لنحو قرن، سادت النظرية القائلة إن الجسيمات دون الذرية لا تكتسب خصائص فيزيائية محدّدة حتى نقوم بقياسها (ما يجبرها على اتخاذ حالة فيزيائية محددة).

هذه النظرية فتحت المجال نحو العديد من التناقضات، فمثلًا، إذا صحّت تلك الفكرة فمن الممكن للجسيم أن يمر بعدة سلاسل من الأحداث في الوقت نفسه، ما يجعل معرفة ما حدث منهما أولًا مستحيلة.

صمّم الفيزيائيون من جامعة Queensland سباقًا للضوء الذي أجبر الجسيم الواحد أن يتخذ مسارين في نفس الوقت، وبذلك يصبح من المستحيل أن نحدّد بأي ترتيب قام بإكمال زوج من العمليات.

في حياتنا اليومية المملة، يمكنك أن تجعل كرة تنزلق على سطح مائل وتدقّ الجرس (أ) ثم الجرس (ب)، أو إذا أحببت، يمكنك جعلها تطرق الجرس (ب) ثم الجرس (أ).

إذا أردت جعل الأمر أكثر إثارة، يمكنك أن تصمّم نظامًا يجعل أحد الجرسين يتسبّب في نقر الجرس الآخر.

لا شيء صادم في هذا، طالما أننا معتادون على الأحداث التي تحدث بمسبّب في الكون، أو التي تحدث بترتيب محدّد، فيكون أحدها هو السبب في حدوث الآخر.

لكن البساطة تختفي حينما نتقبّل فكرة أن الواقع ما هو إلّا احتمالية ضبابية لنفسه قبل أن يتم قياسه.

لتوضيح هذه النقطة، قام الفيزيائيون بصنع نموذج فيزيائي لشيء ندعوه بالمفتاح الكمومي، فتحدث عدّة أحداث في حين أن الجسيم يكون في حالة «تراكب كمي» لكل أماكنه الممكنة.

لنجعل الأمر بسيطًا، صنع الفريق مسارًا ينقسم ثم يعود ليلتحم داخل جهاز «إنتيرفيروميتر»، فيعتمد المسار لكل فرع على درجة استقطاب الضوء الداخل اليه.

أمواج الضوء التي تعبر في كل مسار فرعي في الطريق سوف تتداخل لإنتاج نمط مميز يعتمد على خصائصها.

في هذه الحالة الخاصة، شعاعا الضوء هما في الحقيقة فوتون واحد يأخذ مسارين مختلفين في نفس الوقت.

قبل إجراء عملية القياس، يمكن لفوتون الضوء أن يكون مستقطبًا بشكل عمودي أو أفقي، أو بشكل محدّد أكثر، فإنه يكون مستقطبًا بشكل عمودي وأفقي في نفس الوقت حتى يتم إجراء التجربة، فتثبت إحداهما على حساب الأخرى.

وبما أن هذا الاستقطاب غير المعلوم بعد هو عمودي وأفقي في نفس الوقت، فإنه يدخل في كلا المسارين، وفي حين أن «الحالة» المستقطبة عموديًا له تتخذ المسار الأول، فإن حالته الثانية تتخذ المسار الثاني.

عبر تتبّع المسارين، أصبح لدى الفريق المثيل الكمومي للجرسين المذكورين سابقًا، على شكل عدسات تغيّر من شكل الفوتون.

الضوء المستقطب أفقيًا سيقرع الجرس أ قبل الجرس ب، في حين أن الضوء المستقطب عموديًا سيقرع الجرس ب قبل الجرس أ، وكلمة الجرس هنا مجازية.

عبر تحليل نمط التداخل للفوتون المتحد مجددًا أُفرِج عن العلامات الناتجة عن فوضى النتائج الممكنة.

من السهل أن نتصور جسيمين منفصلين للضوء، أحدهما مستقطب أفقيًا والآخر مستقطب عموديًا، يتجاوزان كل عدسة بترتيب منفصل.

لكن ليس هذا ما حدث، فقد كان هذا فوتونًا واحدًا باحتمالين منفصلين لماهيّة ماضيه، كلاهما لم يحدثا في الواقع حتى إجراء عملية القياس.

في حين أن الحدثين (أ) و (ب) كانا مستقلّين في هذا المفتاح الكمومي، يمكن ربطهما ليؤثر أحدها على الآخر.

يمكن للحدث (أ) أن يسبّب (ب)، أو العكس، وكلاها يعتمد على التاريخ الذي تريده بعد الحدث.

ضع جانبًا السفر عبر الزمن لإصلاح هذا الخطأ الجسيم (بماذا تفكر؟)، يمكن لهذا أن يقود إلى تطبيق وحيد ممكن في حقل الاتصالات الكمومي، فنقل الفوتونات عبر نفق مليء بالضوضاء سيكون له الأثر الكارثي على معلوماته الكمومية، جاعلًا من تراكبه الكمّي فوضى عارمة.

لكن إرسالها عبر مسارات تتناسب ومفتاحها الكمومي يمكن أن يسمح -من حيث المبدأ- لمعلوماتها بالمرور بسلام.

في ورقة نشرها الفريق سابقًا في pre-peer review website arxiv.org تظهر كيفية تطبيق المفتاح الكمومي على طريقين مليئين بالضوضاء، وكيف يمكن أن يسمح للتراكب الكمّي بالنجاة.

بغض النظر عن كل العمل الغريب الذي يحصل في الواقع، فلا يمكننا أن ندّعي أننا نفهمه، لكن مجرّد فكرة أن العلماء يستطيعون عمل تطبيقات عملية باستخدامه هو أمر مبهر فعلَا.

هوامش، ملاحظات للقارئ غير المتخصص:

الاستقطاب: هو عملية فيزيائية يمكن من خلالها جعل الضوء العادي والذي يتكون من عدة مركبات في اتجاهات مختلفة أن يصبح منتظمًا ويتكون من مركبة واحدة في اتجاه معين، فعندما نقول أن موجة ضوء مستقطبة عموديًا فذلك يعني أن الضوء يتكون من مركبة واحدة في الاتجاه العمودي، ويمكن إنجاز هذه العمليات بعدة طرق منها العدسات المصمّمة خصيصًا لهذا الغرض.

الإنترفيروميتر أو interferometer: هو جهاز من تصميم العالم ميكلسون ويسمى كثيرًا باسمه، وهو مصمّم لرصد حالة التراكب التي يصنعها الضوء، أي موجات الضوء عندما تندمج معًا صانعةً نمطًا ضوئيًا معينًا يمكن دراسته، ومنه دراسة الموجات الداخلة للجهاز، ويختلف تصرّف الضوء هنا باختلاف خصائصه (ومنها إذن استقطابه).


  • ترجمة: أسماء الدويري
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر