في شهر أغسطس من عام 2008، تعاقدت وزارة الدفاع الأمريكية مع عشرات الباحثين للنظر في بعض تقنيات الفضاء الخارجي، ومنها طرق لم تُعرف من قبل للدفع والرفع والانسلال.

أنجز باحثان تقريرًا مكونًا من 34 صفحة في موضوع الدفع، تحت عنوان: «محرك الاعوجاج، الطاقة المظلمة، والتلاعب بالأبعاد الإضافية».

الوثيقة مؤرخة بتاريخ الثاني من أبريل 2010، إلا أنها لم تصدر إلا مؤخرًا من قبل (وكالة استخبارات الدفاع – the Defence Intelligence Agency).

عرفتها مجلة (Business insider) أولًا من منشورٍ كُتب من طرف بول زولدرا في موقع (Task & purpose).

يقترح المؤلفون أننا قد لا نكون بعيدين عن كشف سر الأبعاد الأعلى غير المرئية والطاقة السالبة أو المظلمة (dark energy) والتي هي طاقة تنافرية يعتقد العلماء أنها تدفع أجزاء الكون بعيدًا عن بعضها البعض بسرعاتٍ متزايدة.

يقول التقرير: «التحكم بهذا الفضاء ذو الأبعاد الأعلى قد يكون مصدرًا للتحكم التكنولوجي في كثافة الطاقة المظلمة وقد يلعب دورًا هامًا في تطوير تقنيات الدفع الغريبة، تحديدًا، محرك الاعوجاج»، ويضيف: «قد تستغرق الرحلات للكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية ساعات بدلًا من سنوات، والرحلات للأنظمة الشمسية القريبة منّا قد تُقاس بالأسابيع عوضًا عن مئات آلاف السنين».

ومع ذلك، كان شون كارول، متخصص الفيزياء النظرية في جامعة كالتيك الذي يدرس ويتابع المعلومات المستخدمة في التقرير، لديه الكثير من الماء البارد ليصُبَّه على المتفائلين بخصوص هذا التقرير.

وقال كارول: «إنها قطع من الفيزياء النظرية تبدو وكأن لها علاقة بالتطبيقات في العالم الواقعي، ولكنها ليست كذلك».

«فالأمر ليس كمعلم روحي يقول إننا سنستخدم الطاقة الروحية لننتقل من الأرض إلى الفضاء، هذه فيزياء حقيقية.

ولكن هذا ليس بالشيء الذي يمكن أن يقترن بالهندسة في الوقت الحالي، في الأغلب ولا على الإطلاق».

جيمس لاكاتسكي، وهو مسؤول في وكالة استخبارات الدفاع مدرج على قائمة جهات التواصل في التقرير، لم يقم بالرد فوريًا على استفسار من مجلة Business Insider الإلكترونية.

من أين جاءت دراسة محركات الاعوجاج؟

طبيعة هذه الدراسة لا تزال تشق طريقها للعامّة.

ما هو معروف هو أنها وثيقة مرجعية (لدعم تهديد الاكتساب – acquisition threat support)، والتي تساعد الجيش الأمريكي على توقُّع أو وصف تقنيات الأعداء –على ما يبدو أنها تضم تقنيات خيالية ونظرية جدًا. –

كما كان أيضًا عملًا واحدًا في “سلسلة من تقارير التكنولوجيا المتقدمة” لشيءٍ يُسمى برنامج تطبيقات نظام الأسلحة الفضائية الجوية المتقدمة.

كان ذلك برنامجًا أكبر يشتمل على برنامج تعريف التهديد الموجود في مجال الطيران – وهو محاولة للتحقيق في تقارير مشاهدة الصحون الطائرة من قبل أفراد عسكريين، وفقًا لقصة أخيرة نشرتها قناة KLAS-TV في لاس فيجاس.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز وبوليتيكو في ديسمبر عن وجود برنامج تحديد التهديد للطيران المتقدم ( AATIP ).

وقالت المصادر إن هاري ريد، السناتور الأمريكي السابق من نيفادا، ساعد في تنظيمه وتأمين الملايين من تمويل حكومي سري – يطلق عليه أحيانًا “المال الأسود” من أجل هذه الجهود.

وكما يُقال، ذهب نصيبٌ كبير من هذه الأموال إلى روبرت بابلو، وهو قطب من أقطاب ملُّاك العقارات الذي يعمل على بناء محطات فضائية خاصة من خلال شركة Bigelow Aerospace.

بيجيلو، وهو صديق رييد، قام منذ سنوات بتمويل أبحاثه الخاصة عن الصحون الطائرة.

قام الملياردير بتشكيل كيان منفصل يدعى الدراسات الفضائية المتقدمة لبيجلو أيروسبيس، لتأمين التمويل الحكومي، واستأجر 46 باحثًا و “عشرات من أفراد الدعم الآخرين” ، حسبما ذكر تليفزيون KLAS.

وقال مسؤول مخابرات كبير مجهول لصحيفة بوليتيكو أن AATIP بدأت في الغالب للبحث في وجود تكنولوجيات عسكرية صينية وروسية غير معروفة. ولكن بعد بضعة أعوام، «كان الإجماع أننا لم نتمكن من العثور على أي شيء جوهري»، كما قال المسؤول.

وأضاف: «أنتجوا رقاقات من الأوراق». «بعد كل ذلك، لم يكن هناك أي شيء يمكننا العثور عليه».

وطبقاً للتقارير ، فقد نفدت الأموال من AAWSAP وAATIP في 2011 أو 2012.

يُشكك العلماء أيضًا في الصحون الطائرة، حتى بعد مشاهدة مقاطع الفيديو المخيفة التي حصلت عليها AATIP، والتي تُظهر واحدة منها في لقاء غير مؤرخ مع «طائرة محاطة بنوع من الهالة المتوهجة التي تسير بسرعة عالية وتلتف أثناء تحركها»، كما كتبت صحيفة التايمز.

قال سيث شوستاك، وهو عالِم فلك كبير في معهد البحث عن علوم الفضاء الخارجي، في وقت سابق لمجلة Business Insider إنه بعد 50 عامًا من زيارات الكائنات الفضائية التي تم الإبلاغ عنها، «فإن أي دليلٍ على حدوث هذه الزيارة ما زال غير صحيح».

وأضاف شوستاك «من الغريب أن تأتي الكائنات الفضائية عبر مئات ومئات السنين الضوئية كي لا تفعل شيئا».

إن البرنامج الأكبر الذي بحث في جدوى محركات الاعوجاج، والثقوب الدودية، وبوابات الانتقال التلقائي، يلاقي تمحيصًا مشابهًا من الخبراء الراسخين.

الفيزياء خلف محركات الاعوجاج

في دراسة محرك الاعوجاج، وضع المؤلفون العديد من الأفكار الراسخة في الفيزياء.

هذه المفاهيم تشمل الطاقة المظلمة والنسبية العامة، التي ابتكرها ألبرت أينشتاين، والتي تنبأت ببعض الظواهر الغريبة ولكن الحقيقية في الكون، مثل تشوه الزمكان وموجات الجاذبية، تأثير Casimir، الذي يصف وجود “الطاقة الفراغية” الكمومية، ونظرية إم- M، وهي فكرة أنه ربما توجد سبعة أبعاد إضافية – التي يمكن أن تستغلها محركات الاعوجاج – قد تكون قد اختتمت في الأربعة الذين نعرفهم، بما في ذلك الوقت.

ثم تقوم بعد ذلك بتجميع هذا الأعمال معًا لوضع استخدام محتمل لهذه الخصائص التي من شأنها إبطال القاعدة الأساسية لأينشتاين: لا يمكن لأي شيء أن يسافر أسرع من الضوء في الفراغ.

وقال التقرير الذي يشير إلى أن محركات الاعوجاج قد تكون مجدية: «إذا كان المرء يفكر بشكل جديّ في فكرة استكشاف الفضاء في الأطوار الزمنية للعمر البشري فإن إجراء تغيير جذري في الطُرق التقليدية لدفع المركبات الفضائية يعتبر أمرًا ضروريًا».

تضمنت الدراسة جدولًا لوجهات مختلفة ومدى سرعة الوصول إليها عن طريق ثني الزمكان للسفر بسرعة أكبر بمئة مرة من سرعة الضوء.

( US Department of Defence via Public Intelligence)

ويقول التقرير إن الطريقة التي قد يعمل بها هي استخدام الكثير من الطاقة المظلمة لتوسيع بُعد إضافي في “فقاعة”.

مثل هذه الفقاعة ستصبح كبيرة بما يكفي لتناسب مركبة فضائية ربما بحجم 100 متر مكعب، تقريبًا بحجم شاحنة نصف آلية.

فالمنطقة المتعاقد عليها من الزمكان أمام السفينة، بالإضافة إلى منطقة موسعة خلفها، ستدفع الفقاعة وتشحن نوعًا من الأنابيب في الزمكان دون تجاوز سرعة الضوء تقنيًا.

يقول كارول أيضا أن مفهوم محرك الاعوجاج “ليس غريبًا” – اخترع ميجيل ألكوباير، الفيزيائي النظري المكسيكي، هذا المفهوم في عام 1994.

وقال كارول: «لا يمكنك أن تسير بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، ولكن ما يمكنك تخيله هو ثني نسيج الزمكان بشكلٍ فعال بحيث يبدو أنك تتحرك أسرع من سرعة الضوء».

«إذا كنت تريد الذهاب إلى نجم Alpha Centauri، على سبيل المثال، يمكنك أن تسأل نفسك:” حسنًا، هل يمكنني أن أثني الزمكان بحيث يكون Alpha Centauri بجانبي، بحيث يستغرق يومًا للذهاب إلى هناك، بدلًا من عشرات آلاف السنوات؟ هل يمكنني جعل الإلتفاف في الزمكان يفعل ذلك؟ والجواب مؤكد ، يمكنك فعل ذلك».

لكن كارول يقول إن تقرير وكالة استخبارات الدفاع يذهب بعيدًا في تحليله.

وقال: «هناك شيءٌ ما يسمى محرك الاعوجاج، وهناك أبعاد إضافية، وهناك تأثير كازيمير، وهناك طاقة مظلمة – كل هذه الأشياء صحيحة».

«ولكن هناك فرصة ضئيلة أن أي شخص خلال حياتنا أو الألف سنة القادمة سوف يبني أي شيء يستخدم أيًا من هذه الأفكار، لأغراض الدفاع أو أي شيء من هذا القبيل».

المشاكل والأخطار للسفر أسرع من الضوء

وقال كارول إن محركات الاعوجاج أُزيلت من الواقع المقبول لأن لا أحد يعرف ما هي الطاقة السلبية أو كيفية صنعها أو كيفية تخزينها، ناهيك عن استخدامها.

ماذا أيضًا؟ كمية الطاقة السالبة التي تحتاجها لتصل لمكانٍ مثل ألفا سنتوري (Alpha Centauri) وهو أقرب نظام نجمي للأرض – التي تبعد 4.367 سنة ضوئية- في سنتين في سفينة حجمها مائة متر مكعب هو رقم ضخم جدًا.

كما قال كارول: «إذا أخذنا كوكب الأرض ثم حولناه تمامًا إلى طاقة، تلك هي كمية الطاقة التي تحتاجها، مع اختلاف أنك ستحتاج الكمية السالبة من ذلك، والتي لا أحد لديه فكرة عن كيفية القيام بذلك».

«نحن لا نتحدث عن أخذ ذرات الأرض وتفتيتها مثلما يفعل النجم الميت، نحن نقصد محوها من الوجود».

يجب الحصول على هذه الطاقة، تخزينها، واستخدامها بكفاءة مئة بالمئة.

«هذا مجنون حقًّا» كما قال كارول، «هذا ليس كأن نقول إننا نحتاج المزيد من الترانزستورات، هذا شيءٌ خارجٌ عن مقدرتنا».
وتقول الدراسة بأن استنتاجاتها تأملية وأن “الطاقة السالبة هي شئ لا يُصدق”، وتضيف: «أن الفهم الحقيقي لماهية الطاقة السوداء سيكون بعد سنين كثيرة».

ومع ذلك، فإنها تقترح “أن الاختراقات التجريبية في مصادم الهادرونات الكبير أو التطويرات في نظرية إم (M-theory) يمكن أن تقودنا إلى قفزة في فهمنا ذلك النوع الغريب من الطاقة وربما إلى اختراعاتٍ تكنولوجيةٍ جديدة”.

و قد مر عقد تقريبًا، ولم تظهر إحدى تلك التطويرات. ومصادم الهدرونات الكبير لم يجد دليلًا على جسيمات قد تحل لغز الطاقة السوداء، والتجارب لم تدعم حقًّا نظرية إم ( M-theory).

ولكن بافتراض أن الطاقة السالبة يمكن أن تُستخرج بطريقة ما، يمكن أن تُغذى قيمة كوكب من المواد الغريبة في محركات الاعوجاج في مركبة فضائية، ويمكن اختيار وجهة مناسبة، وقد يواجه الطاقم العديد من المشاكل التي تقف عند التوقف.

مسافرو الفضاء يُمكن أن يفقدوا التحكم بمركبتهم في نفس لحظة الانطلاق بسبب تشوه نسيج الفضاء نفسه.

يُوجد إشعاع هوكينغ، نظريًا على حواف الثقوب السوداء والأجزاء عالية الانحناء من الفضاء، والذي قد يحرق الركاب أثناء انغلاق انحناء الفضاء.

وإبطاء السرعة يُمكن أن يكون مميتًا، قد تتحول عدة سنوات ضوئية من الغبار الكوني إلى موجة صادمة من جسيمات عالية الطاقة والإشعاع.

كمال قال كارول عن محركات الاعوجاج والسفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء: «من الممكن أنني لا يمكنني استبعاد حدوث ذلك، ولكني لا أظن ذلك ممكنًا».

«أظن أننا لو نعرف الفيزياء بشكلٍ أفضل، سوف نقول: “لا، لا يمكنك ذلك”».


  • ترجمة: إبراهيم محمد جادالله
  • تدقيق: بدر الفراك
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر