كتب ج.ك.تشيسترتون: «إنسان عاش وأحبه الناس، سقط ميتًا وأكلته الديدان. هذه باختصار هي المادية إن كنت من أتباعها». أود أن أشكر مايكل جيرسون، الذي أثار عموده الأخير في صحيفة واشنطن بوست انتباهي حول الفكر الديني.

وردًا على السيد تشيسترتون، أقول ودون تردد: أنا من أتباعها.

بالنسبة لجيرسون وغيرهم من أتباع الإنجيل، بل وحتى بالنسبة لمعظم الناس الذين يعتنقون أي معتقد ديني بشكل متشدد، لا يمكن بالنسبة إليهم تصور أن البشر مجرد كائنات مادية، وأنه بعد الموت، فإن المخلوق (سواء أكان فرس نهر أو سمكةً أو إنسانًا) إذا مات؛ فهذه هي النهاية بالنسبة له، ولا شيء يُذكر بعد ذلك.

وما لا يمكن تصوره أيضًا من قبل المؤمنين؛ كيف أن الجميع ليسوا على وفاق معهم.

وإن هذه الاعتقادات ليست إلا مسألة “إيمان” بكل معنى الكلمة.

وهذا الاعتقاد يتمثل ببساطة في أنه يجب أن يكون هناك شيء أكثر يمكن الحصول عليه، إن لم يوجد في الحياة فيمكن أن يوجد بعد الموت.

والاعتقاد أيضًا أنه بعد الموت، يبقى الجزء غير المادي من الشخص (الروح) على قيد الحياة، وتنتقل إلى الجنة أو النار، بحسب (تعاليم المسيحية التقليدية)، أو ربما تنتقل الروح إلى جسم آخر، من المحتمل نوع مختلف تمامًا، اعتمادًا على أفعال الخير التي قدمها أثناء وجوده في الحياة، بحسب معتقدات (الهندوسية).

في أي طريقة كانت، فإن الخوف من الموت ورفض قبوله كنهاية حتمية كان عاملًا محفزًا ورئيسيًا للإيمان في كل دين تقريبًا.
أرني الطريقة التي يتبعها دين ما في تفسير نهايتك، وسأريك الحقيقة العلمية بالمقابل، والتي تتمحور في تخلصك بيولوجيًا وجسديًا، وهذه هي النهاية، ولا شيء بعدها.

إنه لمن الغرابة أن يعتقد الناس على الدوام أن هناك شيء بعد الموت، على الرغم من أنه لا يوجد دليل على ذلك، بالمقابل توافر العديد من الأدلة على أنها ليست سوى أسطورة.

هذه ليست رؤيتي فقط، بدافع من الإلحاد المتشدد، ولكن هذا الاعتراف موجود وله تاريخ طويل في الفكر الغربي (لست مخولًا بالحديث عن التقاليد الشرقية في هذا الصدد).

قرأنا في كتابات أفلاطون حول الروح أن: «هناك طفل داخلنا يعتبر الموت جنيٍّا عليه أن يقنعه ألا يخاف عندما يكون وحيدًا في الظلام».

إن التفكير في الموت والبقاء وحيدين في الظلام يصيبنا جميعًا، لكن مع ذلك، ألم يحن الوقت لنكبر ونكف عن كوننا ذاك الطفل الذي تحدث عنه أفلاطون؟

إن الموت حقيقة، أما الجن فليس كذلك، إلا في أذهان غير القادرين أو غير المستعدين لمواجهة حقائق الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وفي الحقيقة، وبكل بساطة، لا يوجد سبب لاعتناق عكس ذلك.

هناك بطبيعة الحال مغزى في معنى الحياة بعد الموت، مدعوم علميًا ويتمحور بالتحديد حول البيئة.

ومن المثير للاهتمام على نطاق واسع، أن ذلك يبني لنا حقيقة مفادها أن جزيئات الجسم والذرات المكونة له نادرًا ما تنفصل وتتفكك، وبدلًا من أن تنتهي أو تتفكك، فإنه يعاد تدويرها حرفيًا في معظم الأحيان، على المدى القصير، إلى جزء من أجزاء البيئة غير الحية، إذا لم يكن حتى إلى الكائنات الحية الأخرى.

هذا ليس صحيحًا فحسب، بل مُلهم أيضًا؛ لأنه يوسع حدود “الأنا” ويجعلها تشمل كل شيء.

في الوقت ذاته، قد يبدو هذا الأمر بمثابة شفاعة أو الشيء “الأكثر” الذي يمكن أن يحصل بعد الموت، لكنه بالتأكيد سيكون بعيدًا كل البعد عن التوق واسع الانتشار، الذي يشترك فيه تشيسترتون وجيرسون والغالبية الساحقة من البشر، في أن ذواتنا العميقة والحقيقية، تحمل بطريقة ما أثرًا أو بصمةً لتجاربنا الفردية التي خضناها في الحياة، وأن هذه البصمة ستبقى موجودةً بطريقة ما أو بأخرى إلى الأبد.

صدق تلك المعتقدات إذا توجب عليك ذلك، ولكن ضع في اعتبارك أنه بغض النظر عما تصدقه، فإن العالم الواقعي غير ملزم بتصديقه أيضًا.

علاوةً على ذلك، إن الجزء غير المادي فينا (الروح)، كما هو الحال بالنسبة لبقية الكائنات الحية، ليس فقط غير موجود، بل إن الاحتمال الغالب أنه غير موجود للضرورة.

أقترح تبنّي هذا الواقع، لأن الواقع هو كل شيء نملكه، وفي هذه الحالة، فإن البديل الأكثر راحةً من الأساطير والخرافات هو الحقيقة بالمعنى الحرفي.

إن المادة، هي الشيء الذي يربطنا بكل الأشياء، الحية والميتة، المُحبة وغير المحبة.

وكما كتب عالم الطبيعة هنري بيستون: «نحن عالقون في شبكة الحياة والزمن».

الكاتب: ديفيد ب.باراش عالم أحياء تطوري وأستاذ علم النفس في جامعة واشنطن، وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان من خلال زجاج أكثر وضوحًا: استخدام العلم لرؤية جنسنا البشري على ما هو عليه في الحقيقة (مطبعة جامعة أوكسفورد، 2018).


  • ترجمة: حسام صفاء
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر