الكلية عضوٌ حساسٌ وبالغ الأهمية في جسم الإنسان، تقوم بطرح القسم الأكبر من السوائل ونواتج الاستقلاب مع البول بالإضافة إلى دورها في التحكّم في ضغط الدم والتوازن الحمضيّ القلويّ وتوازن السوائل والشوارد، ومن وظائفها الهامة أيضًا إفراز هرمون الإريثروبيوتين والذي يُحرِّض نقيّ العظم على تصنيع الكريات الحمراء.

أمراض متنوعة قد تؤثِّر على الكلية وتلحق بها أضرارًا كبيرة كالانسداد البولي، والالتهابات، والأمراض المناعية، والأورام، تتمثَّل خطورة هذه الأمراض بشكلٍ خاص في أنَّ الضرر الذي تُلحقه بالكلية يكون غالبًا دائمًا وغيرُ قابلٍ للعكس؛ لأنَّ النفرونات (الوحدات الوظيفيَّة الفعَّالة في الكلية) غيرُ قابلةٍ للتجديد والتعويض.

يُعرَّف القصور الكلويّ أو الفشل الكلويّ (Renal Failure) بشكلٍ عام بأنَّه عدم قدرة الكلية على القيام بوظائفها سابقة الذكر لأيِّ سببٍ كان.

يُقسّم القصور الكلوي عادةً إلى نوعين رئيسين:

  • قصور كلوي حاد
  • قصور كلوي مزمن

وذلك تبعًا للفترة الزمنية التي تطوَّر فيها المرض، ففي القصور الكلوي الحاد تكون الفترة قصيرة نسبيًا، والأذية التي تلحق بالكلية مؤقتة وليست دائمة، ويمكن استعادة كامل الوظيفة الكلوية إذا عولجت الحالة بشكل مناسب، في حين تكون الأذية والضرر في القصور الكلوي المزمن دائمة ولا يمكن عكسها.

تُقسَّم أسباب القصور الكلوي الحاد إلى ثلاث مجموعات:

أسباب ما قبل كلوية

تشير إلى تروية كلوية غير كافية، أو دوران شريانيّ قليلٍ غير فعَّال، والسبب الأكثر شيوعًا لحدوث هذا النوع من القصور الكلويّ الحادّ هو التجفاف الناجم عن فقدان السوائل الشديد (إسهال، إقياء، أدوية مُدرِّة، التهابات شديدة).

يتطلَّب العلاج في هذه الحالة إصلاح التجفاف وتعويض السوائل بشكلٍ سريعٍ ومدروس، وغالبًا يبدأ التعويض بـ 500 مل سيروم ملحيّ، ومن الأدوية التي تُستخدم في هذا النوع أيضًا الدوبامين؛ لأنَّه مُقبِّضٌ وعائيّ يرفع الضغط ويزيد الجريان الدموي للكلية.

أسباب داخل كلوية

تحدث الأذية هنا على مستوى النسيج الكلوي الحيوي في قشر الكلية (البرانشيم الكلوي)، وتشمل طيفًا واسعًا من الأمراض؛ كالتهاب الكبب الحاد، والتهاب الكلية الخلالي، واعتلال الكلية بالأدوية أو السموم المختلفة، والتنخر الأنبوبي الحاد ATN.

ويتركز العلاج هنا في إعطاء المضادات الحيوية للقضاء على الإنتان في حال وجوده، وإيقاف الأدوية والسموم الضارة بالكلية، وإعطاء مثبطات المناعة في حال كان سبب التهاب الكبب مناعيًا ذاتيًا.

أسباب ما بعد كلوية

هذه الأسباب بمجملها انسدادية؛ كالحصيات البولية، والأورام، سواءً كانت في الكلية والحالب والمثانة والبروستات أو في أعضاء أخرى مجاورة تضغط على السبيل البوليّ، التليُّف خلف البريتوان، الالتصاقات والأذيات الحاصلة بعد الرضوض أو العمليات الجراحيَّة.

وبالطبع، فالعلاج الأساسي هنا هو إزالة الانسداد، والذي غالبًا ما يحتاج إلى تداخلات تنظيريَّة أو جراحية.

في الأنواع الثلاثة السابقة من القصور الكلوي الحادّ قد يحدث اضطرابٌ خطيرٌ في الشوارد الدموية يُهدِّد الحياة ويجب الانتباه له وعلاجه بسرعة، وأهم هذه الاضطرابات الشاردية وأخطرها هو ارتفاع بوتاسيوم الدم والذي يُشكل خطرًا على الحياة إذا تجاوز 6 ميلي مول/لتر.

في القصور الكلوي المزمن يكون الحال مختلفًا؛ لأنَّ الوظيفة الكلوية قد فُقدت ولا يمكن استعادتها والمطلوب هنا هو التعويض عنها ويتم ذلك بطرقٍ مختلفة.

يجب أن يكون العلاج محافظًا (أدوية وحمية) في البداية مع القيام بإجراءات مُساعدة كالحمية ناقصة البروتين والبوتاسيوم والفوسفات والصوديوم واستخدام البيكربونات لتصحيح الحماض الاستقلابي الموجود.

في الحالات المتقدمة يُجرى التحال الدموي (الكلية الصناعية) عن طريق استخدام أجهزة غسيل الكلية والتي تقوم تقريبًا بنفس وظيفة الكلية في استخلاص السموم والسوائل الزائدة من الدم، وهي شائعة الاستخدام حاليًا رغم العديد من المشاكل التي ترافقها؛ كالالتهاب، والاضطرابات العظمية، وفقر الدم الدائم، والمشاكل النفسيَّة.

في السنوات الأخيرة -وبفضل تطور الأدوية المناعية من جهة والتقنيات الجراحية من جهة أخرى- أصبح زرع الكلية هو الإجراء المُختار والاستراتيجية الأكثر فعالية في علاج مرضى القصور الكلوي المزمن في مراحله الأخيرة.

حاليًا، يتم إجراء 15 ألف عملية زرع كلية سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، مع نسب نجاح عالية جدًا، يعتقد البعض أيضًا أنَّ المستقبل القريب سيحمل لنا طرقًا واعدةً وفعالة جدًا في علاج حالات القصور الكلوي المزمن وذلك باستخدام تقنيات الخلايا الجذعية وتطبيقاتها المختلفة.


  • إعداد: د. محمد الأبرص
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر: smith general urology 16th ed