للزرنيخ سمعةٌ سيّئةٌ جدًا بسبب خصائصه الضارة، مع ذلك فإنّ بعض مكونات الزرنيخ -بجرعاتٍ مُقاسةٍ بدقةٍ شديدةٍ- يمكن أن تُستخدَم في العلاجات الطبيّة.

وكما يقول الباحثون، فإنّ أحد هذه المكونات يمكنها أن تُساعد في علاج السرطان.

الزرنيخ مُصنفٌ كمادةٍ مُسرطنةٍ، وهي مادةٌ قد يؤدّي وجودها في بيئة الفرد إلى نمو السرطان داخله.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ بعض المُركبات الزرنيخية تمّ استخدامها تاريخيًا لعلاج حالاتٍ طبيّةٍ مختلفةٍ.

أحد هذه المركبات هو أكسيد الزرنيخ الثلاثي الذي ما يزال يُستخدم حتّى الآن، وفي الحقيقة يمتلك هذا المُركب ترخيص وكالة إدارة الدواء والغذاء، واسمه التجاري هو (trisenox).

أمّا الآن، فإنّ الباحثين من مركز بيث في فلسطين ومركز ديكونيس الطبيّ في بوسطن، ومعهد ماساتشوستس يبحثون في إمكانيّة استخدامه في علاج السرطان.

الدكتور كون بنغ لو والدكتور زياو زين زو وزملاءٌ لهم يبحثون عن كيفيّة استخدام هذا المركب، مع دواءٍ آخر -وهو حمض الريتينوئيك المفروق- في علاج اللوكيميا الحادة بخلايا النخاع الجنينية، وهو أحد أنواع سرطان الدم.

الآلية التي يقوم من خلالها أكسيد الزرنيخ الثلاثي مضافًا إليه حمض الريتينوئيك المفروق بعلاج هذا النوع من السرطان هي غير واضحةٍ تمامًا، لكنّ هذه الدراسة تسلّط الضوء على كيفيّة تصرف هذه المركبات على المستوى الخلويّ، ويرجّح الباحثون أنّ خلط المادتين السابقتين من الممكن أن يساعد في معالجة أنواعٍ أخرى من السرطان أيضًا.

نتائج بحوثهم نُشِرَت في مجلة (Nature Communications)

إيقاف وتدمير إنزيمٍ رئيسيٍّ

عمل الباحثون على نماذجٍ من سرطانات الدم وسرطان الثدي وسرطان الكبد، ووجدوا أنّ خليط هاتين المادتين تمكّن من تدمير إنزيمٍ رئيسيٍّ يدعى (Pin1).

هذا الإنزيم يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم شبكات الإشارة والاتصال في السرطان، إذ يُحفز الإنزيم أكثر من 40 بروتينًا يُغذي خلايا السرطان، كما يقوم بإيقاف 20 بروتينًا يُثبط في الحالات الاعتيادية نمو السرطان.

يكون هذا الإنزيم ناشطًا بشكلٍ عالٍ جدًا في أغلب أنواع السرطانات -خصوصًا سرطانات الخلايا الجذعية- ويقود السرطان إلى النمو ويتسبّب غالبًا بمقاومة السرطان للعلاجات التقليدية.

في هذه الدراسة، لاحظ الباحثون أنّ أكسيد الزرنيخ الثلاثي يرتبط بالإنزيم ويثبط عمله ويؤدّي في النهاية إلى تلفه.

بينما يقوم وفي الوقت نفسه حمض الريتينوئيك المفروق -الذي يرتبط بالإنزيم أيضًا ويحلّله- بتسهيل وزيادة امتصاص الخلايا لأكسيد الزرنيخ الثلاثي.

هذا يؤدي إلى زيادة إنتاج بروتينٍ خاصٍ بغشاء الخلية يُسرّع دخول أكسيد الزرنيخ الثلاثي.

عند العمل مع الفئران المُصصمّة لعدم إنتاج إنزيم (Pin1) لاحظ العلماء أيضًا أنّ القوارض تكون شديدة المقاومة للسرطانات.

هذه الحيوانات بقيت سليمةً بسبب إيقاف إنتاج هذا الإنزيم لنصف حياتها تقريبًا، وهذا يعني أنّ استهداف هذا الإنزيم يمكن أن يكون مدخلًا جديدًا لعلاج السرطان.

يقول الدكتور زياو زين زو : «إنّ اكتشافنا يشير بشدةٍ إلى إمكانيّة إضافة أكسيد الزرنيخ الثلاثي إلى العلاجات المستخدمة في سرطان الثدي وأنواعٍ أخرى من السرطانات، خاصةً تلك المعتمدة على إنزيم (Pin1)، وهذا من شأنه أن يطوّر كثيرًا من نتائج علاج السرطان».


  • ترجمة: محمد جواد السعيدي
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر