أظهر استطلاع للمراهقين أجراه باحثون في جامعة كوفنتري أنّ أقل من نصف مستهلكي السجائر الإلكترونية كانوا يعلمون بأنّها تحتوي على النيكوتين أو أنّها تسبب الإدمان، ما يرفع احتمالية لجوئهم لاحقًا لتدخين السجائر العادية.

إنّ إدمان النيكوتين مشكلة حقيقية، لكنّ القضايا الصحية التي تطرحها السجائر الإلكترونية أكثر من مجرد الإدمان.

لقد واجه الأوروبيون الأوائل الذين وصلوا إلى أمريكا في نهاية القرن الخامس عشر عادة تقليد المحليين في تدخين التبغ، وقاموا بدورهم بتصدير هذه العادة إلى أوروبا.

كان الملوك الإنجليز يعارضونه – الملك جيمس الأول ألّف كتابًا بعنوان (A Counterblaste to Tobacco) – ولكن في النهاية، فرضت الحكومات الضرائب عليه.

والمركب المسؤول عن الجوانب الممتعة لتدخين التبغ بخصائصه المسببة للإدمان هو النيكوتين، وهو مستقلب ثانوي تنتجه نبات التبغ (Nicotiana tabacum) للدفاع عن نفسها ضد العواشب.

يدمر تدخين التبغ معظم الجزيئات الموجودة فيه، بما في ذلك النيكوتين، لكنّ الكمية الصغيرة من النيكوتين – تقريبًا 10٪ – تنقل من الرئتين وعبر الدم إلى الدماغ خلال أقل من عشر ثوانٍ.

وحالما يصل النيكوتين الدماغ، فإنّه يحفز إطلاق النواقل العصبية، بما في ذلك (جزيء المتعة) الدوبامين.

الارتباط بين أخذ (سحب) السيجارة ورد الفعل (المتعة) في الدماغ يفسر أنّ التدخين يمكن أن يسبب الإدمان، لأنّه يربط المتعة بالتدخين.

لعبة خطيرة

معظم مخاطر التدخين لا تأتي مباشرةً من النيكوتين، فدخان السجائر يحتوي على حوالي 4000 مركبٍ مختلفٍ والجزيئات الأكثر خطورة هي المواد المسرطنة مثل الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات (benzo[a]pyrene) والنيوزامترين كما في (N’-nitrosonornicotine (NNN، المشتق من النيكوتين.

التبغ – أو القطران – الذي يحمله الدخان إلى الفم والرئتين يكون غنيًا بهذه المواد السامة.

الدخان يدمر الحمض النووي في الأعضاء المعرضة له، وكذلك الأمر لمن يتعرضون له بشكلٍ غير مباشرٍ، ما يسرع الطفرات الوراثية ويزيد من خطر الإصابة بالسرطان، وهذا ليس فقط بالنسبة للرئتين ولكن أيضًا في الفم والحنجرة والكبد وعنق الرحم والمريء والبنكرياس والمثانة والكلى.

لا تؤدي كلّ هذه الطفرات إلى السرطان، ولكن كلما زاد عددها زادت احتمالية حدوث الطفرات المسببة للسرطان.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية تتسبب الأمراض المرتبطة بالتدخين في وفاة حوالي ستة ملايين شخصٍ سنويًا، وحوالي 600000 حالة وفاة من التدخين السلبي .

حوالي 100000 من هذه الوفيات كانت في المملكة المتحدة ونصف مليون في الولايات المتحدة.

النيكوتين لا يسبب هذه الوفيات بشكلٍ مباشرٍ، ولكنّ الإدمان على النيكوتين هو السبب في ذلك.

خلال العقد الماضي سُوِّقَت السجائر الإلكترونية كوسيلةٍ للاستمتاع بالتدخين مع كمية أقل من المخاطر الصحية للسجائر التقليدية، لشيء واحد وهو أنّ السجائر الإلكترونية لا تحرق التبغ، لكن يجب عليهم القضاء على المخاطر المرتبطة بالقطران.

تحتوي السجائر الإلكترونية على بطارية وعنصر تسخين معدني وخزان سائل، ويُحَوّل إلى بخار بواسطة عنصر التسخين ويُستنشق من قبل المدخن.

يتكون السائل من مذيب، إمّا من الجلسرين أو البروبيلين جليكول أو النيكوتين وكثيرًا ما تُضاف المُنكِهات الغذائية.

إذن، ما هي مشكلة السجائر الإلكترونية، إذا كانت لا تنتج القطران المسرطن؟

يمكن أن يؤثر النيكوتين أو الجزيئات الأخرى الموجودة في السجائر الإلكترونية على صحة الرئة.

وهناك عدد كبير من المواد الكيميائية المُنَكِهة المستخدمة في العديد من السوائل وهي الألدهيدات، وهذه غالبًا ما تُهيّج الأنسجة المخاطية في الجهاز التنفسي عند استنشاقها.

الأمثلة النموذجية هي سينامالديهيد (القرفة) والفانيلين (الفانيلا) وثنائي الأستيل (الزبدة).

تظهر الاختبارات على الخلايا الظهارية – الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية والقلب – أنّ بعض منكهات السجائر الإلكترونية ومكوناتها قد تضر بالأوعية الدموية مثل الفانيلين وسينامالديهيد وثنائي الأسيتيل وأسيتيل إيزو ميت والمنتول.

وتسببت أيضًا في ارتفاع مستويات الواسم الالتهابي (interleukin-6) ومستويات أقل من أكسيد النيتريك – وهو جزيء له عدة أدوارٍ مثل تثبيط الالتهاب والتخثر وتوسيع الأوعية الدموية – ويكون هذان التغييران مؤشرين مبكرين لأمراض القلب.

على الرغم من أنّ المنكهات الغذائية في حد ذاتها آمنة عند استخدامها في الأغذية – كما في المذيبات – لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّها آمنة تمامًا للاستخدام بشكلٍ مختلفٍ، كما هو الحال في السجائر الإلكترونية.

وقد أظهرت الدراسات أنّ بعض هذه الجزيئات ولا سيما المذيبات، يمكن أن تتحلل عند تسخينها بما يزيد عن 300 درجةٍ مئويةٍ بواسطة عنصر التسخين في السجائر الإلكترونية.

نتجت ثلاث موادٍ سُميت الإيثانال والميثانال والأكروليين عن تحلل الغليسرين والبروبيلين غليكول، وحازت على اهتمامٍ خاصٍ.

رُبّما قابلت (الأكروليين – Propenal) وهي المادة الكيميائية التي تتكوّن عند تسخين زيت الطهي حتى يبدأ بالتدخين، وإنّها سامة ويمكنها أن تهيّج العينين والممرات الأنفية بشدة.

الإيثانال (الأسيتالديهيد) وميثانال (الفورمالديهايد) هما أيضًا مادتان سامتان، فالميثانال على وجه الخصوص يُعدّ أحد المواد المسرطنة المعروفة.

ويمكن أيضًا أن تتشكل هذه المواد عن طريق تحلل الجزيئات المُنكِهة.

الرأي

 هل هذه الجزيئات تنتج بتراكيز خطيرةٍ في السجائر الإلكترونية؟

تبين أنّ استخدام السجائر الإلكترونية يؤدي إلى تقليل مستويات مستقلبات معينة مسرطنة بشكلٍ ملحوظٍ في بول مدخنيها، مقارنة بالمستويات الموجودة لدى مدخني السجائر التقليدية.

ورُبِطت بمستويات أعلى لبعض الجسيمات، بما في ذلك المعادن كالكادميوم والنيكل والكروم والرصاص والزنك، وقد تكون ناشئةً من جهاز التسخين.

هناك قلق خاص بشأن النمو السريع في استخدام السجائر الإلكترونية لم يرافقه تقييم صحيح للمخاطر المرافقة لاستخدامها، خاصةً على المدى البعيد.

في حين أن بعض التقارير قد ذكرت بأن السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا من السجائر التقليدية، فقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن الاستخدام المنتظم للسجائر الإلكترونية من قبل الشباب يؤدي إلى أن يصبحوا مدخنين شرهين للسجائر التقليدية.

وأشارت دراسة أمريكية أخرى إلى أن استخدام السجائر الإلكترونية من قِبل المراهقين يزيد مخاطر السعال والتهاب الطرق الهوائية مقارنةً مع غير المدخنين.

تتوفر السجائر الإلكترونية مجانًا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ولكنّها محظورة في بعض البلدان مثل النرويج والبرازيل وسنغافورة وأستراليا.

كما حذّرت رسالة نُشِرت في المجلة الطبية البريطانية:

هناك حاجة للمزيد من الدراسات والبحوث الوبائية لزيادة قاعدة الأدلة لدينا على فوائد ومضار بخار السجائر الإلكترونية.

حتى ذلك الحين لا ينبغي تضليل المرضى إلى الاعتقاد بأنّ احتمال حدوث ضرر في المستقبل لا يكاد يذكر عندما لا توجد أدلة كافية لقول ذلك.

خلاصة القول، في الوقت الحاضر لا أحد يعرف ما إذا كانت هناك مخاطر طويلة الأجل مرتبطة بالسجائر الإلكترونية.

لكنّ الحذر مطلوب.


  • ترجمة: كنان مرعي
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر