إنّه لأمر مدهش أن نشاهد التطوّر وهو يحدث أمام أعيننا.

خلال عقدٍ من انقراضٍ جماعيٍ هائلٍ سببه نوع من الفطريات المعروفة باسم (القُديريّات – Chytrid)، طوّرت الضفادع المتبقية قدرتها على التعايش مع هذه الفطريات القاتلة في إل كوبي في بنما.

في دراسةٍ ميدانيةٍ لاحقةٍ، وجد الباحثون أنّ الضفادع المصابة بالفطريات نجت بنسبةٍ مماثلةٍ تقريبًا بالمقارنة مع الضفادع غير المصابة.

وفي عام 2004 بدأت الآلاف من الضفادع في إل كوبي في بنما بالنفوق، وكان المشتبه بهم هم (فطريات القُديريّات الضفدعية التغصنية – Batrachochytrium dendrobatidis).

وفي غضون عدة أشهرٍ انقرض تقريبًا نصف أنواع الضفادع المستوطنة في المنطقة.

ماذا حدث؟

تشير الأبحاث الجديدة إلى أنّ الضفادع خضعت لتغييراتٍ بيئيةٍ وتطوريةٍ مكنت المجتمع بأكمله من الاستمرار، على الرغم من الخسائر الكبيرة في الأنواع.

وقال الباحثون بأنّ النتائج قد تعني أخبارًا سارةً للمناطق الساخنة الأخرى ذات التنوع البيولوجي البرمائي والتي تضررت بشكلٍ كبيرٍ من قِبَل فطريات القُديريّات مثل أمريكا الجنوبية وأستراليا.

يقول المؤلف غرازييلا ديرينزو الباحث في جامعة ولاية ميشيغان: «إنّ نتائجنا واعدةٌ حقًا لأنّها تقودنا إلى استنتاجٍ مهمٍ وهو أنّ مجتمع ضفادع إل كوبي مستقرٌ وليس في طريقه نحو الانقراض».

قال ديرينزو: «غالبًا ما يشكل هذا مصدر قلقٍ كبيرٍ من الفطريات الُقديريّة في جميع أنحاء العالم. فقبل هذه الدراسة، لم نكن نعرف الكثير عن المجتمعات المتبقية بعد تفشي المرض».

عاد ديرنزو وزملاؤه إلى نفس موقع العمل الميداني الصغير الذي تبلغ مساحته كيلومترين مربعين في إل كوبي كلّ عامٍ بدءًا من 2010 وحتى 2014.

وقاموا بتقسيم الحقل إلى مواقعٍ أصغر بمساحة 20 مترًا وأخذوا العينات من هذه المواقع عدة مراتٍ لبضعة أيامٍ على الترتيب خلال موسمٍ واحدٍ.

كان الباحثون في كلّ مرةٍ يختبرون الضفادع المفردة من حيث احتواءها على الفطريات ويُقيّمون شدة الأعراض المرضية.

طوّر الباحثون نموذجًا مبتكرًا لتقييم سير المرض في المجتمعات التي عانت من تفشي المرض، وسُمِح تكرار العينات بتقليل الانحياز في النموذج وتمكن الباحثون من الاستنتاج بأن الضفادع المصابة قد نجت بنفس نسبة الضفادع غير المصابة.

وتشير هذه النتيجة بقوةٍ إلى أنّ أنواع الضفادع المتبقية في إل كوبي قد طوّرت القدرة على تحمل الفطريات والنجاة من تأثيراتها القاتلة.

قالت الكاتبة إليز زيبكين الأستاذة المساعدة في قسم علم الأحياء التكاملي: «سمح نموذجنا الإحصائي بتقدير نسبة بقاء البرمائيات وتقييم سير المرض في ظروف المنع، مع الحجم الصغير لمجتمع البرمائيات المتبقية من استخدام الطرق التقليدية في التحليل».

يقدم هذا الإطار النموذجي الجديد فرصًا غير مسبوقةٍ لفحص العوامل المؤثرة على المجتمعات الصغيرة التي تفشى فيها المرض.

الإنقاذ البيئي التطوّري:

يقترح الباحثون أنّ مجتمع ضفادع إل كوبي قد استقر عبر تأثيرٍ يُعرف بالإنقاذ التطوّري البيئي.

ووفقًا لهذا المفهوم فإنّ بعض الأنواع قد طوّرت قدرتها على تحمل الفطريات في حين انقرضت الأنواع الأخرى المصابة وتوقفت عن المساهمة في انتشار العامل المسبب للمرض.

فرُبّما أصبح الفطر نفسه أقل فتكًا أو رُبّما قد يكون مجتمع الضفادع بأكمله قد خضع لأنماطٍ أخرى من إعادة البناء.

وبسبب دراسة الباحثين لمجتمع ضفادع إل كوبي لسنواتٍ قبل وباء عام 2004 فقد لاحظوا بأنّ مواقع البحث قد منحتنا فسحةً نادرةً لتقييم التغيرات في مجتمع الضفادع الحاصلة بسبب إصابتها الواسعة بالفطريات القُديريّة.

وقال الباحثون أنّه في حالة استقرار المجتمع هنا فمن المحتمل أن تكون مجتمعات الضفادع الأخرى المتضررة في أماكنٍ أخرى من العالم قد خضعت لعمليات تكيّفٍ مماثلةٍ، حتى لو أدى المرض إلى تقليل العدد الإجمالي للأنواع والأفراد.

وقال المؤلف المشارك كارين ليبس أستاذ علم الأحياء في جامعة ميريلاند: «إنّ ضفادع إل كوبي لم تقم بشيءٍ عظيمٍ إلّا أنّهم اعتمدوا عليهم، وفي الحقيقة بقاء بعض الأنواع على قيد الحياة هو الأهم».

وأضاف: «إن تمكنت أنواع كافية من الضفادع في مكانٍ معينٍ من النجاة والاستقرار فمن الممكن أن يحل مجتمع ضفادعٍ جديدٍ نابضٍ بالحياة تعويضًا عمّا فُقِد منهم».


  • ترجمة: د. زياد الباش
  • تدقيق: رند عصام
  • المصدر