة أكبر، كذلك نظرًا لكونها تحمل كميةً أقل من المادة سيكون حجمها أصغر وبالتالي أسهل في الدفع.

ولكن تتمثل مشكلة محرك الأيونات في أنه يستطيع إخراج كتلة رد الفعل بكميات صغيرة جدًا في كل مرة. يستطيع أقوى محرك أيوني أن يولد حوالي 25 غرامًا من القوة. طائر الدرة (نوع صغير من الببغاوات) يزن في المتوسط حوالي 35 غرامًا، وبما إنه يستطيع الطيران يمكننا القول إنه يولد قوةً أكثر من أفضل محرك أيوني متوفر حاليًا.

نظرًا لكل تلك التحديات وقلة الكفاءة، ألن يكون من الرائع التوصل لنوع جديد من المحركات والتي لا تحتاج إلى كتلة رد الفعل إطلاقًا؟ لن تقلق بشأن نهاية الكتلة أبدًا، كل ما تحتاجه هو مولد طاقة وتستطيع الطيران طالما شئت.

حسنًا، لن نقول أن المحركات دون دفع مستحيلة. هناك بعض الطرق للطيران دون حمل كتلة رد الفعل. على سبيل المثال يمكنك أن تستخدم الضوء كدفع لك (محرك الفوتونات)، ولكن كما ستلاحظ فمؤشر الليزر أو الكشاف الضوئي لا يحتوي على الكثير من الدفع (قوة الدفع الناتجة عن الضوء ضعيفة جدًا). كما يمكنك أن تستخدم الكواكب كمقلاع يقذف بالمركبة، في هذه الحالة يعتبر الكوكب نفسه كتلة رد الفعل.

مشكلة المحركات التي لا ينتج عنها رد فعل أن قانون نيوتن الثالث لا يوجد له أي استثناء (للدقة لا يوجد استثناء معروف). فهو واحد من أكثر القواعد العلمية ثباتًا ويعتبر أساس فهمنا للكون. في الحالات النادرة التي ظن البعض أنهم وجدوا استثناءًا لهذا القانون، ظهر دائمًا أنهم لم يأخذوا أحد العوامل في الحسبان. على سبيل المثال عندما ينقسم النيوترون إلى بروتون والكترون؛ لا يطير الجسيمان الناتجان في اتجاهين متضادين تمامًا. وتكون محصلة زخم الجسيمين غير مساوية لزخم الجسيم الأصلي.

عندما ينحل نيوترون ثابت (باللون الرمادي) إلى بروتون (باللون الأحمر) والكترون (باللون الأزرق) يطير الجسيمان مبتعدين عن بعضهما البعض ولكن في اتجاه واحد. طبقًا لقانون نيوتن الثالث يجب أن يكون هناك جسيم ثالث يتحرك في الاتجاه الآخر ليعادل حركة الجسيمين الآخرين.

طبقًا لقانون نيوتن الثالث يجب أن يتواجد جسيم ثالث يطير في الاتجاه الآخر ليعادل هذا الزخم. وكانت تلك الفرضية حقيقية. وبالرغم من أن ذلك الجسيم الثالث المفترض منذ عام 1930 كان صعب التحقق من وجوده، إلا أن النيوترينو تم اكتشافه والتأكد من وجوده بالفعل عام 1956. كان هذا الخرق لقانون نيوتن الثالث وعدم تعادل الزخم نتيجةً لعدم معرفتنا بجسيم ثالث في المعادلة. الآن أصبحت النيوترينوات أحد الطرق الأربعة لاستكشاف الفضاء، مع الضوء وموجات الجاذبية، والذهاب مباشرة إلى المكان المراد استكشافه.

هناك العديد من الأفكار حول محركات تعمل دون رد فعل، مثل تأثير وودوارد (Woodward Effect)  أو محرك ألبيكوري لالتواء الفضاء (Albecurrie warp drive). ولكن أيًا من تلك الأفكار لا تستخدم علمًا مثبتًا؛ تأثير وودوارد يعتمد على مبدأ ماخ (بأن القصور الذاتي سببه كل المادة الموجودة في الكون بشكل ما)، بينما محرك ألبيكوري يحتاج للكثير من الطاقة السلبية، وهي ليست شيئًا حقيقيًا بالفعل.

يتمحور العلم حول تعلم ما لا نعرفه ومحاولة إثبات خطأ نظرياتنا الشخصية. بينما يحتاج الاكتشاف العلمي لكثير من الإلهام، إلا أنه العكس تمامًا من الذي نتمناه. ومع هذا، العلم الجيد هو أن نبقي أفكارنا متفتحةً لوقت أطول مما يقدر أي شخص عادي.

في المعركة الكبرى بين الفيزيائيين النظريين والفيزيائيين التجريبيين ينتصر التجريبيون دائمًا. ولذلك إذا استطاع شخص واحد أن يبني محركًا يتحرك من تلقاء ذاته دون رد فعل، ستنهار كل النظريات التي تنص على استحالة الوصول إليه. ولكن حتى الآن تبقى نظريات الفيزياء التقليدية ثابتةً. نتوقع أن يكون لكل المركبات الفضائية ذيل من العادم.


  • ترجمة: جورج فام
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر